سوليوود (وكالات)
تجسد الممثلة مارغو روبي – التي سبق لها المشاركة في فيلم “الفرقة الانتحارية ” – شخصية إحدى بطلات التزلج التي تلاحقها وصمة المشاركة في جريمة، في فيلم “آي، تونيا” (أنا، تونيا). وبأدائها كبطلةٍ لهذا العمل، تجعل روبي هذه الشخصية ودودة وحساسة، ويمكن الاستمتاع بمشاهدتها للغاية، كما تقول الناقدة كارين جيمس.
لا يبدو الوقت مناسباً لتقديم عملٍ سينمائي يصقل السيرة الذاتية لشخصية عامة، سبق وأن كانت يوماً هدفاً للسب والشتم. ففي وقت تغمرنا فيه التقارير الخاصة باتهاماتٍ موجهة إلى هذا الشخص أو ذاك بالاعتداء الجنسي، ربما يكون المشاهدون متشوقين للهروب من واقعهم، أو لرؤية أبطال ذوي شخصياتٍ سوية.
ولكن مارغو روبي تجسد شخصية تونيا هاردينغ، بطلة التزلج التي وُصِمَ تاريخها بالمشاركة في التدبير لاعتداء على إحدى منافساتها، على نحو قوي وممتع ومفعم بالحيوية، إلى حد يجعل فيلمها الجديد “أنا، تونيا” قادراً على تجاوز مشكلة كونه يُحسّن صورة بطلة ذات شخصية إشكالية.
على أي حال، تبدو حياة الشخصية الحقيقية التي تجسدها مارغو، إحدى حواشي تاريخ الثقافة الشعبية الرائجة. ففي يوم ما كانت من بين أشهر وأبرع المتزلجين في العالم، قبل أن تهوي من فوق تلك القمة بفعل تورط جيف غيلولي، الذي كان وقتذاك زوجها السابق، في التخطيط لهجوم وقع خلال منافسات تشهدها الولايات المتحدة لتحديد أفضل متزلجة فيها.
واستهدف هذا الهجوم إلحاق إصابات في الركبة بـ”نانسي كاريغان” التي كانت منافسةً لهاردينغ في التزلج، وذلك على أمل إبعادها عن المشاركة في دورة الألعاب الشتوية لعام 1994، والتي لم يكن متبقياً على انطلاقها حينذاك سوى سبعة أسابيع.
وقد نجح المخرج كريغ غيلسبي في المزج بحذق وبراعة بين القصة الدراماتيكية لـ”هاردينغ”، بما تتضمنه من حديث عن انتماءٍ لطبقة اجتماعية بعينها وإيذاء جسدي وعزيمة لا تلين، وبين كوميديا سوداء عن المشاهير والهجوم المرتبك الذي استهدف كاريغان.
رغم ذلك، فلا شك في أن روبي هي التي تمنح للفيلم إيقاعه وحيويته. فهذه الممثلة تنجح في التقاط التناقضات وتجسيدها، وهي ليست هذه التناقضات التي تكمن في شخصية “هاردينغ” كما يراها العامة، وإنما تلك الموجودة في ثنايا الصورة التي كانت هذه الشخصية ترى نفسها عليها من الداخل. جزءٌ من هذه الصورة كان لبطلة مُفعمة بالتحدي، أما الجزء الآخر فلضحية تبالغ في الرثاء لنفسها.
وبحسب أحداث الفيلم، تبدو “تونيا هاردينغ” فظة الألفاظ رثة الثياب في رياضة يُتوقع من بطلاتها أن تَكُنّ راقصات باليه على الجليد.
وتمنح لنا الأحداث الفرصة لكي نرى خصالها السلبية، فهي سيئة الطباع لا تكف عن القول مُنتحبةً “هذا ليس خطئي”. ولكن العمل يقدم لنا هذه العيوب باعتبارها أموراً يمكن الصفح عنها، أو على الأقل هكذا تظن تونيا.
وتقوم الفكرة الخيالية التي يستند إليها “أنا، تونيا” على مقابلةٍ مفترضة تُجرى مع بطلتها، ومن هنا تصبح الأحداث التي نراها أمامنا على الشاشة هي رؤيتها لما جرى، إلى حدٍ بعيد.
ويستهل العمل أحداثه بـ”تونيا”، وهي في الرابعة والأربعين من عمرها، جالسةً على الطاولة في مطبخها وهي تدخن وتسعل، وفي يدها جهاز استنشاق تستخدمه عندما تُصاب بنوبة ربو.
وفي حديثها إلى الكاميرا، لا تشعر “هاردينغ” بأي قدر من الندم أو الأسف، إلى حد أنها تقول: “لم اعتذر أبداً عن كوني كبرت فقيرة، أو من أبناء الطبقة العاملة. إن ذلك هو ما أنا عليه ليس إلا”.
