سوليوود «متابعات»
يصنّف «مهرجان برلين» السينمائي المعروف باسم «برليناري» من بين الأكثر شهرة عالمياً. ويشهد انعقاده بين 9 و19 فبراير (شباط) من كل عام نسبة عالية من الزوار، مما يجعله من أهم المهرجانات السينمائية منذ تأسيسه في عام 1951.
مؤخرا أُعلن عن لائحة الأفلام المشاركة في الدورة الـ71 للمهرجان. وعلى الرغم من الظروف الصحية التي يمر بها العالم بسبب الجائحة، قرر المهرجان المضي بنشاطاته. ويقام القسم الأول من النشاطات افتراضياً بين 1 و5 مارس المقبل. فيما سيُتخذ القرار المناسب للجزء الثاني المنتظر من الجمهور، ومحوره عروض الأفلام، والتي تقام بين 9 و20 يونيو ) المقبل.
ووفقا لصحيفة الشرق الأوسط لأول مرة منذ 39 عاماً سيشارك لبنان في هذا المهرجان من خلال الفيلم السينمائي «دفاتر مايا» (Memory box)، للثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج. ويأتي هذا الإعلان بالنسبة للشركتين المنتجة للفيلم «أبوط برودكشن» والموزعة له «إم سي» بمثابة إصرار على دور لبنان الثقافي في المنطقة.
ويتناول الفيلم قصة «مايا» وهي امرأة لبنانية انتقلت للعيش في كندا منذ أكثر من 30 سنة. ولا تزال تقيم في مونتريال مع ابنتها المراهقة «أليكس». وعشية عيد الميلاد، تتلقّى «مايا» شحنة، وهي كناية عن صندوق في داخله دفاتر وأشرطة كاسيت وصور، مما شكّل مفاجأة لها. فهي كانت قد أرسلتها قبل سنوات طويلة (في عام 1982) من بيروت إلى صديقة عزيزة لها تعيش في باريس. ترفض «مايا» فتح الصندوق ومواجهة ذكرياتها. لكنّ مقتنيات الشحنة من صور ومذكرات تثير فضول الابنة «أليكس»، فتغوص في هذا الأرشيف وفي أسرار حياة أمها، فتدخل ما بين الخيال والواقع عالم مراهقة والدتها خلال الحرب اللبنانية، مكتشفةً ألغاز الماضي الخفي.
صُوّر الفيلم بين لبنان وكندا، واختارت مخرجته وزوجها بلدتها الأم «بيت مري»، وشوارع من بيروت، إضافةً إلى مناطق أخرى في مونتريال لتنفيذه. أما مشاهد الحرب اللبنانية، فاقتصرت على صور فوتوغرافية كان سبق وصوّرها المخرج خليل جريج واحتفظ بها في أرشيفه الخاص. وتعلق جوانا حاجي توما: «إنها صور فوتوغرافية تمثل حقبة من الحرب اللبنانية بين أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، التقطها زوجي الذي أتشارك معه في إخراج الفيلم، وفي حياتنا الطويلة معاً. فنحن نعرف بعضنا منذ كنا في عمر التاسعة عشرة. يومها لم نكن نعلم ماذا سيكون مصير هذه الصور، ولكن شاءت الصدف أن تشكل عنصراً فنياً من عناصر فيلم (دفاتر مايا)».
وتتابع «مايا» في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ترتكز فكرة الفيلم على مراسلات وُجدت بعد 30 عاماً. كنا نتبادلها؛ صديقتي وأنا، على مدار ست سنوات. وهو ما ولّد لدي وزوجي الرغبة في صناعة هذا الفيلم. فهدفنا هو نقل حيثيات هذه المرحلة لابنتي (عليا) ولآخرين من أبناء جيلها. فأصداء هذا الماضي كانت غريبة بالنسبة لنا في هذا الوقت الذي نشهد خلاله أزمات وانهيارات لا سابق لها».
وعن مدى استخدامها قصة واقعية في فيلم سينمائي تقول: «ثمة جزء من هذه القصة حقيقي، تحضر تفاصيله في أشرطة تسجيلية وصور ومراسلات صوتية. وعندما رغبت ابنتنا أن تقرأها وتكتشفها، رسم الأمر عندنا علامات استفهام كثيرة. فماذا يعني أن تقرأ الابنة قصة والدتها؟ وكيف ستتلقف محتواها والمرحلة التي تدور فيها؟ ولكي لا تأتي قصة الفيلم قريبة إلى قصتي… أوكلنا مهمة كتابتها إلى سيناريست فرنسية كي تحمل الاستقلالية، بحيث لا تكون نسخة عن قصتي، ولكنها تحمل تفاصيل كثيرة لها علاقة بحياتي». وعن ردّ فعل ابنتها عندما قرأت هذه الذكريات تقول: «لم أسمح لابنتي (عليا) بقراءتها، ووعدتها بأن تستكشفها في سياق فيلم نصنعه، والدها وأنا، كهدية لها ولأبناء جيلها. انتهينا من تنفيذ الفيلم في عام 2019 لم يكن الوباء قد وصل إلينا بعد، ولا توالت علينا الأزمات إلى هذا الحد في لبنان والعالم. وعندما شاهدته (عليا) بكت تأثراً، فهي استمتعت بأحداثه إلى حدّ كبير».
