ميرزا الخويلدي
قبل بضعة أيام، عادت السينما للسعودية. كأي منتج ثقافي غرّبته الأيام، ومنعته اللوائح والعادات والثقافات. عادت بعد أربعين عاماً من الغياب… جدارٌ سميك تم رفعه كي لا تعود، وهواجس تم تأجيجها كي تبقى بعيداً… لكنها عادت بهدوء… لم يحدث زلزال ولم تعصف الرياح…! لم تسقط القيم ولم تنهدم الأخلاق… لم تحدث فوضى ولم يخرج الناقمون بالعصا والحجر…!
كل الخائفين من التغيير والمتوجسين من آثاره راقبوا المشهد جيداً… بعضهم سارع لحجز تذكرة لمشاهدة هذا الكائن الذي يسمع أنه يفسد الأخلاق ويدمر القيم، والبعض زاحم الصفوف للوصول إلى الشباك، كلهم فوجئوا بأنها مجرد شاشة كبيرة كالتي يملكونها في منازلهم.
عادت السينما بهدوء. وبهدوءٍ سيتقبل المجتمع قيادة المرأة للسيارة بعد نحو شهر من اليوم. هذا الآخر كان مثيراً للحساسية والريبة والشك والقلق. ثمة خندق عميق وواسع من التهويل والتخويف تم حفره من أجل منع المرأة من أن تصل إلى مقود السيارة، ولكن حين جاء القرار أصبح الأمر مقبولاً ومرحباً به أيضاً.
هناك من قاوم التغيير على مرّ الزمان، خوفاً على الثقافة السائدة، وعلى منظومة القيم المتوارثة، وعلى نمط التدين وعلى العادات والتقاليد، ولم يتم الالتفات إلى حجم الضرر الناتج عن تعطيل حركة المجتمع والدولة وعن تأخير التنمية الثقافية والإنسانية، وعن الفجوة التي تفصلنا عن العالم.
لا أحد يجادل بأن السينما ستحل مشكلات البشر وستنقلهم إلى عالم مختلف، ولكن تغييبها لن يفعل ذلك أيضاً. السينما منتج شعبي يعبر عن هوية وثقافة وحضارة الشعوب، ويعبر عن انتمائها للعالم وللجمال، ومنذ القدم كانت السينما وسيلة للتقارب بين الحضارات والتعبير عن ثقافات وأفكار ونقل رؤى ونشر مفاهيم، وغياب السينما أصاب الذائقة الجمالية للمجتمع بأسره، تماماً كغياب الفنون والمسرح، وكغياب المرأة أيضاً، كلها جعلت الحياة أكثر قسوة وأشد صرامة، وأكثر عبوساً، وأغلقت أبواباً واسعة للثقافة والمعرفة.
اليوم لا أحد يناقش في أصل السينما وشرعيتها، بل يدور النقاش عن أسعار التذاكر، ومستوى الأفلام، وجودة وانتشار صالات العرض. غداً سيكون النقاش عن صناعتنا السينمائية: فناً وقضية واستثماراً.
بالنسبة إلى المرأة، كم من الآراء سُطّرت على مدى عقود بشأن المرأة وفسادها إنْ خرجت من بيتها حتى إلى المدرسة، لأن ذلك يمثل «مصيبة عظيمة، وطامة كبرى»… مثلما رأى مئات الرجال وهم يخاطبون الملك سعود لمنع تعليم البنات عام 1960. لكن القرار الملكي القاضي بافتتاح مدارس لتعليم البنات في مدن المملكة الرئيسة، وضع حداً لهذه المسألة، التي كان يمكن أن تجعل البلد يعيش في الظلام إلى أمدٍ بعيد، فصاحب الرأي المحافظ يمكنه أن يقول ما يشاء، لكن في النهاية هناك الحاجة إلى صاحب القرار الذي يرعى مصالح الناس ويضمن ضرورات تقدمهم.
وهكذا تم حسم قضية قيادة المرأة للسيارة. حين رأى صاحب القرار أن المصلحة في منح المرأة حقها في قيادة السيارة، فعل ذلك وهو يضمن حمايتها وحماية منظومة الأخلاق المجتمعية أيضاً.