وتبدو المتزلجة السابقة في هذه المشاهد منهكة وسئمة، كما كانت في الحقيقة قبل ذلك بعشرين عاماً وهي في ذروة مجدها الرياضي. وتؤدي روبي هذه المشاهد ببراعة، خاصة وهي تجسد شخصية تونيا الشابة، وهو ما يجعل مشاهد البطلة وهي في منتصف العمر الأكثر إيلاماً في الفيلم على الإطلاق.
ويستند السيناريو الذي كتبه ستيفن روجرز على مقابلتين متناقضتين، واحدة مع هاردينغ والأخرى مع زوجها السابق. ولذا نرى سباساتيان ستان، الذي يقوم بدور غيلولي، يتحدث إلى الكاميرا في بعض المشاهد بدوره، وهو ما تفعله أيضاً شخصياتٌ أخرى.
ومن هذه الشخصيات لا فونا، وهي الأم القاسية لـ”تونيا” (تجسد شخصيتها أليسون جيني)، و”ديان” مدربتها للتزلج التي تتسم بالأناقة والدماثة (تقوم بدورها جوليان نيكولسون)، بجانب الصديق الأقرب لزوجها السابق جيف، وهو شخصٌ يُدعى شون إيكهاردت (يجسده بول والتر هاوزر)، والذي يمثل المصدر الرئيسي للكوميديا في الفيلم.
ويبدو شون غبياً بشكل مفرط إلى حد أنه يدعى كونه خبيراً في مكافحة الإرهاب، يعمل من غرفته في منزل والديه. ومن خلال مشاهد الحديث مباشرة إلى الكاميرا التي يستخدمها المخرج باعتدال، تُروى قصة تونيا ويُؤكد على تفاصيلها.
وتتحدث الأم إلى الكاميرا وهي تضع ببغاء على أحد كتفيها، أما في باقي المشاهد فتظهر وقد حلقت شعر رأسها على شكل سلطانية بشكلٍ لا نظير لرداءته، وهي تشن هجوماً كلامياً في إطار تجسيدها لشخصية تلك الأم الطاغية، دون أن يكون لدورها أي ملمح واضح.
وفي أحد مشاهد الفيلم، نرى الأم وهي تضرب تونيا الصغيرة بفرشاة شعر، ثم تصر لاحقاً على أن ابنتها “تتزلج على نحوٍ أفضل عندما تكون غاضبة”. ويبلغ الأمر حد أن تلقي بسكين باتجاهها خلال جدالٍ بينهما.
أغرب من الخيال
وتفر تونيا من هذه الحياة عبر الزواج من جيف غيلولي، الذي تصفه بأنه “كان الفتى الوحيد الذي أحببته”، ثم تلتفت إلى الكاميرا بعدما نراه وهو يمسك برأسها ويضربها في المرآة المعلقة على الحائط لتتهشم إلى شظايا صغيرة.
وبينما تقول تونيا إنه ضربها دون رحمة، ينفي زوجها السابق في مقابلةٍ أن يكون قد اعتدى عليها بالضرب قط. ولكننا نجد أنفسنا وقد صدقنا ما ترويه تونيا باعتبار أن الفيلم يعرض الأحداث من وجهة نظرها.
وفي تجسيده لشخصية غيلولي، يجد ستان المعادلة الصحيحة لأداء هذا الدور، إذ يقدمه متهوراً ونافد الصبر وعصبياً في ماضيه، وهادئاً وعملياً وبلا مشاعر تقريباً في المشاهد التي يتذكر فيها هذا الماضي. كما نراه راوياً أقل مصداقية من زوجته السابقة.
وتكشف لنا مشاهد التزلج كم كانت “هاردينغ” بارعةً في تلك الرياضة. وقد تدربت روبي لشهور كي تؤدي هذه المشاهد، ولكن تلك اللقطات التي تتكرر أمامنا لها وهي تتزلج، هي ثمرة مونتاج سريع على نحوٍ مذهل، يجعل الحركة تتسارع تارةً وتتباطأ تارةً أخرى.
فالكاميرا تتحرك على نحوٍ درامي، تنتج عنه غلالة من الضباب تكسو وجه المتزلجة، ما يجعل من الصعب – لا من المستحيل – أن يميز المرء بين وجه روبي، وبين وجوه شبيهات لها تم الاستعانة بهن، لأداء تلك المشاهد خصيصاً كـ”دوبليرات”.
لكن الأهم هنا هو مسلك تونيا. فهي تتحدى المحكمين بشكلٍ عدائي بشأن مجموع نقاط أحرزتها في إحدى المنافسات، وتحسب أنها أقل كثيراً مما تستحقه. وعندما ينظر هؤلاء بسخرية إلى زيها منزلي الصنع الذي يفتقر للأناقة تصيح فيهم قائلةً: “إذا كان بوسعكم تدبير خمسة آلاف دولار لشراء زي، لم أكن لأضطر أن أحيك واحداً بنفسي”.