يعدّ فيلم «دفاتر مايا» روائياً طويلاً يتضمن التشويق والرومانسية ويمزج بين الواقع والخيال، ضمن قصة يكفي أن يعرف مشاهدها مسبقا أنها حقيقية كي يتحمس لمتابعتها. كما أن اختيار المهرجان لفيلم أجنبي من هذا النوع كان لافتاً في ظل بحث اللجان السينمائية عادةً عن عنصرَي الغرابة والغموض في عروضها الحديثة. وتعلّق جوانا في معرض حديثها: «عندما جاءتنا الموافقة من إدارة المهرجان على مشاركة فيلم (دفاتر مايا) شعرنا بسعادة كبيرة. فالقيّمون على المهرجان عبّروا عن إعجابهم به ووصفوه بـ(فيلم استثنائي). وإضافةً إلى تركيزنا كمخرجين؛ زوجي خليل وأنا، على القصة وتفاصيلها، لجأنا إلى ممثلين رائعين أدركوا حجم المهمة الموكلة إليهم. فهم ينقلون أحاسيس ومشاعر وحيثيات حقبة تأثرنا جميعنا بها في لبنان. فكان أداؤهم عفوياً يخرج من أعماقهم، لا سيما أننا كمخرجين لا نسلّم الممثلين في أفلامنا أي سيناريو أو نص. فنحضّرهم ونطلعهم على المحتوى، ونتركهم يعبّرون عنه على طريقتهم. وهو ما اتّبعناه في جميع أفلامنا، كي نحافظ على قدرة الممثل على التعبير فتبدو أكثر طبيعية».
أجيال مختلفة من اللبنانيين ستتفاعل مع هذا الفيلم الذي يتكلم الممثلون فيه العربية والفرنسية، كما يتطلب سياقه. وعندما يرى الفيلم النور في صالات السينما، بعضهم سيستعيد ذكرياته ويتأثر بها، وبعضهم الآخر من جيل الشباب سيكتشف مرحلة سمع عنها ولا يعرفها». لقد بحثنا كثيراً قبل تصوير الفيلم في طبيعة هذه الذكريات، وكيف يجب أن نقدمها ببساطة، كي يتم استيعابها ممّن يجهلها. توقفنا عند اللغة والتاريخ والأماكن والأحلام والمراهقة. مزجناها في خليط يخرج عن المألوف، لنقدم منتجاً يحمل الحب والمعرفة. وذكريات قد لا يتسنى لأحد أن يعيش ما يشبهها في عالمنا اليوم».
وعن كيفية ترجمة قصة حقيقة في شريط سينمائي، تقول جوانا المتفائلة بالأصداء التي سيتركها الفيلم في المهرجان لـ«الشرق الأوسط»: «لقد ترجمناها في مشاهد مشبّعة بذكريات عشناها من جديد لمجرد اطلاعنا عليها في عمرنا اليوم. مع العمر نتغير وتصبح أفكارنا وأحلامنا الماضية تخصّان فقط المرحلة التي شهدتها. فكان من الصعب أن نغوص من جديد في عالم مضى. ولذلك عندما تقرأ الابنة (أليكس) في الفيلم كل هذه المذكرات، تعيش ما بين الواقع والخيال. وهذا الأمر يترك وقعه الجميل على الفيلم، كون الابنة المراهقة ترسم مراهقة والدتها وتكملها على طريقتها في لغة سينمائية وثيقة. فبرأيي الأفلام السينمائية لا تموت، ولكن خوفنا الوحيد هو أن يتأخر عرضه في الصالات بسبب الجائحة».
تجسّد في الفيلم دور الأم الممثلة ريم التركي، وتؤدي منال عيسى دور الفتاة المراهقة، فيما أُسند دور ابنة «مايا» إلى الممثلة بالوما فوتييه. وتوضح جوانا: «كنا تواقين للعمل مع منال عيسى، فهي ممثلة رائعة، وبحثنا عنها كثيراً لأنها لا تعيش في لبنان. أما ريم التركي فنتذكرها بأفلام المخرج المصري يسري نصر الله. وهي تغيب عن السينما منذ فترة طويلة، وسعدنا بمشاركتها في الفيلم. وكذلك الأمر بالنسبة لحسن عقيل، فهو ممثل محترف لديه حضوره الأخّاذ أمام الكاميرا. أما بالوما فكانت خير من يجسد شخصية ابنة (مايا)، فهي بالفعل تعيش بين كندا ولبنان، تفهم العربية ولا تتقنها، تماماً كما يتطلب الدور». وعن سبب عدم إعطاء الدور لابنتها عليا خصوصاً أنها تناسب الدور بعمرها تقول: «ابنتي عليا لا تحب التمثيل أبداً، فهي تفضل أن تشاهد الأفلام. أما ابني رمزي فأعتقد أنه سيحمل هذه الموهبة ويتقنها في المستقبل».