سوليوود «متابعات»
فقط في الدول التي لم تعرف بعد أن الحضارة تشمل الفنون كافّة وأن الفنون بدورها تشمل القدرة على إتاحة العروض والنشاطات على نحو مبرمج وممنهج لكي تساهم في رفع ذوق المشاهد وتنمية مداركه واطلاعاته، لا يوجد كثير اهتمام لما قد تعرضه صالات السينما في الغرب وما تتيحه من مجالات وآفاق واسعة وغير مشروطة.
فيلم المخرج الإسباني بدرو ألمودوفار «الصوت الإنساني» فيلم قصير من نحو ثلث ساعة تم عرضه في مهرجان فنيسيا ثم في مهرجان لندن والآن تتباهى لندن بعرضه على بعض شاشاتها السينمائية العريضة وستحذو باريس ومدريد حذوها بطبيعة الحال، حسب ما ذكرت صحيفة الشرق الاوسط.
هو فيلم مأخوذ، بحرية تصرف، عن مسرحية جان كوكتو (بالعنوان نفسه) كتبها سنة 1928 من بطولة شخص واحد هو امرأة تكتشف أن الرجل الذي تحب غادرها وتركها وحيدة. وهو لم يخبرها بذلك وجها لوجه بل فضّل الاتصال اللاحق بها ليعلمها أنه لم يعد يريدها.
المحور الذي يدور في ذات هذا الفيلم هو انعكاس الواقع الجديد على تلك المرأة. كيف تتصرّف قبل وخلال تسلمها المكالمة الهاتفية وهي في قمّة توترها. كيف تشعر وقد استيقظت على واقع جديد بدا كما لو أن نصف كيانها زال مع غيابه.
في هذا الشأن لا يوجد هذا العام ممثلة قامت بتجسيد وضع عاطفي كهذا كما فعلت الممثلة تيلدا سوينتون وهذا لا يعود إلى أن الفيلم بأسره (باستثناء مشهد واحد) هو من حضورها المنفرد فقط، بل كيف تشغل هذا الحضور المنفرد. كيف تمثّله. كيف تشغل مساحته وتنتقل من خيط من تلك المشاعر إلى خيط آخر مختلف ولكل تعبيره الخاص.
كذلك هو فعل ساحر من المخرج الذي لطالما تحدّث في أفلامه عن شخصيات تعيش على حافة خسائرها العاطفية (الرجال والنساء). يصمم المخرج لقطاته بدراية تصلح لكي يتعلّم منها الهاوي كيف يصنع فيلما. يصمم الإنتاج على نحو يضمن وجود الألوان والإضاءات المناسبة التي تكشف عن مستوى حياة الشخصية التي لديه وفي الوقت ذاته تتابع خلجاتها (على الهاتف) بلون داكن مقتضب.
يسترعي الانتباه ذلك المشهد الذي تنظر فيه بطلة الفيلم من شرفتها إلى الفضاء الخارجي. لكن هذا الفضاء لا يعدو جدارا مبنيا في وجهها. مشهد يرمز إلى حياتها والجدار الجديد الذي تواجهه على حين غرّة.