سوليوود «متابعات»
وقع المحظور وفرّ الروّاد من السينما وأغلقت الصالات أبوابها. تحققت المخاوف وسرق وباء «كوفيد – 19» البهجة من قلوب العشّاق الذين كانوا يتوافدون على صالات السينما من أقصى العالم إلى أقصاه مسجلين دوماً أرقاماً مرتفعة.
مجموع ما سجلته الأفلام التي عرضت عالمياً سنة 2018 بلغ 41 ملياراً و700 مليون دولار.
مجموع ما سجلته الأفلام التي عرضت عالمياً سنة 2019 بلغ 42 ملياراً و500 مليون دولار.
وبحسب صحيفة الشرق الأوسط مجموع ما سجلته الأفلام التي عرضت عالميا سنة 2020 تُقدر بـ13 مليار دولار فقط. وهذا فقط لأن الصالات كانت لا تزال ممتلئة بالرواد في الشهرين الأولين من السنة. كان فيروس «كورونا» قد بدأ انتشاره، وبدأت الدعوات للحذر منه، لكن مهرجان «صندانس» الأميركي ومهرجان برلين الألماني أقدما على إطلاق دورتيهما وبقيت الصالات التجارية ملجأ الباحثين عن الهرب من الواقع إلى الخيال.
مثلهما انطلقت المناسبات السنوية لتوزيع الجوائز. أقيمت الحفلة السابعة والسبعين لجوائز «غولدن غلوبز» في الخامس من يناير (كانون الثاني). وحتى نهاية شهر فبراير (شباط) نفذت عدة مناسبات أخرى من الطوق قبل فوات الأوان:
الدورة السادسة والعشرين لجوائز الممثلين، والدورة الثالثة والسبعين لجوائز «بافتا» البريطانية، والخامسة والثلاثين لجوائز «السينما المستقلة»، والخامسة والأربعين لجوائز «سيزار» الفرنسية، وحتى «الأوسكار» أقيمت حفلته كما تقررت في السادس من مارس (آذار)، وكل ذلك قبل أن تلجأ المناسبات المتبقية ومعظم المهرجانات السنوية إلى الأثير لكي تعرض برامجها وأفلامها على شبكات المنازل مباشرة.
هوليوود غاضبة
وبينما آثر مهرجان «كان» السلامة فألغى دورته الثانية والسبعين بعدما كان قد قرر تأجيلها من مايو (أيار) إلى يونيو (حزيران)، قرر مهرجان «فينيسيا» الإيطالي تحدّي الوضع القائم وأطلق دورته السابعة والسبعين في موعدها المقرر ما بين الثاني والثاني عشر من سبتمبر (أيلول).
المفاجأة التي لم يتوقف عندها أحد هي أن أحداً من الحضور لم يُصب بأي عوارض وباء. نعم تم توزيع الجلوس بحيث لا يمكن لاثنين التجاور، وطبعاً تم استخدام الكمّامات ومراقبة واضعيها خلال العرض… لكن أن يخرج الجميع مُعافين كما دخلوا مُعافين أمر لم يتوقف عند مغزاه أحد حتى من بين الذين تبنّوا، علناً وبشجاعة، نظرية أن «كورونا» ليس حقيقياً. في مكان ما من هذه الصورة أكّد أكثر من ساكن فوق جزيرة الليدو (حيث أقيم المهرجان) أن عدد الذين أُصيبوا بالداء منذ انتشاره في مارس الماضي كان واحداً فقط في كل أرجاء مقاطعة فينيسيا.
لكن المخاطرة بفتح صالات السينما كانت أكبر من أي تشكيك. خشي الناس الوباء فوجدت هذه الصالات نفسها تواجه خسائر كبيرة. لكن الذي حدث أن انفراجاً مهّماً وقع في الشهر التاسع من 2020 أدّى لإطلاق فيلم كبير واحد من بين الأفلام المتراكمة بانتظار انفراج الأزمة. هذا الفيلم هو Tenet لكريستوفر نولان الذي جمع عالمياً، ورغم ظروف الجائحة، 360 مليون دولار. فيلم نولان كان يستطيع تسجيل ضعفي هذا الرقم بسهولة لولا الوضع المستجد، والحال أن شركة «وورنر» أطلقته كتجربة تأكدت من بعدها إنه لا مجال لمقارعة «كورونا» بعروض أفلام بالغة التكلفة فانكفأت وانكفأت معها هوليوود بأسرها.
قبل ذلك كان آخر فيلم أميركي حقق نجاحاً كبيراً هو «فتيان سيئون للأبد»(Bad Boys for Life) الذي جمع 426 مليون دولار خلال عرضه في الشهر الثاني من العام. الفيلم من إخراج عربيين مهاجرين هما عادل العربي وبلال فلاّح. في ظروف طيّبة كان من المحتمل للصديقين أن يبدآ تنفيذ فيلم آخر في أعقاب ذلك النجاح.
على أن مصائب قوم عند قوم فوائد فعلاً. ففي مواجهة «كورونا» وخلو صالات السينما الأميركية (كما في معظم بقاع العالم لعدة أشهر) تمكّنت شركات، مثل «أمازون» و«نتفليكس»، من استحواذ الفرصة الذهبية لزيادة عدد مشتركيها. فجأة صار من المتاح لا مشاهدة أفلام هوليوود الجديدة فقط، بل فتح الباب أمام السينمائيين الباحثين عن فرص عمل بديلة لتحقيق ما يريدونه من مشاريع.
صحيح أن هذا بدأ قبل ثلاث سنوات من ظهور جائحة «كورونا»، لكن حجمه وحجم المشتركين تضاعف مرّات خلال هذه السنة وحدها.
الحاصل اليوم أن كل شركات الإنتاج الكبيرة توقفت عن إمداد السوق بالأفلام. إنتاجاتها التي كان من المفترض بها أن تنطلق في صيف 2020 وما بعده تم تأجيلها، ومعظمها لا مواعيد محددة اليوم لعروضها.
كذلك فإن بعض شركات الأفلام، مثل «وورنر» و«يونيفرسال»، وجدت أنه من الأفضل لها أن تنضم إلى معسكر المنافسين عوض أن تبقى رهينة الوباء وغير قادرة على برمجة أفلامها التي تكبّدت مليارات الدولارات لإنتاجها.
بدأت «يونيفرسال» السير باتجاه التعاون مع مؤسسات العروض المنزلية بعقد صفقة في السادس عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) مع شركة Cinemark مفاده استحواذ الشركة على حقوق بث الأفلام الجديدة التي ستطلقها «يونيفرسال» بعد 17 يوماً فقط من بدء عروضها في صالات السينما.
أما «وورنر» فقد أقدمت على قرار أخطر شأناً: أبرمت اتفاقاً مع محطة HBO Max يخوّل المحطة التي تبث لجمهورها من المشتركين عرض أفلام شركة «وورنر» في يوم افتتاح هذه الأفلام في الصالات. ليس فقط أن «وورنر» بهذه اللعبة أغضبت أصحاب الصالات الذين يعانون، سلفاً، من الوضع القائم فقط، بل أغضبت كذلك رهطاً كبيراً من صانعي الأفلام الذين انتقدوا قرارها، مثل كريستوفر نولان ودتيس فلنييف (لديه فيلم كبير بعنوان Dune قد يتم التضحية به بسبب هذا القرار). كانا في مقدّمة المنتقدين وتبعهم آخرون قلقون من عملية لا يمكن الرجوع عنها حتى من بعد زوال الحالة.
الخروج من عنق الزجاجة
ما أقدمت عليه شركتا «وورنر» و«يونيفرسال» هو نوع من الدفاع عن النفس الذي سيترك آثاره طوال العام الجديد على أقل تقدير. ومن حسن الحظ أن الاستوديوهات الكبيرة الأخرى («صوني»، «مترو غولدوين ماير»، «فوكس»، «ديزني») ليس لديها النية، كما يبدو، للانقلاب على جمهور السينما الذي تعد نفسها به في العام المقبل.
صحيح أن «ديزني» لديها نافذتها الخاصة على صعيد العروض المنزلية، لكنها لن تضحي، كما يؤكد ناطق بلسانها، بأفلامها الكبيرة بتحويلها إلى أرشيف يسهُل استخدامه بكبسة زر «إلا إذا كانت أنتجت لهذه الغاية»، كما صرّح بوب شافيك، أحد أفراد طاقم مكتب الشركة العملاقة الإداري الذي أضاف: «لديزني وغيرها من الشركات أفلام أكبر وأهم من أن يتم إلغاء برمجتها في الصالات. ليس من بعد أن بات اللقاح على بعد أسابيع أو أيام».
