سوليوود «الرياض»
في تجربة تُعد الأولى من نوعها في الدراما السعودية، يستمر مسلسل «الميراث» بحلقاته التي تخطّت التسعين حلقة حتى الآن دون انقطاع منذ عرض أولى حلقاته في بداية مارس الماضي. وهو ثمرة تعاون بين عدد من شركات الإنتاج السعودية والإماراتية، وقد صُوّر بالكامل في استوديوهات أبوظبي.
والجديد في المسلسل أن كتابة السيناريو قد أسندت إلى ورشة عمل كان على رأسها البريطاني توني جوردن، وضمت كلّا من جيسكار لحود من لبنان ومازن طه ونور الشيشكلي وثائر العقل من سوريا. أما الإخراج فكان أيضا من نصيب فريق عمل مكوّن من المخرج المصري تامر بسيوني والإماراتي عبدالله الجنيبي والبريطانيين كريستين ميليك وإندرا بوز.
فهل يستحق العمل هذه التشكيلة المنوعة من فريق الإخراج والتأليف؟ سؤال ربما يدور في ذهن المشاهد العادي حين يتطلّع إلى كمّ الأسماء المشاركة في تأليف وإخراج المسلسل من عرب وأجانب.
إنتاج ضخم
ربما يرى البعض في الاستعانة بأجانب في عمل سعودي إجحافا في حقّ الكتّاب والمخرجين السعوديين، وهناك أصوات وأقلام سعودية عديدة تبنّت هذا الرأي بالفعل منذ الإعلان عن عرض المسلسل. غير أن الأمر بلا شك يتطلب أحيانا ضخّ دماء جديدة في سياق العمل الدرامي، فتبادل الخبرات والكوادر هي مسألة متعارف عليها في صناعة الدراما والسينما، ليس في المنطقة العربية فقط بل في العالم أجمع.
والحقيقة، وجب طرح السؤال بشكل آخر، وهو: هل جاء العمل على القدر نفسه من الانفتاح والإنتاج الضخم الذي بدا واضحا على تفاصيله؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن تركها إلى ما بعد انتهاء العمل الذي لم يعرض منه حتى الآن سوى نصف حلقاته، غير أن هذا لا يمنع بالطبع من إلقاء نظرة فاحصة على ما تم الانتهاء منه.
ونشرت جريدة العرب اللندنية أن المسلسل يجمع عددا من الأسماء المعروفة في الدراما والسينما السعودية والخليجية، على رأسهم الفنانة هند محمد وهي فنانة وإعلامية سعودية شاركت في عدد من الأعمال المحلية بين الدراما والسينما.
وتؤدّي هند محمد في المسلسل دور جويرية، وهي امرأة عنيدة وصلبة وتبدو قاسية في أغلب المواقف، تُحارب من أجل الحفاظ على تماسك العائلة وثروتها من الضياع.
ويُشارك أيضا في المسلسل كل من محمد الحجي وعبدالعزيز السكيرين ومريم الغامدي وهند محمد ونور حسين وزارا البلوشي وعبدالله القحطاني، وكلها أسماء معروفة في عالم الدراما السعودية والخليجية. وإلى جانب هؤلاء تمت الاستعانة بمجموعة أخرى من الوجوه الشابة، وهو توجّه يحسب للشركة المنتجة، فالسوق السعودية سوق واعدة وتحتاج بالفعل إلى ضخّ المزيد من الدماء الجديدة.
المسلسل من نوعية الإنتاجات الضخمة، فقد خُصّصت له ميزانية إنتاجية كبيرة انعكست على تفاصيل العمل بالطبع، ككادرات التصوير والملابس والتجهيزات والكوادر الفنية التي تمّت الاستعانة بها، وغيرها من التفاصيل الأخرى المتعلقة بالعمل ككل، خلافا لخدمات ما بعد الإنتاج، التي يبدو أنه قد تم التعامل معها أيضا بصورة احترافية.
