أحمد سهيل
مخرج الفيلم أو (صانع العمل) كما يطلق عليه من أين اكتسب هذه المكانة؟
يقول أندريه بازين (مُنظّر وأحد أهم نقاد السينما في فرنسا) «إن الفيلم يجب أن ينسب إلى مخرجه ما دام المخرج يتحكم بمكونات الصورة والصوت، ولا بد له أن يكون مؤلفا مثله مثل الأديب، سواء اشترك في كتابة السيناريو أم لم يشترك».
منذ ميلاد «سينما المؤلف» في فرنسا وانتقالها بعد ذلك إلى العالم، واجهت الفكرة تحديات صعبة عندما اعترض الفيلسوف الفرنسي رولان بارت على ربط المؤلف بالنص في مقالة نشرت للمرة الأولى في المجلة الأمريكية أسبين من العام 1967م، والتي أكد بارت فيها على ضرورة الفصل بين المؤلف والنص، فكان اعتراضه على تفسير النص في ضوء خلفية المؤلف ومعتقداته والظروف التي أحاطت بكتابته للنص، مُشبّها: «أن النص كالنسيج» في تكوينه، بقصد أن النص يتكون من مجموعة أفكار مستمدة من مراكز ومراجع ثقافية عدة لا تحكمها التجربة الفردية.
ولما أثارته نظرية «موت المؤلف» لبارت من ضبابية وتراجع، والتي لم تدم لتضفي تأثيرا واضحا على الصناعة، عادت الفكرة الأولى «سينما المؤلف» التي كان قد وصفها ألكسندر أستروك بالسينما الطليعية؛ إلى الظهور مجددا بمبادئ جديدة، لتثبت قوة ورسوخ نظريتها.
يقول الناقد السينمائي المغربي سليمان الحقيوي «يجب أن نعيد كل مفهوم إلى أصله، المؤلف في جانب أيمن والسينما في الجانب الأيسر، المؤلف كان له سبق على السينما باعتبار أن السينما لم تعمّر أكثر من 100 سنة وبعض السنوات، أما المؤلف فقد كان له امتداد وتواجد قبل ذلك، على أساس أن من يكتب عملا وينسب إليه فهو مؤلف له».
ولأن لسينما المؤلف مفهوم وتعريف صعب، نقول إنه لا يمكننا أن نطلق تلك التسمية على أي مخرج لم يتخلص من البعد التجاري في صناعته، في حين أننا لا نستطيع أيضا أن نبيح ادعاءاتنا تلك في ظل عدم تعارض سينما المؤلف بمبادئها الجديدة مع العامل التجاري شريطة تحقيق التوازن، «التوازن المفقود» الذي سبق وأن تطرقتُ إليه في مقال آخر.
وبعد كل تلك المفارقات، نستنتج أن «سينما المؤلف» لم تحظر المبدأ التجاري في الصناعة، لم تصل إلى ذلك الحد من الجرأة، كما أن ذلك لم يكن الغرض من ابتكارها في الأصل، حيث بدأت وهاجس المخرجين في فرنسا أمثال فرانسوا تريفو وإيريك رومير وجان لوك غودار، هو إقصاء (المؤلف الروائي) واستئصال فكرة تذيل السينما من الأدب، الفكرة التي لم تكن سليمة النوايا والتي لم تُبتكر إلا لاستبدال المؤلف وتأصيل المخرج- المؤلف الذي باتت بعد ذلك الأفلام السينمائية تنسب إليه! لا لمؤلفها.
كان تريفو يرى أن الأفلام التي تستند إلى أعمال أدبية هي أفلام لا أصل فيها، أفلام جاءت إلى مخرج منفذ كتبها غيره، لا تحمل رؤية، مقيدة بقوالب التقليدية. وأفكار كثيرة أخرى لتريفو تستند أساسا إلى ما نُشر لأستروك في مقاله الشهير الذي يقر فيه بأن الفيلم منتج تجاري يجب أن يحقق الغرض من مشاهدته «التسلية»، كما أنه عبارة عن قطعة فنية إذا ما كان بحاجة «فنان واحد» يعود إليه الإبداع، فإن ذلك الفنان باتفاق عرّابي الموجة الجديدة هو «فنان الفيلم» أو المخرج-المؤلف الذي ليس بالضرورة أن يكتب أو يشارك في كتابة السيناريو، ولكن ليعبر عن رؤيته بطريقته الخاصة فيوازي المؤلف-الروائي في إبداعه.
ومن هنا أصبحت العبارات مختلفة، من فيلم – إخراج فلان.. إلى فيلم لفلان.
وقفة:
هل وُجدت سينما المؤلف-المخرج المؤلف حقا لعزل المؤلف-الروائي ما بعد الحداثة؟
هل وُجدت حقا تلك المكانة بسبب الأفلام التقليدية التي كان يحشو بها كتّاب السيناريو أصلهم الأدبي وأفكارهم السياسية الخاصة كما كان يرى فرنسوا تريفو وأعضاء الموجة الجديدة؟
صحيفة مكة