سوليوود «متابعات»
في فيلم الوسترن الجديد «أخبار العالم» News of the World للمخرج بول غرينغراس «يونايتد 93»، «جولاي 22»، «جاسون بورن» إلخ… تذكير قوي ببعض أفلام جون واين. ليس أن توم هانكس يبرع في ركوب الجياد ومطاردة الأشرار ومواجهة المواطنين الأصليين لأميركا أو أنه يقلد جون واين في أدائه. على العكس هناك فارق كبير بين الممثلين ولا نقطة لقاء واحدة باستثناء أن كليهما امتهن التمثيل باكراً في شبابه، وفقا للشرق الأوسط.
أما ذلك التذكير فيعود إلى أن الحكاية، التي يمكن تلخيصها استعادة هانكس لفتاة بيضاء في العاشرة من عمرها من القبيلة التي احتجزتها، ما يذكر بخطوط فيلمين لجون واين هما The Searchers «الباحثون»، 1956 وTrue Grit«عزم حقيقي» ،1969 من حيث إن جون واين في الفيلم الأول أخرجه جون فورد ويعتبره كثير من النقاد أفضل وسترن له يبحث عن فتاة بيضاء اختطفتها قبيلة هندية وترعرعت في كنفها طويلاً حتى اعتادت عليه.
في الفيلم الثاني حققه الجيد هنري هاذاواي يصاحب فتاة شابة أكبر عمراً بقليل من بطلة «أخبار العالم» لكي يساعدها في الانتقام من قتلة أبيها.
صياغة «أخبار العالم» بالطريقة التي كتب الفيلم بها جل أحداثه تقع على الطريق إثر استعادة توم هانكس للفتاة الصغيرة تستمد فكرة الاستعادة من «الباحثون» وفكرة رحلة الطريق وما قد يشوبها من أخطار في «عزم حقيقي».
– من نجم إلى أيقونة
هذان الفيلمان من الفترة الذهبية لجون واين الذي ظهر في 167 فيلما ما بين 1926 و1976. وكان ولد في السادس والعشرين، من مايو (أيار) سنة 1907 وتوفي في الحادي عشر من يونيو (حزيران) سنة 1979، ثلاث سنوات بعد آخر أفلامه «ذا شوتيست» The Shootist وتعني المحترف في إطلاق النار.
ينتمي هذا الفيلم الأخير إلى مجموعة من عشرة أفلام قام بتمثيلها ما بين 1970 و1976 هناك فيلم آخر قام بالظهور فيه من دون ذكر اسمه بعنوان «إلغي حجزي» Cancel My Reservation سنة 1972 وهي أفلامه الأخيرة التي طغى عليها نوع الوسترن كمعظم أعماله قبل ذلك لكن تخللها فيلمان بوليسيان هما الوحيدان له في دور تحري يعمل لصالح البوليس الأميركي.
قبل الخوض في هذه التركة وما تفرزه كذلك من أفكار حول مهنة الممثل لا بد من ملاحظة أن واين كان قد بلغ الثالثة والستين من عمره سنة 1970 مع أول هذه الأفلام ثم التاسعة والستين عندما ختم أفلامه بـ«ذا شوتيست». هذا يشهد له بالنشاط الدؤوب والرغبة في مواصلة العمل في المهنة الوحيدة التي مارسها في حياته وهي التمثيل.
في العام 1970 لعب جون واين في فيلمين متتاليين. كان قبل ذلك تحول من ممثل إلى نجم ومن نجم إلى أيقونة. من ممثل آخر من ممثلي سينما الوسترن، مثل راندولف سكوت وروبرت ميتشوم وجوول ماكراي وغاري كوبر ورود كاميرون، إلى أكثرهم بروزاً وغزارة في لعب أدوار البطل فوق الحصان. بات اسمه هو العملة الذهبية التي تجذب المعجبين وحضوره على الشاشة أصبح محاطاً بإطار من التخليد. هو كل شيء في الفيلم وكل شيء في الفيلم هو.
«تشيزام» Chisum لأندرو ڤ. ماكلغلن 1970 هو أحد النماذج الأنقى في هذا المضمار. في هذا الفيلم أدى دور مالك لألوف المواشي في تكساس الذي يتبنى بيلي ذ@ كِد جفري ديوول وبات غاريت غلن كوربت قبل أن يخرج الأول عن القانون وينقلب الثاني إلى مارشال يبحث عن صديقه القديم للقبض عليه أو قتله.