أما غيلسبي – الذي يقدم هنا أفضل أعماله منذ إخراجه فيلم “لارس والفتاة الحقيقية” – فينتقل بسلاسة بالأحداث إلى أجواء كوميدية مع حدوث الهجوم الذي استهدف إحداث إعاقة لمنافسة تونيا.
فـ”جيف” يدبر الخطة التي يوزع صديقه شون أدوارها وينسق الأمور الخاصة بها، كما يمكن لأي أبله أن يفعل، فهو يستأجر رجالاً حمقى وغير ملائمين لهذه العملية، بقدرٍ يجعلهم يبدؤون المهمة بالذهاب إلى مدينةٍ غير تلك التي تعيش فيها المتزلجة التي يخططون لمهاجمتها.
ويؤيد الفيلم الفكرة التي تفيد بأن شون كان هو المنفذ الوغد، بينما لم يكن جيف وتونيا يسعيان سوى لإثارة أعصاب كاريغان وإفقادها الثقة بنفسها، عبر إرسال تهديداتٍ بالقتل إليها.
لكن في الحياة الواقعية، ما يزال الغموض يكتنف مسألة من عرف ماذا ومتى على صعيد هذا المخطط. ومن بين عواقب فشل تلك الخطة؛ حصول كاريغان على الميدالية الفضية في دورة الألعاب الشتوية عام 1994، واحتلال هاردينغ المركز الثامن، ثم حرمانها في نهاية المطاف – بسبب تداعيات الاعتداء – من ممارسة اللعبة على الصعيد الاحترافي.
وتجسد روبي دور تونيا على نحوٍ يكسب شخصيتها طابعاً شديدة الحساسية والعذوبة، بقدر يجعل من السهل إخفاء الثغرات الرئيسية في الفيلم، أو تقليص تأثيرها.
فالعمل يتجاهل سؤالاً رئيسياً مفاده: لماذا لم يكبح شخص طموح مثل تونيا – يمارس لعبة كالتزلج – جماح نفسه ويهدئ من نوبات غضبه، كما كانت مدربتها تحثها على أن تفعل؟
بجانب ذلك، فإن فكرة أنه لكل إنسان نسخته من الحقيقة، وهي تلك التي تعبر عنها تونيا بصراحة مفرطة، تشكل مفهوماً تقليدياً وكذلك تبريراً مريحاً للفيلم، لكي يتجنب صناعه طرح أسئلة شائكة أو أكثر تعقيداً.
وقبيل نهاية الفيلم، تصبح تونيا موضع سخرية من قبل الرأي العام. ونراها في الفيلم تنظر إلى الكاميرا قائلةً: “بدا الأمر وكأنني أتعرض لسوء المعاملة من جديد، ولكن هذه المرة منكم، على أيديكم جميعاً. أنتم كلكم مهاجميّ بدوركم”.
وتستهدف هذه العبارات إثارة نوعٍ من أنواع الفهم الباطني من جانبنا كمشاهدين لما تشعر به البطلة، وأن تصبح أيضاً بمثابة نموذج جديد للموقف الذي تتبناه تونيا دائماً، وتتنصل من خلاله من أي خطأ بالقول :”هذا ليس خطأي”. وتبدو تلك الجُمل الحوارية فعالة بشكل أكبر على صعيد تحقيق الهدف الثاني، إذ أن العمل لا يولي اهتماماً يُذكر تقريباً للتعقيد الذي يكتنف شخصية بطلته.
ويعرض لنا الفيلم ما آلت إليه حياة تونيا بعدما توقفت عن ممارسة التزلج على المستوى الاحترافي مباشرةً، إذ تمارس الملاكمة لفترة قصيرة من أجل كسب المال حسب قولها، ولكن هذا الأمر يشكل كذلك وسيلةً منها للتشبث بالشهرة.
وهنا تكتسي المشاهد بطابع حزين بلا ريب، لكن هذا المصير هو بالقطع خطأ تونيا لا سواها. فلم يكرهها أحد على ممارسة الملاكمة، على الرغم من محدودية الخيارات التي كانت متاحة لها في ذلك الوقت.
أما المشاهد الأخيرة للفيلم، فهي عبارة عن لقطاتٍ لـ”تونيا”، وهي في أوج مجدها كمتزلجة تمضي برشاقة على الجليد، تتجاور مع أخرى تظهر فيها ودماؤها تنزف على البساط في حلبة الملاكمة.
كانت في تلك اللحظات تتلقى اللكمات، كما حدث لها طيلة حياتها، وهذه المرة في محاولة عقيمة لاستعادة بعض مجدها الملطخ بالاتهامات، وهو هدفٌ يبدو أن فيلمنا هذا يحققه لها في نهاية المطاف.