ماجد الجريوي
اعتدنا في سنوات ماضية على أن يكون محتوى الدراما هو مادتنا في رمضان. نناقشها نعشق شخصياتها نتداول أحداثها وأفكارها التي تطرحها. نترقب على أحر من الجمر جديد تلك الأعمال والشخصيات. إلا أنها اختلفت جذريا خلال السنوات القليلة الماضية. حيث لم يجمع الجمهور بمختلف شرائحه ومستوياته الثقافية، كما أجمعوا على ضعف المحتوى الدرامي المقدم خلال هذه الفترة.
وبالملاحظة في محتوى تلك الأعمال، نجد أن الكثير منهما اتخذ الكوميديا منهجا له في معالجة القضايا والأحداث، أما التراجيديا أصبحت أسيرة لحقبات الماضي من ستينيات وسبعينيات وثمانينيات وأحداث محدودة! ورغم أن التناول الدرامي للقضايا يمكن أن يستوعبه النمطان، إلا أن الكوميديا أخفقت بوضوح، وندرة التراجيديا المحبوكة المتقنة كذلك لم تستطع المعالجة.
حتى مفهوم الكوميديا شوه بطرق لم نعهدها من قبل، فما يقدم الآن يلامس حدود الهزل والتهريج وركاكة نص، تعتمد فقط على قدرات الفنان الارتجالية وفي الاسترسال بما يتطلبه المشهد، وهي بذلك أقرب لفن الـ( ستاند أب كوميدي) من كونها صناعة دراما. فما يقدم لا يرقى أن يكون دراما حقيقية عميقه، فلا قصة حاضرة ولا سيناريو محبوك يتواءم مع المتلقي ولا تفاصيل في البناء الدرامي من حيث التصاعد والعقدة الدرامية.
إن كان كل ما يقدم وفق قدرات مالية محدودة وتكلفة إنتاج منخفضة ومواهب متواضعة سأكون أول المتفهمين ولن آخذ من وقتك ومن مساحة الصحيفة لكتابة هذا المقال. المؤلم أن الأرقام المرصودة لتلك الأعمال والتي اطلعت على بعضها عالية جدا، وضخامة إنتاج، وإمكانيات سينمائية لم يسبق لها مثيل في المنطقة. ورغم ذلك، ما يقدم هو فوضى وعشوائية نجبر عليها في أوقات ذروة. واهتمامات بالشكليات وهوامش. فأقوى نقطة قوة يرتكز عليها القائمون بالعمل تكون على سبيل المثال بناء أستوديو افتراضي لعمل درامي مفلس فنيا وهكذا.
والحديث عن أوقات الذروة يقودني لفكرة انتشرت مؤخرا بين معشر المنتجين وأرباب تلك المحطات التلفزيونية والأعمال الدرامية. حيث يتعاملون مع مبدأ طالما أن العمل مشاهد في وقت الذروة، وهو حديث الجمهور حتى وإن كان غير راض عنه فإن ذلك معيار نجاح لهم! وبعدها بديهيا يتم انتقادهم من قبل الجمهور ويأتي الرد على شكل لا تشاهدني اغلق التلفاز! كل هذا يوسع الفجوة بين رغبات الجمهور وبين ما يقدم، وها نحن قد وصلنا لمرحلة خطيرة درامياً حين يرى الجمهور أن الأعمال المقدمة لا تمثله ولا تعبر عن إشباعاته.
إن الدراما أحد أهم الأسلحة لعدة مجالات مثل الإعلام والقوى الناعمة والتسويق. فصناعتها يجب ألا يكون فيها استهتار وعشوائية. لأن من خلالها يتم تأطير الشخصيات والكيانات إما بالسلب أو بالإيجاب، إما بقصد أو بدون قصد والأمثلة كثيرة، فشخصيه العربي واللاتيني والرجل الأسود تم تأطيرها في هوليوود وفق أدوار سلبية محددة. بعض البلدان استخدمت الدراما للترويج لها سياحيا، وسياسيا، أمريكا في كل أفلامها صعب أن تهز صورة الجندي والجيش الأمريكي، وغالبا ما تبرز وتعزز قوة أمريكا في السياسة وتحديدا الخارجية. الدراما في نظري هي فن صناعة وبناء تفاصيل القصة المرئية للحصول على صورة ذهنية عن الشخصيات والأشياء.
يقول الفنان السويسري إرنست ليفي: ستبدأ الإنسانية بالتحسن عندما نأخذ الفن على محمل الجد كما الفيزياء أو الكيمياء أو المال.
صحيفة الوطن