تشيزام وبيلي وبات كلهم شخصيات حقيقية اشتركت في موقعة فعلية اسمها «حرب مقاطعة لينكولن» حدثت سنة 1880 لكن الفيلم غير مواقع وانتماءات وحرف الكثير من الحقائق لصياغة فيلم يبدو فيه تشيزام من قاد بنفسه تلك المعركة ليس ضد بيلي ذ كد، بل ضد أشرار يقودهم منافسه في تربية وتجارة المواشي ماكسوين قام به صديق واين بروس كابوت.
– سيادة بيضاء
الفيلم التالي في العام ذاته هو «ريو لوبو» وهو من صنع خيال كامل والفيلم الأخير الذي تولي المخرج المعروف هوارد هوكس إخراجه توفي بعد سبع سنوات وكان تعاون مع واين أكثر من مرة بدءاً من سنة 1948 عندما أخرج هوكس «نهر أحمر» تولى واين بطولته لجانب مونتغمري كليف وولتر برينان.
يطرح «ريو لوبو» مسألة الانتماءات السياسية في خلفية حكاية تقع مباشرة بعد الحرب الأهلية الأميركية. يؤدي واين دور كولونيل في الجيش الاتحادي يحقق في قيام عصبة من الجنود الانفصاليين بسرقة شحنة من الذهب تابعة للقوات الاتحادية. السرقة ما كان لها أن تتم إلا بسبب وجود جاسوس للانفصاليين زودهم بتفاصيل تلك الشحنة. واين سيواجه أشرار الجنوب لجانب جاك إيلام وكريستوفر ميتشوم ابن روبرت ميتشوم والجميلة جنيفر أونيل.
يذكرنا هذا الفيلم، عبر عنوانه، بفيلمين سابقين يحملان كلمة «ريو» في العنوان قام واين ببطولتهما هما «ريو غراندي» جون فورد، 1950 و«ريو براڤو» هوارد هوكس، 1959، لكنه يذكر أكثر بحقيقة أن واين لعب، قبل عام واحد من «ريو لوبو» بطولة فيلم آخر حول الحرب الأهلية الأميركية هو «غير المهزومين» The Undefeated لأندرو ڤ. ماكلغلن. وفي حين لا يعكس «ربو لوبو» شيئاً يذكر عن سياسة واين كونه كان متعصباً لمبادئ يمينية – محافظة وضعنا «غير المهزومين» في أتون مصالحة بين الشمال والجنوب. واين في دور الشمالي وروك هدسون آخر من يناسبه تمثيل أفلام الوسترن بين الوجوه المعروفة في دور الجنوبي وعلى الاثنين نسيان خلافهما والتعاون معاً.
هذه كانت طريقة واين لمغازلة المبادئ الجنوبية التي عكسها أكثر من مرة في أفلامه وإن لم يلعب دور القائد الجنوبي مطلقاً. وإحدى هذه المرات كانت وردت في سنة 1971 عندما صرح لمجلة «بلايبوي» أيام عزها هي الأخرى بأنه يميني يؤمن بالسيادة البيضاء. قال: «أؤمن بالسيادة البيضاء إلى أن يتعلم السود تحمل المسؤولية». وحين سئل عما آل إليه المواطنون الأميركيون الأصليون الهنود الحمر والذي قتل واين منهم العشرات في أفلامه الوسترن قال مبرراً انتزاع الأراضي من قاطنيها الأصليين: «كانت المسألة مسألة البقاء حياً».
طبعاً، مواقف واين مشهودة في هذا الاتجاه ولا حرج. لم يخف مناهضته لليسار الأميركي في حملة مكارثي وتأييده لها، ولا رفض القيام ببطولة وأحياناً إنتاج أفلام تؤكد وجهة نظره حيال أعداء أميركا كما حاله في «ذا فايتينغ سيبيز» [The Fighting Seabee لإدوارد لوڤيغ، 1944 و«رمال إيوا جيما» Sands of Iwo Jima لألان دوان، 1949 ولا يمكن أن ننسى بأنه أنتج وأخرج وقام ببطولة The Green Berets سنة 1968 الذي انفرد في تأييده للحرب الأميركية ضد فيتنام الشمالية.
