سوليوود «متابعات»
العلاقة الإشكالية بين السينما والشعر تتجسد دائما في إنتاج الصورة وجمالياتها وتأثيرها وبنائها والمعطيات الحسية المرتبطة بها.
ولطالما كان الوسيط ما بين الفيلم وسائر الأنواع الأدبية هو ذلك النص الفريد الذي يجسّد عبقرية النص السردي المكتوب، في مقابل الخطاب المرئي والمسموع وذلك النص – الوسيط هو السيناريو بكل تأكيد، وفقا لصحيفة العرب.
وعندما تقترب الأنواع الأخرى، الأدبية، خاصة من الشاشة فإن السيناريو يحضر مباشرة، وعلى هذا كان الجانب العملي المرتبط بالسينما والشعر يتطلب إدخال السيناريو لكي يعيد إنتاج النص الشعري على الشاشات.
لكن المسألة تتعدى ذلك إلى الجمع من السينمائيين مرهفي الحس والذين هم أنفسهم سينمائيون وذوو طاقة وقدرة ورؤى شعرية، هؤلاء النخبة المتمردة على الأشكال والوسائط هم الأكثر حساسية للشعر وكيفية تجسده على الشاشة.
بالطبع يمكن العودة إلى تاريخ السينما لنجد العديد من الأسماء التي تألقت في هذا المجال وعرفت بـ”شطحاتها الشعرية” على الشاشات، ولكنها وفي ذات الوقت رسخت الطابع النخبوي للفيلم في مقابل الطابع الجماهيري العام، عندما يتم عرض المئات أو الآلاف من القصص السينمائية الواقعية المعتادة.
ولسوف نتذكر هنا السينمائيين: جان كوكتو وبازوليني وفليني وجيرزي سكولموفيسكي وكيشلوفيسكي وتاركوفيسكي، ثم إذا تعمقنا أكثر فلسوف نجد أن موقع الحس السينمائي يقدم لنا عشرة مخرجين سينمائيين شعريين، هم كل من تيرنس ماليك واليوناني أنجيلوبولس والياباني يازوجيرو أوزو والإيطالي مايكل أنجيلو أنطونيوني والإيراني عباس كياروستامي وكار واي يونغ من هونغ كونغ والفرنسي آلان ريسنيس والبلجيكي تشانتال أكيرمان، بالإضافة إلى مخرجين ذكرناهما من قبل وهما الروسي تاركوفيسكي والتشيكي كيشلوفيسكي.
متذوقو الفن السينمائي ليسوا جميعا على خط واحد من التفاعل مع هذا النوع، فهناك من لا يعثر على القصة السينمائية البسيطة والمباشرة والشخصيات الدرامية المتصارعة
ومع هذه النخبة من ألمع صانعي الجمال – الشعري السينمائي نكون أمام ظاهرة سينمائية – نخبوية فريدة ترتقي بالفن السينمائي إلى مستويات عالية ومتفردة وتتيح للغة الجمالية المترفة والمشبعة بالصور المكثفة وبالرموز والاستعارات والاستخدامات البارعة شديدة التكثيف والدلالة وهو ما يميز هذا التيار عما سواه.
يمكننا بالطبع الحديث عن شخصيات وأماكن وأحداث مفتوحة على شتى التأويلات مما يتيح لهذا النوع من الخطاب السينمائي أن يجد له متلقين مختلفين قادرين على التأويل وتفكيك الخطاب السينمائي – الشعري على نحو عميق ومؤثر، ومع كل هذه المواصفات وبسبب ما ذكرناه عن الطابع النخبوي لهذا التيار، ليس مستغربا أن يبحث الجمهور العريض عن تلك السينما الشعرية في الصلات المعتادة، فلا يكاد يجدها لأسباب شتى لعل من أهمها أن المهتمين والمتفاعلين مع هذا التيار هم ثلّة قليلة من السينمائيين المختلفين كما أن الطابع الربحي والتسويقي والتجاري للفيلم يبعده بمسافات عن الأنواع التجريبية والشعرية، ويجعل تلك التجربة السينمائية مرتبطة بذائقة أفراد وليس بذائقة جماعات واسعة.
في المقابل نجد أن متذوقي الفن السينمائي ليسوا جميعا على خط واحد من التفاعل مع هذا النوع، فهناك من لا يعثر على القصة السينمائية البسيطة والمباشرة والشخصيات الدرامية المتصارعة بل يجد ما هو مختلف من خلال اتساع مساحة التأويل السينمائي والمدى الفسيح الذي تتحرك من خلاله الشخصيات، فضلا عن توظيف الأحلام والوعي واللاوعي وحتى الهلوسات وهواجس الذات، لتحتشد كلها في هذا النوع السينمائي الذي ينظر إلى الحياة نظرة استثنائية مختلفة لا تجد لها تطابقا ولا حتى تشابها أحيانا مع الأنواع السينمائية المعتادة.
وخلال ذلك يمكننا أن نتلمس تحشيد السينما الشعرية من منطلق تجريبي خالص، يذهب بالإنسان بعيدا إلى أعماق ذاته ولا وعيه، وبهذا تقترب تلك التجارب من الشفافية والحس الإنساني العميق وتكريس الجماليات على جميع المستويات.