هيثم حسين
درجت العادة أن تستوعب السينما الفنون الأخرى، وتصهرها معا لتخرجها وتنتجها بصيغة سينمائية، وفق متطلباتها وتبعا لأدواتها وآلياتها، أما أن تتحول هي إلى موضوع للمقاربة والتشريح بحلة روائية، فهذا ما يكسر العادة ويمنح الرواية فرصة التغلغل في ثنايا هذا العالم المغري بالمعالجة.
تثار أسئلة كثيرة عن دور الأدب في عالم السينما، وكيف يتم توظيف الأدب كبنية رئيسة لإنتاج فيلم سينمائي، في الوقت الذي يتمّ تعظيم دور الممثل، والمخرج بشكل أكبر، وكيف تستغل شركات الإنتاج جهود الجميع بطريقة تظهرهم حلقات في سلسلة تضخيمها لثرواتها، في حين أن الأدب والفن يبقيان في ميدان آخر، وتبقى وحشية السوق محط اهتمام المنتجين.
من الروائيين الذين اقتحموا غمار الكتابة عن عوالم هوليوود الأميركي غور فيدال (1925-2012) في روايته “هوليوود: رواية أميركا فى عشرينات القرن العشرين”، ومواطنه تشارلز بوكوفسكي (1920–1994) في روايته “هوليود”.
بالتركيز على رواية بوكوفسكي تمكن ملاحظة رصده لمشاهد من عالم هوليوود المعتم، ورسمه لصور عن الأضواء العامية والسلطة المضللة التي تصنعها الشهرة لأصحابها، وحديثه عن جنون المال وتخبط العلاقات وتورط النجوم في أساليب مشينة من أجل الحظوة بالمال والسعي للشهرة.
ولم يسعَ بوكوفسكي إلى مسايرة الصورة النمطية المتشكلة لدى عدد من القراء، أو من جمهور السينما وعشاق الأفلام الهوليوودية، إلى تجميل صورة هوليوود أو ترقيعها، بل تراه ذهب أبعد من ذلك، كتب بنوع من التعرية، صادما ذاك التصور الذي لا يخلو من براءة أو سذاجة، ناقلا صورا أخرى من واقع الحياة في عالم السينما وصناعة الأفلام والنجوم.
“هوليود” هي الرواية الأخيرة لبوكوفسكيدون فيها تفاصيل كتابته لفيلم سينمائي من أجل إنتاجه وتصويره في هوليوود، وكيف أنه تورط في الكتابة تحت ضغط الحاجة وتشجيع الأصدقاء، وبخاصة صديقه المخرج باربت شرودر، بحيث انتقل من ضفة إلى أخرى، من عالم اشتهر بمقاربته وتصويره له إلى عالم الشهرة والأضواء والمال في هوليوود.
لم يحاول بوكوفسكي كتابة أسطورة عالم مزيف، بل مضى إلى ما وراء الأضواء، نزع الأقنعة، وكتب بتعرية، كتب بجرأة المطلع على الخبايا، غير المتردد في الكشف عن الأوبئة التي تسود في عالم يراه الآخرون مخمليا عن بعد، في حين تغرقه الأوحال، والأموال بصيغة أخرى، مَن يكون غائضا في دائرته.
ربّما يمكن وصف ما قام به بوكوفسكي بأنه أدان هوليوود من داخلها، اتّخذها رافعة لكشف النقاب عمّا وراء الكواليس فيها، أدانها في الوقت الذي كان أصبح مدينا لها بدوره بصناعة أسطورته كما تمّت بلورتها وتصديرها إلى القرّاء.. في النهاية لعب لعبة السوق ونجح فيها إلى حدّ ما.