بالاندفاع قدماً للعام 1971 وجدنا واين في فيلم وسترن آخر من النوع الذي يحتل حضور الممثل الفيلم وحكايته. إنه «بيغ جايك» لمخرج آخر من رعيل الأربعينات كحال هاذاواي وهوكس وفورد هو جورج شرمان. رتشارد بون يختطف وعصابته حفيد بطل الفيلم جون واين مطالباً بمليون دولار فدية. واين وحده هو الذي يستطيع فك أسر حفيده وقتل الأشرار بينما يفشل الآخرون بينهم ابنه الفعلي باتريك واين في المهمة.
تبع هذا الفيلم عمل آخر من تلك التي تعكس اتجاهات واين السياسية وهو «ذا كاوبويز» لغير الخبير مارك رايدل. في الفيلم هناك مجموعة من الفتيان تتراوح أعمارهم ما بين الثانية عشرة والثامنة عشرة يطلبون من المقاتل تدريبهم على القتال ليتولوا قيادة مئات الأبقار خلال رحلة تنوء بالمخاطر. أحد هؤلاء صبي يهودي يختار الفيلم تمييزه ويقوم واين بوضع يده فوق رأسه متبنياً إياه كما كان في نهاية «القبعات الخضر» تبنى الصبي الفيتنامي الجنوبي.
هو الفيلم الأول من اثنين لواين الذي يموت فيه واين يقتله الشرير بروس ديرن تبعاً لأحداث الفيلم لأكثر من 50 سنة. ومقتله يتيح للأولاد التحول إلى العنف وقتل الأشرار رغم حداثة أعمارهم.
فيلمه التالي كان أخف وطأة وأفضل عملاً حققه بيرت كندي من جيل أندرو ڤ. مكلغلن حول آن مرغريت تريد استرجاع ذهب مسروق ولن يستطيع أحد فعل ذلك إلا جون واين طبعاً.
هذا الفيلم هو أحد فيلمين مثلهما واين سنة 1973 والآخر كان فيلم مهام صعبة ينجزها البطل جيداً وهو «كاهيل: مارشال أميركي» Cahill: U.S. Marshal الذي أخرجه مكلغلن ودار حول ولدين من أولاد بطل الفيلم واين ينضمان لعصابة قامت بسرقة مصرف يقودها جورج كندي فينطلق لاسترجاعهما.
ما هو مفاجئ لحد كبير ورد في سنة 1974 عندما لعب واين، ولأول مرة، ضد محقق يعمل في سلك الشرطة. هذا الانتقال من ركوب الجياد إلى ركوب السيارات السريعة ورد بعدما أدرك واين إن عليه مواكبة عصر أخذت فيه سينما الوسترن بالتراجع كحجم اهتمام وإقبال حتى ولو ارتفع اسمه فوق عناوينها.
«ماكيو» كان أول لقاء بين واين والمخرج الذي أمضى ردحاً طويلاً في حياته في سينما الغرب الأميركي أيضاً جون سترجز وهو أيضاً آخر فيلم حققه سترجز. واين كان تجاوز الستين لكنه يلعب دور رجل في مطلع الخمسينات يستيقظ يوماً على محاولة اغتياله بعدما تم اغتيال صديق له يعمل أيضاً في السلك البوليسي. من هنا يبدأ تحقيقاته وعندما يعارضه رئيسه في ذلك يقدم استقالته ويواصل تحقيقاته بحرية ليكتشف في النهاية أن العملية تتضمن فساداً في سلك البوليس وأن صديقه متورط كذلك زوجة صديقه دايان مولدور.
– إلى لندن وما بعد
هذا المشروع لم يكتب له، بل كتب وفي البال قيام ستيف ماكوين ببطولته بعد نجاح كبير أنجزه ماكوين في فيلم «بوليت» لبيتر ياتس 1968. لكن المشروع لم يثر اهتمام كوين فقامت شركة وورنر بتحويله إلى عناية جون واين لإنتاجه وبطولته وتبع هذا العديد من التغييرات في السيناريو لكي يناسب بطل المشروع الجديد.
لكن تأثير «بوليت» الذي كان بدوره من إنتاج وورنر واضح طوال الوقت: هناك التحري العنيد الذي لن يرضخ حتى لرؤسائه والمطاردات في شوارع مدينة سياتل عوض سان فرانسيسكو بسيارة مزودة بما يلزم من عتاد السرعة بونتياك ترانز إيه. إم. بل إن الشركة استعانت بصوت موتور سيارة ماكوين في فيلم «بوليت» فورد موستانغ واستخدمته لشحن صوتي في أحد مشاهد «ماكيو».
