سوليوود «متابعات»
أصبحت إثارة الجدل إحدى ركائز وأهداف صنّاع الدراما العربية في الآونة الأخيرة، حيث بات المؤلفون يميلون إلى تقديم أعمال ذات محتوى شائك لجذب أنظار الجمهور بمختلف فئاته، ولعلّ آخر هذه الأعمال مسلسل «جمال الحريم» للمخرجة منال الصيفي، حيث واجه اتهامات بالترويج لأعمال السحر والشعوذة، إلى جانب مسلسل «الآنسة فرح» للمخرج وائل فرج، الذي أثار جدلاً حول حمل فتاة عذراء إثر حقنها بشكل خاطئ.
صحيفة «الرؤية» تفتح ملف إثارة الجدل في الدراما العربية، لترصد مع صناع الدراما الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة مؤخراً، وإلى أي مدى يستند صناع هذه الأعمال إلى نظرية «الفن مرآة للواقع».
نشر العدوانية
الفنان المصري لطفي لبيب انتقد مستوى الدراما المصرية خلال الأعوام الأخيرة، متهماً إياها بتصدير السلبيات للجمهور دون إيجاد حلول لها، مضيفاً: «أصبح الترويج للبلطجة والمخدرات من خلال الدراما المصرية، وهذا شأن لا يليق بنا في ظل ريادتنا بهذا المجال منذ أعوام وأعوام».
وتابع: «أرى أن الأفكار المقدمة في المسلسلات تُسهم في نشر العدوانية بين البشر، فبعد أن كانت تهدف لزرع القيم والمبادئ في نفوس مشاهديها انعكست المسألة تماماً، وأود أن أتساءل (لماذا لا نعود للدراما الاجتماعية الهادفة التي قُدمت في مسلسلات كثيرة ما زالت تحظى بمتابعة كثيفة وقت عرضها».
وحول تبني وجهة نظر صناع هذه الأعمال نظرية «الفن مرآة للواقع»، الذي أصبح مليئاً بالعنف، رد لبيب متسائلاً: «هل كلامي يعني خلو المسلسلات من عنصر الشر في الدراما؟ ألم نرى أشراراً في مسلسل (أبوالعلا البشري) على سبيل المثال، كل شيء موجود ولكن تظل طريقة التناول والعرض هي الفيصل في تقديري الشخصي».
أعراف وتقاليد
رفض الفنان المصري صلاح عبدالله اتهام مسلسله الجديد «جمال الحريم» بالترويج للسحر والشعوذة، مشدداً على أن السحر مذكور في الكتب السماوية، وبالتالي فهم لا يناقشوا شيئاً من وحي خيالهم.
وقال إن أحداث «جمال الحريم» تهدف إلى تقويم ظاهرة السحر التي استشرت مؤخراً، إذ يتم تناولها بشكل مختلف عما قُدم عنها في أعمال سابقة، مضيفاً: «لماذا لا نتحدث عن فيلم (المنزل رقم 13) الذي ارتكزت أحداثه على استخدام محمود المليجي لظاهرة التنويم المغناطيسي لدفع عماد حمدي لارتكاب جريمة قتل؟».
وأكد صلاح عبدالله أن صناع الدراما من حقهم مناقشة كل القضايا والأفكار مهما كانت مثيرة للجدل، طالما أنها لم تخرج عن الأعراف والتقاليد المجتمعية.
إيمان وسحر
ولم يختلف رأي الفنانة دينا فؤاد كثيراً عن تصريحات صلاح عبدالله فيما يخص مسلسلهما «جمال الحريم»، إذ ترى أنه لا يروج للسحر والدجل والشعوذة كما يزعم البعض، وإنما يقدم رسالة هادفة ستتضح جلية في الحلقات الأخيرة من العمل.
وقالت دينا إن رسالة مسلسلها تتمحور حول دور درجة إيمان الإنسان في تحديد أهدافه ومعتقداته، فإذا كان إيمانه ضعيفاً سيؤمن بالدجل والخرافات والعكس صحيح، مضيفة أنها تلقت عن دورها وأحداث العمل بشكل عام ردود فعل إيجابية للغاية، إذ إنه تصدر تريند محرك البحث غوغل أكثر من مرة.
أفكار شاذة
بينما انتقدت المخرجة إنعام محمد علي تقديم أفكار غريبة وشاذة من بوابة الدراما التلفزيونية، قائلة: «أرى أن البحث عن إثارة الجدل أصبح حاضراً بقوة في الدراما، واستشهد هنا بمسلسل (جمال الحريم) الذي تتعرض أحداثه لعالم الجن، ولكن من دون التعرض لموضوع جذاب للمشاهد نفسه، وعن نفسي لم أتمكن من استكمال مشاهدته».
وأضافت إنعام: «لا بُدَّ من العودة إلى المسلسلات التي تقدم قيماً مجتمعية، وذلك عبر موضوعات جذابة تهم المشاهدين بمختلف الفئات العمرية، ولكن ما نراه على الشاشات حالياً أمر مؤسف، وهو ما أرجعه إلى غياب كبار الكتاب عن المشهد الفني».
متطلبات المنصات
الكاتب مجدي صابر أرجع سبب انتشار الأفكار الغريبة والشاذة في الدراما إلى المنصات الإلكترونية، التي تعتمد على تقديم محتوى عن الجن وعالم الغيبيات، ما يُسهم في تدمير عقول الشباب.
وقال صابر إن حجم هذه المنصات يتزايد من وقت لآخر، محذراً من خطورتها على عقول مشاهديها، لأنها تبث أفكاراً تدعو إلى العنف، مضيفاً أنه يخشى من دخول الدراما التلفزيونية المقدمة عبر المحطات الفضائية في سباق مع هذه المنصات على تقديم هذا المحتوى.
وأكد مجدي صابر أنه وجيله تم إقصاؤهم من المشاهد رغم تاريخهم الفني العريق، واصفاً المشهد برمته وكأنهم «طلعوا على المعاش»، لافتاً إلى أنه كان يحرص على مناقشة قضايا تهم المجتمع وبث قيم مجتمعية تُعلي من أخلاق الجمهور.
جدل قبل العرض
فيما يرى الناقد الفني سمير شحاتة أن إثارة الجدل بدأت أحياناً من قبل عرض الأعمال الفنية بهدف الترويج لها من جانب صنّاعها، مضيفاً أن هذه الحالة تثير شغف الجمهور الذي يبدأ البحث عن هذه الأعمال لمشاهدتها وتقييمها.
وقال شحاتة إنه يتذكر وقت رفض مؤسسة الأزهر الشريف عرض فيلم «الرسالة» في دور السينما المصرية، إلا أن الجمهور حصل عليه عبر شرائط فيديو لمشاهدة الفيلم المثير للجدل وإبداء آرائهم بشأنه، مضيفاً أنه تم السماح بعرضه بعدها على الشاشات دون أدنى مشكلة.
وشدد شحاتة على أن الجمهور ليس بحاجة لوصاية من أحد، فهو قادر بدوره على التمييز بين العمل الجيد ونظيره السيئ، واستخلاص ما يهمه من أفكار فيما يراه على الشاشات، ولكنه استدرك قائلاً: «هذا لا يعني الشطح فيما يُقدم من أفكار، فلا بُدَّ من تلائمها مع قيمنا المجتمعية والأعراف والتقاليد».