رابعة الختام
ماذا لو توقفت عجلة الزمن وظلت المرأة في مرحلة الشباب الدائم، والرجل أيضا؟ ماذا لو منحك القدر حياة استثنائية وخلودا أبديا؟
هل كنت لتعيشها كفرصة رائعة لن تتكرر ولا يجب التفريط فيها مطلقا أم تعيشين حياتك المقدرة سلفا وكفى؟
أسئلة كثيرة طرحتها على نفسي عقب مشاهدة فيلم The Age of Adaline على شاشتي المنزلية. وأسئلة أكثر تطرحها النساء كلما شاهدن نجمات السينما المصرية والأجنبية ومع تقدمهن في العمر مازلن يتمتعن ببشرة شابة تظل عنوانا للنضارة والحيوية، أمثال مونيكا بلوتشي، كريستي برينكلي، شريل كرو، وبالطبع جميلات الشاشة المصرية، يسرا، ليلى علوي، نادية الجندي وغيرهن كثيرات لم يزدهن التقدم في العمر إلا جمالا وسحرا.
وحتى بعض الرجال من نجوم السينما والفن ظلوا بنفس بصمة الشباب، هاني شاكر، عمرو دياب، وغيرهما الكثير.
منظومة متكاملة تقف بقوة خلف الحفاظ على بشرة النساء ضد الشيخوخة، فريق متكامل من أطباء تجميل ومراكز طبية عالمية ومصحات علاجية متخصصة ودورات تأهيلية تقف على أهبة الاستعداد لتحقيق أحلام النساء في هذا الصدد تحديدا، حتى أن بعض الرجال دخلوا حلبة الاحتفاظ بالشباب.
ماكينات إعلامية وإعلانية ضخمة وحملات دعائية وقنوات خاصة بالجمال على اليوتيوب، وهدايا ترويجية تخطف أبصار وانتباه المارة في الطرقات، ولافتات عرض كبيرة عن التجميل بالليزر والفيلر، وعروض لسلع تدغدغ مشاعر النساء حول حلم الجمال الصناعي.
حتى شبكات التواصل الاجتماعي دخلت حلبة السباق على حلم الجمال والشباب الدائمين ومحاربة الشيخوخة بتقديم وصفات طبيعية معنونين فقراتها بكلمات قوية ورنانة تغازل النساء “سر جمال اليابانيات المعمرات بمسحة واحدة، وصفة الجمال لشباب دائم، شعر حرير مثل نجمات الهند في أسبوع، الخلطة السحرية للقضاء على الوزن الزائد دون رياضة”.
وتغذي صورة شباب نجمات السينما العربية والعالمية وطلتهن المليحة رغم التقدم في العمر هذا الهوس النسائي، خاصة بعد انتشار ما يسمى بجلسات التصوير التي يخضعن لها بإطلالات جديدة كل فترة بأزياء مبهرة ترسخ لدى النساء هذه الصورة عن المرأة.
ويظن البعض أن الحل في عمليات التجميل وحدها، ما دفع الأجيال الجديدة إلى القيام بعمليات تجميلية لإصلاح الأنف، تقويم الأسنان وبردها، شد تجاعيد حول العينين، نفخ الشفاة، تكبير الثدي والأرداف، نحت وشد الجسد في محاولات مهووسة للإبقاء على الإطلالة الشبابية بغض النظر عن تقديم مضامين فنية وثقافية أكثر رصانة وتحمل رسالة ورؤية.
إلا أن صناعة الجمال في حد ذاتها فن، من الحفاظ على الصحة بأنظمة وقوانين شخصية صارمة يمارسها الإنسان بدافع الحرص على الشباب والقوة، وليس بالضرورة الفنان فقط، فالكثير يتبع حميات غذائية وممارسة تمارين رياضية ورياضة تأملية إلى جانب الابتعاد عن التدخين والخمور.
فطن صناع السينما الغربية إلى هوس النساء بإخفاء تفاصيل تنم عن أعمارهن وعن رغبتهن الجامحة في الاحتفاظ بمظهر الشباب الدائم حيث يحكي فيلم The Age of Adaline، عن امرأة تتعرض لحادث سيارة مروع، والغريب أن في ليلة ماطرة وحين تنشق السماء عن صاعقة ورعد وبرق، تخرج هي من مياه وتحدث المفاجأة حيث يتوقف عمرها عند الثلاثين.
تهرب من حبيبها قبل الزفاف وتواصل الهروب من جيرانها ومن الجميع حتى لا ينكشف سرها، تعيش كثيرا حتى أن من هم في عمر أحفادها يتجاوزون مرحلة الشباب إلى الشيخوخة ويكونون أسرا ويعيشون حياتهم كما هي وتبقى وحدها في رحلة الهروب من القدر، إلا أنها تلتقي رجلا يغير مجرى حياتها وتعيش معه قصة حب رائعة وقبل الزواج تقرر الهروب من جديد، ولكن المفاجأة أن والد حبيبها يعرفها فهو الحبيب الأول، يقنعها بالبقاء وعدم الهروب وأن الشباب الأبدي والحياة الأبدية وهم كبير فقد عاشت كثيرا ولكنها لم تعش الحياة كما يجب أن تكون.
رغم روعة الفيلم إلا أنني لست بصدد سرد أحداثه أو رؤية نقدية للقصة والسيناريو، وإنما أطرح سؤالا، ماذا لو توقف بنا العمر؟
في نظري أن التجربة الحياتية حالة شديدة الخصوصية والجمال، لها من الروعة والبهاء ما يجعلنا نقبل برهان الزمن معنا، ونتعمق في تفاصيل الرحلة دون حاجة إلى إخفاء التجاعيد فهي شهادة ضمان على تجارب خاضها الإنسان، ونضج ووعي شكلا خطوط الزمن على الوجه والرقبة، وأن من الظلم أن نوقف الزمن بأيدينا خشية أن ننظر لوجوهنا في المرآة فنرى خطوطا تخبر الآخر بحقيقة العمر الذي نحاول إخفاءه، أو شعيرات بيضاء تغطيها صبغة ملونة.
فلكل سن جماله وروعته ويستطيع الإنسان إظهار جماله في كل مرحلة عمرية، خاصة الجمال الداخلي.
المصدر: صحيفة العرب