اليوم تغير المشهد، فقد أصبحت مؤسسة الدولة قائداً للتغيير، فعلت ذلك في مجالات الثقافة والفنون والآداب والانفتاح على العالم، واحتضان الشباب، وما زال أمامنا الكثير خصوصاً في التنمية البشرية، وبلورة هوية وطنية قائمة على التسامح.
كل الخائفين من التغيير والمتوجسين من آثاره راقبوا المشهد جيداً… بعضهم سارع لحجز تذكرة لمشاهدة هذا الكائن الذي يسمع أنه يفسد الأخلاق ويدمر القيم، والبعض زاحم الصفوف للوصول إلى الشباك، كلهم فوجئوا بأنها مجرد شاشة كبيرة كالتي يملكونها في منازلهم.
عادت السينما بهدوء. وبهدوءٍ سيتقبل المجتمع قيادة المرأة للسيارة بعد نحو شهر من اليوم. هذا الآخر كان مثيراً للحساسية والريبة والشك والقلق. ثمة خندق عميق وواسع من التهويل والتخويف تم حفره من أجل منع المرأة من أن تصل إلى مقود السيارة، ولكن حين جاء القرار أصبح الأمر مقبولاً ومرحباً به أيضاً.
هناك من قاوم التغيير على مرّ الزمان، خوفاً على الثقافة السائدة، وعلى منظومة القيم المتوارثة، وعلى نمط التدين وعلى العادات والتقاليد، ولم يتم الالتفات إلى حجم الضرر الناتج عن تعطيل حركة المجتمع والدولة وعن تأخير التنمية الثقافية والإنسانية، وعن الفجوة التي تفصلنا عن العالم.
لا أحد يجادل بأن السينما ستحل مشكلات البشر وستنقلهم إلى عالم مختلف، ولكن تغييبها لن يفعل ذلك أيضاً. السينما منتج شعبي يعبر عن هوية وثقافة وحضارة الشعوب، ويعبر عن انتمائها للعالم وللجمال، ومنذ القدم كانت السينما وسيلة للتقارب بين الحضارات والتعبير عن ثقافات وأفكار ونقل رؤى ونشر مفاهيم، وغياب السينما أصاب الذائقة الجمالية للمجتمع بأسره، تماماً كغياب الفنون والمسرح، وكغياب المرأة أيضاً، كلها جعلت الحياة أكثر قسوة وأشد صرامة، وأكثر عبوساً، وأغلقت أبواباً واسعة للثقافة والمعرفة.
اليوم لا أحد يناقش في أصل السينما وشرعيتها، بل يدور النقاش عن أسعار التذاكر، ومستوى الأفلام، وجودة وانتشار صالات العرض. غداً سيكون النقاش عن صناعتنا السينمائية: فناً وقضية واستثماراً.
بالنسبة إلى المرأة، كم من الآراء سُطّرت على مدى عقود بشأن المرأة وفسادها إنْ خرجت من بيتها حتى إلى المدرسة، لأن ذلك يمثل «مصيبة عظيمة، وطامة كبرى»… مثلما رأى مئات الرجال وهم يخاطبون الملك سعود لمنع تعليم البنات عام 1960. لكن القرار الملكي القاضي بافتتاح مدارس لتعليم البنات في مدن المملكة الرئيسة، وضع حداً لهذه المسألة، التي كان يمكن أن تجعل البلد يعيش في الظلام إلى أمدٍ بعيد، فصاحب الرأي المحافظ يمكنه أن يقول ما يشاء، لكن في النهاية هناك الحاجة إلى صاحب القرار الذي يرعى مصالح الناس ويضمن ضرورات تقدمهم.
وهكذا تم حسم قضية قيادة المرأة للسيارة. حين رأى صاحب القرار أن المصلحة في منح المرأة حقها في قيادة السيارة، فعل ذلك وهو يضمن حمايتها وحماية منظومة الأخلاق المجتمعية أيضاً.
اليوم تغير المشهد، فقد أصبحت مؤسسة الدولة قائداً للتغيير، فعلت ذلك في مجالات الثقافة والفنون والآداب والانفتاح على العالم، واحتضان الشباب، وما زال أمامنا الكثير خصوصاً في التنمية البشرية، وبلورة هوية وطنية قائمة على التسامح.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط