هيفاء محمد العمري
ساعد الفضاء الحر على الشبكة العنكبوتية في خلق واستدعاء محتوى رقمي يحاول التعبير عن أفكاره وهمومه بالإمكانات المتاحة، وقد وجدت الأفلام الكرتونية نجاحاً وإقبالاً كبيراً عند الجمهور السعودي الذي لربما كان فيها خروج عن النسق، وتعويض غياب العناصر الجوهرية للإنتاج المرئي، كما عوضوا بها أيضاً المنع المفروض على العرض السينمائي سابقاً، والعقبات الثقافية والاجتماعية، فظهرت بنجاح العديد من القنوات التي بنت شخصيات كرتونية أحبها الجمهور كثيراً، وحققت نجاحاً ملفتاً نافس نجاح العروض التلفزيونية التقليدية، فيحق لهم الفخر بأنفسهم على هذه الأفكار الإبداعية.
في وقت سابق لم نكن ندرك المعنى الحقيقي لجملة “الفن رسالة” لأسباب كثيرة أهمها حجم التسفيه والتشويه الذي نال من الفنون بكل أشكالها، وعمل بعض المنتفعين على استغلال الأوضاع السائدة حينها لتعميم فكرة أن الفنون شر وذنب لا خير ولا فضيلة فيه، وقد تضررنا وتأخرنا بسبب هذه الثقافة المزيفة والمنع الأعمى، حتى وصلنا أخيراً إلى الزمن الذي يضع الأشياء في أماكنها الصحيحة وفق منهجية حكومية اقتصادية برعاية رؤية الأمير المُلهم محمد بن سلمان -رعاه الله-.
السينما هي التطور الطبيعي والحديث للسرد القصصي والروائي والوثائقي، والأداة الفعلية لإظهار الأعمال السردية في شكلها المرئي المتكامل، وهي القناة الأسرع في التأثير واختصار نقل الرسالة والهدف إلى الجماهير، هناك الآلاف من القصص المبهرة التي كلفت كتابها أشهراً وأعواماً قابعة على الورق، ويعتبر تجسيدها سينمائياً كبث الروح فيها، ليراها ويتفاعل معها الملايين من الناس.
لم يسبب منع وجود السينما سابقاً في ابتعاد الناس عن متابعتها وتسجيل حضورهم في صالات عرضها في كل دول العالم، بل إن عدداً من المخرجين السعوديين اقتحم مجال الإخراج والإنتاج السينمائي وقامر بالتجربة، وقد كان فيلم “وجدة” لهيفاء المنصور أيقونة بارزة في مسيرة التجربة السينمائية السعودية، لكونه أول فيلم سعودي يترشح لجائزة الأوسكار، ولأن المخرج والمؤلف كان امرأة كسرت قاعدة الابتعاد التواري عن النظر، وآمنت بالدور الذي تلعبه الأداة السينمائية في نشر الوعي، وسيظل غياب العنصر النسائي عن العمل الفني السعودي حجر زاوية مفقوداً لا يرأبه أداء ممثلات من جنسيات أخرى مهما بلغ جمال أدائهن، وخير شاهد على ذلك هو فيلم “وجدة”، فبالرغم من أن عدد الفنانات السعوديات لم يتجاوز الثلاثة وطفلة، ولكن الفيلم تميز بروح سعودية تجعل المشاهد يألفه ويحبه. إن قضية المرأة ومآلاتها كانت الهاجس المسيطرة غالباً على الأفلام السعودية المعدودة التي تم إنتاجها، وتراوح الباقي بين الكوميدي والدرامي بشكل عام.
“فضيلة أن تكون لا أحد” فيلم قصير يطرح قضية ضخمة ولكنها غير مرئية وهي الإنسان؛ وحدته، زيفه، حقيقـته وهمومه، شخصيات الفيلم المتوازية تندمج وتتفاعل في عدة دقائق من الحوار المستمر بين رجل استسلم لهمومه، وآخر استخدم هموم غيره في صناعة شخصيته، قصة تستطيع أن تخرج منها بالعديد من الأوجه التي تراها في كل مجالات الحياة، ستجد أن الدقائق الثمانية والعشرين تنقضي دون أن تتركك لحالة شرود، سيبهرك التقاط الحيثيات المخفية، والزوايا الدقيقة في التصوير حتى ينتهي الفيلم بمشهد وموسيقى غير متوقعة، ستجعلك تصفق لهذا العمل الصغير في زمنه والكبير بعمق فكرته وإخراجه، ولن تستغرب إذا عرفت أن المخرج هو السعودي بدر الحمود أحد الأسماء التي لا يمكن أن يتخطاها المهتم بما أنتج من أفلام سعودية، لأعماله بصمة مميزة في الحوار والفكرة والإخراج والموسيقى، وقد فاز بعدة جوائز خليجية عن هذا الفيلم.
اليوم وبعد إتاحة بث المادة السينمائية في السعودية سننتظر بأمل تدشين أقسام أكاديمية لتعليم الإخراج السينمائي، وكل ما يدعم صناعة الفن السابع من تخصصات، ومعاهد للتمثيل وصناعة النجوم، لننتقل بعد ذلك من حقبة المتلقي الصامت إلى زمن الإنتاج السينمائي المؤثر وننافس الإنتاج العالمي في المهرجانات الدولية.
المصدر: جريدة الرياض