سوليوود «متابعات»
المرأة في أفلام الرعب حاضرة منذ أمد بعيد. هي الضحية المثالية: جسد ضعيف أمام آخر ذكوري قوي. جميلة بين قبضتي وحش. أنثى بريئة يلاحقها قاتل مهووس.
جاك ذَ ريبر في لندن 1888 وجد في أزقة «إيست لندن» مرتعاً دائماً وضحاياه جميعاً كنّ من النساء. في «سايكو» هيتشكوك الضحية الأولى هي امرأة (جانيت لي) التي لم يتوقع أحد أن يتم اقتراحها كبطلة للفيلم ليتخلص المخرج منها بعد نحو ثلث ساعة. في «كينغ كونغ» تقع فاي راي، في نسخة 1933 لمريان كوبر وإرنست شودساك (ثم جسيكا لانغ في نسخة 1976 لجون غيلرمن، وبعدها ناوومي ووتس في نسخة 2005 لبيتر جاكسون) بين قبضتي الوحش لا لقتلها بل لحمايتها من الأفاعي الضخمة والديناصورات وطيور ما قبل التاريخ، ولاحقاً مضحياً بنفسه من أجلها لأنه وقع في حبها، حسب صحيفة الشرق الأوسط.
في الواقع، كيفما نظرت في أنواع أفلام الرعب ستجد المرأة هي الضحية الأولى. يسقط الرجال أيضاً في كثير منها، لكن المرأة تبدو غالباً المنال الأسهل. الحلقة الضعيفة بين فعل الحياة وفعل الموت.
ثم هناك رموز شتّى لعالم الرجل المهيمن على المرأة أبرزها، في أفلام الأمس، ذلك القصر الكبير ذو التصميم الكلاسيكي القابع بتاريخه وبشاعة منظره كتعبير عن سيادة الرجل وامتلاكه مصير المرأة حتى وإن نجت في النهاية من شِراكه. نجد ذلك في فيلم هيتشكوك «سيئ السمعة Notorious» سنة 1946. نجده كذلك في «ذا هاونتينغ» لروبرت وايز (1963). في الفيلمين، وكثير سواهما، هي في فخ بيت كبير محكم، ضحيّة الرغبة في إيهامها بأنها مجنونة.
طبعاً كانت هناك استثناءات في كل حقبة. وإذا نظرنا إلى أفلام دراكولا منذ «نوسفيراتو» 1922 للألماني فردريك ولهلم مورناو سنجد أن الوحش حام حول المرأة أولاً لكنه حام حول الرجال أيضاً في تماثل مع الازدواجية الجنسية التي حملتها شخصيته في الأدب وعلى الشاشة.
– ثلاثة أسباب
ما سبق قوله هو نتاج اجتماعي ناسب الفترات الزمنية السابقة التي سبقت تحرر المرأة ثم واكبت ذلك التحرر كما لو كان رفضاً له أو ريبة في جدواه. هذا استمر حتى مطلع الثمانينات عملياً عندما أعلن فيلم «خارجي Alien» لريدلي سكوت أن المرأة تستطيع أن تواجه الوحش وتنجح في ذلك في حين سقط الرجال من حولها ضحايا.
في التوجّه نفسه انتقلت المرأة من أمام الكاميرا إلى خلفها لتحقيق أفلام الرعب، صحيح أن المرأة بقيت ماثلة كذلك كشخصية رئيسية في أفلام عدة لكن قدراتها في معظم أفلام الرعب التي أخرجتها نساء هي أقوى مما كانت عليه في الحقب الماضية. وفي حين وضع الرجال منذ الثمانينات المرأة في أدوار قوّة فريدة، إلا أن الكثيرات من النساء المخرجات دفعن بالصورة إلى الأمام حين تعرّضت لموضوع الذكر والأنثى. المثير في الموضوع برمّته هي أن ماري هارون وجنيفر كنت وآنا ليلي أميربور وكورالي فارجيت وكاثرين بيغيلو وسواهن حين أقدمن على تحقيق أفلام الرعب لم يبادرن بالضرورة لقلب الصورة. بل سعين أساساً لتقديم فيلم رعب من توقيع المرأة التي كانت ضحية بالأمس وأصبحت مالكة قرارها اليوم.
على ذلك، هناك ميزات محسوبة لهذه الأفلام التي تبدو للوهلة الأولى مجرّدة من الأهداف أو لا تتميّز مطلقاً عما حققه المخرجون الرجال في هذا الحقل.
فيلم ماري هارون «أميركان سايكو» (2000) مثال مهم في هذا الاتجاه. هو عن قاتل شنيع مركّب بعقد شتّى ولا يبدو، للعموم، وحشاً بشرياً (كرستيان بايل في الدور). معاكس لشخصية أنطوني هوبكنز في «صمت الخراف» (1991) ومشابه له من حيث تجسيده الخوف الآتي من مصدر نفسي عميق.