الشعور السائد الآن في هوليوود هو أن «وورنر» و«يونيفرسال» تسرعتا في تحويل بنكهما من الأفلام لنظام «الستريمينغ»، وأن اللقاح ضد «كوفيد – 19» سيعيد الثقة المفقودة للجمهور بحيث يرتفع إقباله في الأشهر القليلة المقبلة إلى ما كان عليه في سابق عهده وبتدرّج سريع.
ولن يكون ذلك بالتمنّي، بل بسلسلة من الأفلام الكبيرة التي تم إرجاء عروضها من 2020 إلى 2021. من بينها «الأبديون» The Eternals (ديزني)، «غوستبسترز: ما بعد الحياة» Ghostbuster: After Life (صوني)، «رجال الملك» (فوكس)، «جريمة على النيل» (فوكس)، «بلاك ويدو» (مارفل ستديوز) و«لا وقت للموت» No Time to Die (مترو غولدوين ماير).
وما يعزز ثقة الغالبية في هوليوود بالعام الجديد حقيقة أن السينما، كصناعة كاملة وكصالات عروض، مرّت سابقاً بأزمات خانقة وجدت نفسها في موقف حرج. بدأ ذلك من الخمسينات مع اختراع التلفزيون ثم تجدد في الثمانينات من توفر أجهزة الفيديو ثم انتشار DVD ثم مع تأسيس محطات فضائية مخصصة لعرض الأفلام للمشتركين وصولاً إلى المؤسسات الحالية، مثل «نتفليكس» و«أمازون» و«هولو»، التي زادت من أعباء المنافسة.
في هذا المجال خدم «كورونا» تلك المؤسسات المنزلية التي سيستمر نشاطها على نحو مستتب في عام 2021 لكن لن يرتفع إلى منسوب أكبر حال وثوق الجمهور بأن صالات السينما باتت آمنة كما كان عهدها من قبل.
اختفاء تدريجي
عالمياً، تربّعت الصين – وللمرة الأولى – على قمة الدول الأكثر إيراداً. فمع انحسار النجاح الهوليوودي، من ناحية واستمرار تدفق الجمهور الصيني على صالات السينما التي بقيت (لأغلب أشهر هذه السنة) مفتوحة، سجل الفيلم الصيني «الثمانمائة (The Eight Hunderd) «أكثر من 472 مليون دولار وهو رقم لم يتحقق لسواه هذا العام.
لكن حال عودة هوليوود قوية فإن الأفلام الصينية ستكون أقل قدرة على الحفاظ على مكتسباتها الحالية.
بالانتقال إلى أوروبا، فإن وضع صالاتها (ما بين الإقفال والعروض المحدودة وغياب الجمهور عموماً) لا يقل فداحة. خسائر صالات السينما الأوروبية في هذا العام لم تُعلن بعد (وقد لا تُعلن قريباً) لكن من المقدّر أنها ستتجاوز العشرين مليار دولار.
عربياً، نحن في وادٍ آخر بعيد
ليس أن صالات السينما تعيش حالة انتعاش ولا أن الجمهور العربي أكثر شجاعة من شعوب العالم، بل هناك وضع بائس لا علاقة له بـ«كورونا» ولو أنه تفشّى في هذا العام. والسينما العربية في حالة من الاختفاء التدريجي الذي كان قد بدأ منذ سنوات ولأسباب لا يصعب تحديدها.
في الأساس باتت معظم المدن العربية، خارج منطقة الخليج، خالية من الصالات. وتلا ذلك توقف حال العديد من المنتجين والمخرجين الذين لا يجدون التمويل الكافي للاستمرار. الأحوال الاقتصادية للعديد من هذه الدول (بما فيها الحروب المستعرة في أكثر من مكان) منعت الحكومات من استمرار الدعم الموعود لشركات الإنتاج. ومع غياب المهرجانات العربية الكبيرة التي كانت سبباً مهمّاً لاستمرار دوران عجلات الصناعة بات من الصعب للغاية تحقيق المشاريع الإنتاجية، كمّاً ونوعاً.
أفلام عربية قليلة وجدت نوافذ عروض في المهرجانات العالمية بطبيعة الحال أهمها «الرجل الذي باع ظهره» للتونسية كوثر بن عطية. لكن غالبية المخرجين العرب الذين كانوا منهمكين في العمل خلال النصف الأول من هذا العقد مغيّبون حالياً.
كثيرون في قطاع السينما يعبّرون الآن عن تفاؤلهم بأن الوضع العالمي سيستتب في مطلع ربيع العام الجديد، وأن «كورونا» سيختفي تدريجياً قبل أن تعود الأمور إلى ما كانت عليه… وهذا ما نتمناه جميعاً.