أيمن جمال
لا زال البعض ينظر للأفلام على أنها رفاهية وفن مجرد، وأنها هواية لا بأس أن ندعمها إعلامياً أو القيام ببعض المسابقات للهواة وتكريم فائزين بمكافأة مادية لإنتاج وتصوير أفلامهم ومن ثم الاحتفال معهم بعرض الفيلم وكأن عرض الفيلم هو النتيجة.
صحيح أن إنتاج فيلم وعرضه في حد ذاته يعتبر إنجازا إذا ما عرفت أنه فقط 24 % تقريباً من الأفلام التي تم كتابتها في هوليوود يتم إنتاجها وعرضها على الشاشة الكبيرة، لكن عرض الفيلم هو بداية حلقة التوزيع الذي سأتحدث عنه لاحقاً.
واذا استوعبت مقولة الكاتب والمخرج الأمريكي أورسون ويلز: «الكاتب يحتاج لقلم والرسام يحتاج لفرشاة، لكن صانع الفيلم يحتاج لجيش»، فعلاً قليلون الذين يعرفون عدد الموظفين العاملين لإنتاج فيلم واحد وعدد الأنشطة التي تدخل في إنتاج فيلم واحد، مثلاً فيلم «بلال» عمل عليه 327 موظفا، وفي بعض الأفلام في هوليوود يصل الموظفون الذين يعملون في فيلم واحد من أفلام «مارفل» إلى أكثر من 3000 شخص، وفيلم واحد يحرك أكثر من 85 نشاطا اقتصاديا تقريباً، فالنجار يشتغل لبناء موقع التصوير ومتخصصو المكياج للممثلين ومواقع عقارية يتم تأجيرها ومعدات سلامة ورجال أمن وشركات التأمين ومصممو الملابس وفريق الخياطة والديكور الداخلي وغيرها كثير من الأنشطة غير المباشرة، ناهيك عن الأنشطة المباشرة من مصورين وممثلين ومديري إضاءة واستديوهات صوت ومؤثرات بصرية وغيرها الكثير. كما في العنوان فإن اسمها صناعة الأفلام والقائمين عليها يسمونهم صناع الأفلام.
أما إذا أردنا الحديث عن أثر صناعة الأفلام على السياحة والدخل القومي للدول، فسلسلة أفلام هاري بوتر زادت نسبة السياحة لمواقع الفيلم بـ50%، وفي بعض المواقع مثل القصر زادت السياحة بنسبة 200%، وفيلم الرسوم المتحركة «فروزن» زاد السياحة للنرويج بـ37%، وفيلم Braveheart قفز بالسياحة في أسكتلندا 300%. أما عن تأخر الإنتاجات العربية عن هذه الأدوات لتنشيط سياحتها ودخلها، أعتقد أننا بحاجة ماسة لمعرفة قواعد هذه الصناعة، وهيكلة تمويل هذه الصناعة ومساهمة عدة قطاعات في تطويرها وترويجها دولياً يجعل من الأهمية رسم ووضع نموذج جذب وإعطاء حوافز ومحفزات لصناع الأفلام لنكون جزءا من خياراتهم في السعودية، وأن نعي أن الحوافز الممنوحة لصناع الأفلام ستعود على الاقتصاد بعوائد مباشرة وغير مباشرة بشكل كبير جداً سواء في تشغيل العديد من الوظائف داخلياً وتحريك لقطاع السياحة الذي سيحرك معه كثيرا من الأنشطة الأخرى.
بات لزاماً أن نعي أن كل قوة اقتصادية في العالم تعتمد اليوم على قوة الاقتصاد الإبداعي والابتكاري، وصناعة الأفلام والدراما محرك رئيسي لهذا الاقتصاد وكلها تبدأ بقصة، حتى مالياً ومحاسبياً للمستثمرين، الفيلم 80-90% من مصاريفه تسجل كأصول وليس مصروفات، فمثله مثل العقار يدر عليك دخلا سنويا، يقل بعد 3-5 سنوات لكن يستمر الدخل، فمثلاً فيلم «الرسالة» لمصطفى العقاد بالإضافة إلى أثره المستمر لأكثر من 40 سنة واستمرار عرضه على كثير من القنوات والمنصات ما زال ورثته يجنون دخلا سنويا من عرضه على القنوات وبيعه على المنصات وكل هذا لأن الفيلم أصل وليس مصروفا لأنه ملكية فكرية. لذا يجب أن نتعامل مع الأفلام والمحتوى الإبداعي على أنه ملكية فكرية (أصول)، لو أحسنا تطويرها واستثمارها ستدر على الاقتصاد دخلا جديدا وستجذب كثيرا من الاستثمارات الخارجية لمواقعنا واستثماراتنا السياحية.
أستطيع الجزم أن لدينا كثيرا من القصص والمواقع التي تعتبر ملكية فكرية عامة تستحق استثمارها وإنتاجها لتصبح ملكية فكرية خاصة تعود بالنفع على اقتصادنا بشكل مباشر.
وفي مقال قادم سأستعرض تحديات صناع الأفلام في السعودية من واقع تجربة. وكيف استطاع أخوان أن يغلبا أكبر مكينة إعلامية في المنطقة؟
صحيفة عكاظ