بطل «أميركان سايكو» باتريك، مخيف لثلاثة أسباب: 1) لأداء ناجح من بطله. و2) لجرائمه التي يرتكبها بدم بارد. و3) بسبب تفعيل المخرجة للخلفية الاجتماعية والاقتصادية في صياغة المجرم. باتريك آتٍ من عائلة ثرية لم يكن ليحتاج أن يهوى، كحال سواه الآتين كضحايا مسبقين لسوء الطالع والظروف العسيرة. وهذا وحده مثير للخوف كونه ينزع عن الطبقة العليا حصانتها.
في فيلم لاحق للمخرجة ذاتها، عنوانه «مفكرة الفراشات» (2012) تعمد للغوص في الدوافع النفسية – الجنسية للقتل. هو مثال شبه نادر للمرأة وراء الكاميرا التي تقرر تحقيق فيلم عن نساء إحداهن مصاصة دماء. بالتالي، يغيب الرجل من الظهور تقريباً وتبقى المرأة في كيان طالبات، في كلية بنات خاصّة، إحداهن قاتلة ومن خلال ذلك خيط الغيرة النسائية المنسوجة من علاقات مكبوتة. لا تدخل ماري هارون عميقاً في هذا الوضع لكنها تؤمّن، ولو بإتقان أقل من فيلمها السابق، عناصر فيلم الرعب.
– أفلام ذكورية
بعض المخرجات نزعن صوب تحقيق أفلام اشتهر الرجل بها. كانت حكراً عليه. وَلَجَت عالمه بالكفاءة ذاتها. وإحداهن هي كاثرين بيغيلو. فعلت ذلك حين دخلت عرين الفيلم البوليسي في «بلو ستيل» (1990) مع جايمي لي كيرتس كشرطية مهدَّدة من القاتل رون سيلڤر، وفيلم الأكشن الرجالي في «بوينت بريك» (1990) وميدان الفيلم المستقبلي القائم على التشويق والخيال في «أيام غريبة Strange Days» سنة 1995. ولا ننسى بالطبع دخولها الفيلم الحربي في «The Hurt Locker»، حيث يُمضي أبطالها أوقاتهم على الخط الفاصل بين الحياة والموت في العراق.
أفلام بيغيلو في غالبها ذكورية، لكنها قبل هذه الأفلام أنجزت فيلم رعب بعنوان «قريب الظلام Near Dark» دلفت عبره إلى سينما الرعب. في هذا الفيلم الأول لها (1987) مارست أيضاً حب توفير حكايات من بطولة الرجل لا المرأة. في الواقع نجد أن «بلو ستيل» هو الفيلم الوحيد لها الذي وفّر المرأة كضحية محتملة لشرور الرجل. ربما لا تنظر بيغيلو إلى الموضوع الأنثوي – الذكوري على هذا النحو. ربما لا تحب أن تقدّم المرأة قوية لأنها ليست واثقة من هذه القوّة في شخصيات سواها.
في الغمار ذاته نجد فيلم أنطونيا بيرد «مفترس» الذي تقع أحداثه خلال الحرب الأهلية الأميركية حول مجنّد (غاي بيرس) يواجه آكل لحوم بشر (روبرت كارلايل) في لعبة حياة أو موت خطرة. لكن بعيداً عنه نستطيع أن نجد أفلاماً تضع المرأة مجدداً في مرمى البطولة كما حال فيلم كارين كوساما «جسد جنيفر» (2009)، و«فتاة تسير للبيت وحدها في الليلA Girl Walks Home Alone At Night» سنة 2014 الذي يوفّر عنوانه وحده الموضوع الذي اختارته مخرجته آنا ليلي أميربور. أما فيلم كارولي فارجيت «انتقام» (2017) فيتناول سعي بطلته (ماتيلدا لوتز) للبقاء حية ما يجعلها تنقلب على مطاردها وتنتصر عليه.
كل ما سبق لا يُجيب عن السؤال حول ما الذي يختلف فيه فيلم رعب من إخراج رجل عن فيلم رعب من إخراج امرأة. بالرجوع إلى أفلام ماري هارون وكاثرين بيغيلو، لا شيء. لكن في بعض الأفلام المذكورة (وسواها التي لا يسمح المجال للغوص فيها) اختلاف ينتمي إلى أن أفلام المرأة تعكس حساسية ورهافة حول بطلاتها في الخطر تغفلها أفلام الرجال عندما تكتفي بالنظر إلى النساء كضحايا فقط.