عبدالله العولقي
جاء القرار التاريخي بتدشين السينما في المملكة ضمن حزمة فنون حضارية تتناغم مع الرؤية الوطنية كروافد مزدوجة تجمع بين توفير المادة الترفيهية الممتعة للمواطن أو السائح، بالإضافة إلى منحها العائد الاستثماري والاقتصادي للوطن.
وتعد السينما أكثر الفنون الشعبية رواجا في عصرنا الحديث، ففي ثقافتنا العربية لعب عدد من الأعمال السينمائية أدوارا مهمة في تشكيل ثقافة الوعي في مجتمعاتنا نحو الذات أو الآخر.
وعلى الرغم من تأخرنا في اقتحام هذا الفن الرائع إلا أن الوقت ملائم الآن لتشبيع حاجة الجمهور المحلي من المضمون الثقافي والفكري والترفيهي.
إن السينما تعد وسيلة من وسائل التعبير الفني الراقي عن هموم وإشكاليات المجتمعات والشعوب، ورغم أن عمر السينما في ثقافتنا العربية قد تجاوز القرن من الزمان إلا أن تدشينها في السعودية وبحلتها الجديدة استهلاكا أو إنتاجا سيضفي عليها نقلة نوعية وإضافة جوهرية لهذا التاريخ المجيد، فالرائع في تدشين السينما في المملكة أنه لا يمثل بالضرورة مرور مراحلها الزمنية والتاريخية المعهودة على المشهد الاجتماعي والثقافي لدينا، بل إن حالة الشروع بما انتهى إليه الآخرون هي الواقع الذي ستشهده السينما السعودية، وذلك بفضل المواكبة التقنية العالية والحداثة المتزامنة مع الركب الحضاري العالمي.
وبهذه النقلة النوعية ستتأسس لدينا ثقافة اجتماعية مهمة نستطيع بها إبداعيا وثقافيا مجاراة رواد السينما في الحواضر العالمية.
تدشين السينما في المملكة يقتضي بمعناه التقليدي نقل الصورة الروائية الفنية الإبداعية لدى الغير على شاشات العرض السينمائي لدينا، وهذه خطوة رائعة لا ينبغي الوقوف عندها فحسب، لأن الأروع يكمن في سباقنا مع الزمن لأن نكون مطالبين بالتوازي بصناعة وتأسيس مضمون فني لصورة سينمائية إبداعية من مضمون تراثنا الاجتماعي والثقافي نستطيع عرضه على الآخر في صالات العرض العالمية، ولا سيما أننا نمتلك اليوم مقومات القدرة في التنافس على الجوائز الإقليمية والعالمية، بحيث تتحدد أطرها العامة كهوية وطنية مميزة لنا فنيا في عوالم السينما المتنوعة، كما يمكن أن نستعملها كسلاح إعلامي نوجه من خلاله رسالتنا الوطنية وقضايانا نحو الرأي العام العالمي.
وبهذه النقلة النوعية ستزدهر اقتصاديات جديدة متولدة عن السينما عبر شركات استثمارية، وهذا نتاج طبيعي لرواج قاعات ومسارح السينما في المملكة وازدهار ثقافتها ورواجها في المجتمع، فنصبح على موعد مستقبلي مع رافد اقتصادي جديد ومهم يتمثل بصناعة الإنتاج السينمائي السعودي، وهذا ما حدث فعلا في الماضي إبان تدشين السينما في مصر ولبنان والمغرب العربي، حيث ازدهرت صناعة الإنتاج السينمائي عقب رواج صالات العرض في المدن والحواضر العربية، ولا سيما أن بيئة النجاح متوفرة لدينا في الإبداعات الشبابية المتجددة في فنون الكتابة الروائية والتمثيل والإخراج.
السينما كرافد اقتصادي وطني
يتحدد بنمطين، يتمثل الأول في إشباع رغبة المواطن بالمادة السينمائية داخل الإطار الجغرافي للوطن وتوفير عناء سفره للخارج، وبهذا نكتسب تدعيما للسياحة الداخلية. والنمط الثاني يتمثل في استقطاب السائح الخليجي أو الأجنبي إلى المملكة عبر تدشين هذه المادة الترفيهية الجاذبة.
أخيرا، إن السينما تمثل في بعض الدول المرآة العاكسة للرأي العام المجتمعي، وربما تمتلك هذه الأداة الفنية جميع مقومات القدرة في توجيه سلوكيات أفراد المجتمع، بل وتستطيع إحداث تغييرات في الذهنية الثقافية الاجتماعية، ولأننا شعب متجانس في مكوناته الاجتماعية نستطيع تقديم رسالة نحو العالم في تميزنا وإبداعنا وقدراتنا على مجاراة الشعوب المتقدمة، ولا سيما أن لدينا رؤية وطنية تساعدنا في توجيه قدراتنا نحو الأهداف المنشودة.
المصدر: صحيفة مكة