كل من «بوليت» و«ماكيو» يحملان اسم الشخصية، لكن بوليت كما أداه ماكوين أكثر رشاقة وأصغر سناً. أسلوب المخرج ياتس ديناميكي يستمد قوته من حيثيات وتفاصيل المشاهد المصورة على نحو شبه تسجيلي مع تمثيل من دون دراما من ستيف ماكوين مقابل أسلوب ستيرجز المستمد من الرغبة في تنفيذ الحكاية بأسلوب هوليوودي تقليدي.
فوق كل ذلك، يفوز «بوليت» بالنقاط في مجال الموسيقا التي وضعها له لالو شيفرين، بينما حاول موسيقار فيلم «ماكيو» إلمر برنستين جهده توفير طاقة موسيقية فعالة لكنه أخفق قياساً.
الفيلم البوليسي الثاني يحمل أيضاً اسم بطله في العنوان وهو «برانيغن» Brannigan أنجزه الأميركي دوغلاس هيكوكس حول التحري الأميركي الذي يطلب منه التوجه إلى لندن لاصطحاب مجرم أميركي قبضت عليه سكوتلاند يارد. يكتشف برانيغن أن المجرم أفلت من قبضة البوليس البريطاني فينطلق في أثره.
هناك ذلك المشهد الذي يحذره فيه البوليس البريطاني ممثلاً بدور لعبه رتشرد أتنبورو من عدم استخدام طريقته الفردية في العمل قائلاً له «تذكر إنك في إنجلترا ولست في أميركا»، لكن لا يمكن لفيلم أن يكون ذا جدوى إذا ما تخلى واين عن طريقته وهذا حال كلينت ايستوود الذي كان واين يرغب في لعب دور التحري هاري في فيلم «ديرتي هاري» سنة 1971 لكن هوليوود والمخرج دونالد سيغل فضلا كلينت ايستوود كونه أصغر سناً بكثير.
لم ينس واين ذلك وحاول في هذين الفيلمين التأكيد على صلاحيته أمام ماكوين وأمام ايستوود معاً.
أنهى واين حياته كممثل لاعباً بطولة آخر فيلمين له وهما «روستر كوغبرن» 1975 و«ذا شوتيست» 1976 وبهما عاد أدراجه لأفلام الغرب.
«روستر كوغبيرن» هو الأكثر تقليدية بينهما: واين هو روستر المحارب العتيق بعين واحدة والثانية معصوبة الذي سيساعد الأرملة يولا كاثرين هيبورن المولودة أيضاً في شهر وسنة ميلاد واين الاقتناص من قتلة زوجها. إنها الحكاية ذاتها التي وردت في «عزيمة حقيقية» سنة 1969 حيث قام البطل ذي العصبة السوداء فوق العين اليسرى روستر كوغبيرن، بمساعدة الفتاة الشابة كيم داربي على اقتناص قاتلي والدها.
الفيلم الثاني، «ذا شوتيست» هو الأفضل بينهما ومن أفضل ما أداه جون واين. هنا قام – وتحت إدارة دونالد سيغل نفسه – بلعب دور مقاتل عجوز يصل بلدة ليزور طبيباً صديقاً له بحثاً عن علاج لمرض لا يدريه. يخبره الطبيب جيمس ستيوارت المولود في شهر مايو أيضاً إنما بعد عام واحد من ولادة واين بأنه مصاب بالسرطان وهو مرض ألم بواين فعلاً وتوفي به ولديه أشهر قليلة قبل أن يموت.
يسعى لجعل هذه الأشهر مريحة وبعيدة عن العنف، لكن العنف يلاحقه متمثلاً بثلاثة أشرار بينهم رتشرد بون الذي قاد عصابة «بيغ جايك» من قبل.
إذ تقع نهاية الفيلم في حانة يواجه فيها واين الأشرار الثلاثة يقفز إلى الباب وضع ألان لاد ضد ثلاثي الحانة في نهاية فيلم Shane لجورج ستيفنز، 1956. الفارق أن شاين/لاد خرج جريحاً بعد قتله الأشرار يرأسهم جاك بالانس بينما قضى ج. بوكس/ جون واين نحبه في المواجهة.