سوليوود «خاص»
لم يمر اليوم الخامس من شهر أكتوبر عام 2003 مرور الكرام على الوسط الفني السعودي مثل غيره من الأيام، إذ أعلن فيه رحيل أحد أبرز وأهم رواد الدراما والمسرح السعودي منذ تأسيسه عن الدنيا، بعد معاناة مع ورم سرطاني في المخ، استسلم له الفنان بكر الشدي عن عمر ناهز 44 عامًا.
لم يكن مشوار الطفل المولود في 10 يناير 1959 الذي نشأ وترعرع في مدينة بقيق بالمشوار العادي في مختلف محطات حياته التي مضت سريعة وخفيفة، ولكنها لم تكن كذلك على مستوى تأثيرها في مسيرة الدراما والمسرح السعودي، التي صبغها بكر الشدي بألوان فنه وفكره الحداثي الذي استطاع أن يخرج بها من اتباع الطرق الوعظية التقليدية، إلى محاكاة الفن العالمي الذي يلامس قضايا المجتمع المعاصرة وهموم المواطن، والانطلاق نحو الأعمال التلفزيونية لإحداث نقلة فيها من مرحلة التجريب إلى مرحلة الإبداع.
تأثر «الشدي» في مرحلة مبكرة من عمره بالوسط الذي يعيش فيه من خلال تأثره بعمل والده في مصانع شركة الزيت العربية الأميركية «أرامكو»، التي تغلب عليها الثقافة الإنجليزية، لذلك توجه فور تخرجه في المرحلة الثانوية إلى دراسة الأدب الإنجليزي في جامعة الملك سعود بمدينة الرياض، قبل أن يتحصل على الماجستير في الولايات المتحدة من جامعة أوهايو، وشهادة الدكتوراه من جامعة درهام بمدينة نيوكاسل التي تعد واحدة من أقدم الجامعات البريطانية، ليكون بذلك أول فنان خليجي يحمل درجة الدكتوراه في الأدب المسرحي.
وخلافًا للخوف من قيادة السيارات الذي لازم «الشدي» حتى مراحل متأخرة من حياته، واجه قضايا المجتمع وهمومه المختلفة في العديد من أعماله المسرحية التي بلغت 6 مسرحيات كان آخرها مسرحية «للسعوديين فقط»، تاركًا بصمة لا تنسى لدى الجمهور السعودي والعربي من عشاق المسرح الذي طالما كان وفيًا له، حيث كان يقول «مسرح جامعة الملك سعود يمثل رافدًا مهمًا جدًا من روافد حركة المسرح في المملكة العربية السعودية»، كيف لا، وقد كانت بداياته على خشبة المسرح الجامعي في أوائل سبعينيات القرن الماضي.
سجل «الشدي» حضوره الأول على المسرح من خلال مسرحية «قطار الحظ» التي عرضت عام 1978، وتلاها بعد ذلك العديد من الأعمال الدرامية التي برز فيها وبلغت 31 مسلسلاً، كان أشهرها محليًا «العولمة»، و«طاش ما طاش»، و«أوراق الخريف».
جمع بكر الشدي الحضور المحلي المميز بحضور عربي آخر قوي من خلال مشاركته بجانب كبار ممثلي وممثلات العالم العربي، فظهر مع فاتن حمامة وأحمد مظهر في «إمبراطورية ميم»، وبرفقة حياة الفهد ومريم الغضبان وخالد النفيسي في «عائلة على تنور ساخن»، ومع محمد صبحي في مسرحية «هاملت»، وإلى جانب فريد شوقي في «البخيل وأنا»، كما شارك في المسلسل السوري «وداعًا زمن الصمت» مع فاديا خطاب ورياض نحاس وهاني الروماني ووفاء موصللي.
لم يتوقف «الشدي» عند محطة الدراما والمسرح فحسب، بل قدم عددًا من البرامج التلفزيونية، ومن أهمها «تعلم مع كنيتك»، و«المقهى العربي»، و«باقة ورد»، و«ورد وشوك»، وبرنامج «سلامتك» التوعوي، كما قدم سهرات تلفزيونية متنوعة أشهرها «سماح»، و«شهد»، و«أزهار من البيت القديم»، و«الدكاترة سعد»، و«الزفة».
مرور أكثر من 16 عامًا على وفاته لم يكن لينسي المجتمع السعودي والوسط الفني اسم بكر الشدي وإسهاماته الفنية الكبيرة في مسيرة الفن السعودي، إذ بادرت هيئة الترفيه بأمر من رئيسها معالي المستشار تركي آل الشيخ، بإطلاق اسم الفقيد على المسرح الذي ستقام عليه العروض المسرحية العربية خلال موسم الرياض، وذلك تقديرًا لمسيرته الفنية الحافلة بالنجاحات.