وفريق الإنتاج نفسه الذي تأتي على رأسه قناة “أم.بي.سي” سبق وأن تعاون من قبل في عدد من الأعمال السعودية المميزة التي عرضت خلال العامين السابقين فقط، بينها مسلسل “العاصوف” و”بنات الملاكمة” و”حب بلا حدود”، وكلها أعمال تتعرّض للعديد من القضايا الاجتماعية في السعودية. ولا يختلف “الميراث” عن هذه النوعية من الأعمال، لكونه يناقش مجموعة من العادات والقيم السعودية في إطار درامي مختلف، راعى فيها صناعه المتغيرات الطارئة والجديدة على المجتمع.
الابن اللغز
تدور أحداث مسلسل “الميراث” حول عائلة فاحشة الثراء يموت عائلها عبدالمحسن البهيتاني (راشد الشامراني) تاركا ثروة ضخمة وأفرادا يتلهفون لتقاسم هذه الثروة الكبيرة، غير أن المفاجأة المدوية التي تتفجّر في بداية المسلسل حين يتم التعرف على الوصية التي تركها عبدالمحسن. يعرف أفراد العائلة أن للراحل ابنا وحيدا يعيش في الكويت لم يكن أحد من الأسرة يعرف عنه شيئا أنجبه من زواج سابق. يتولى محامي الأسرة التواصل مع الابن يوسف الذي يؤدي دوره الفنان الشاب حسن المطوع، وسط سخط أفراد العائلة وغضبهم ورفضهم للأمر.
ويبدو واضحا أن هناك صراعا وأحداثا ساخنة تنتظر الابن الذي عاش حياة متواضعة لسنوات في كنف أمه من دون أن يعرف أن له أبا فاحش الثراء.
يلبي الابن بالطبع الدعوة ويهرع إلى السفر لاستلام ثروته الكبيرة، لكنه يلتقي في المطار بأحد الأشخاص، ويتعرّف عليه وهو فارس الذي يؤدّي دوره الفنان الشاب فيصل فريد. ولكن حين يصل الابن إلى قصر والده نفاجأ باستبداله بالشاب الغريب الذي التقاه في المطار.
من هنا تتولّد العديد من التساؤلات، خاصة مع اختفاء الابن الحقيقي تماما عن مجريات الأحداث، وتولى الابن المزيف دور يوسف. فما هو مصير يوسف الحقيقي، وكيف استبدل على هذا النحو؟ وهل ستكتشف الأسرة هذه اللعبة، أم أن الأمر كله ربما يكون مؤامرة من الأسرة نفسها للحيلولة دون تسليم الثروة لشخص غريب عنهم، كما يقولون؟
سنعرف الإجابة على هذه التساؤلات بالطبع خلال الحلقات القادمة، وستتكشّف كذلك المزيد من الأسرار والحقائق التي كانت غائبة. فمع تصاعد الأحداث تظهر الكثير من العلاقات والشخصيات، كما نتعرّف على الصراع القائم بين عائلتي البهيتاني والخطوان، وهو الصراع الذي يدفع نحو المزيد من نقاط التصاعد المُثيرة.
الإطار العام هنا يبدو مثيرا ومليئا بالأحداث، وكان من اللافتا مواكبة المسلسل أيضا لأزمة وباء كورونا الحالية، إذ تطرّق إليها بداية من الحلقة 52 حين أصيبت إحدى شخصيات العمل بالعدوى.
وكان باديا أن عملية الكتابة كانت تجري بالتزامن مع عرض المسلسل، فالحلقات التي عُرضت في رمضان مثلا كانت لها علاقة بأجواء الشهر والإجراءات الاستثنائية المصاحبة لأزمة كورونا.
إلى هنا يبدو الأمر جيدا، غير أن الأحداث في جانب كبير من الحلقات مرّت بطيئة، حتى أن حلقات كاملة عُرضت من دون أن يكون هناك تغيّر ملموس في مجرى الأحداث، ما يسلّط الضوء على جدوى الوصول بالحلقات إلى هذا العدد الذي أعلنت عنه الشركة المنتجة، إذا لم تكن هناك أسباب موضوعية لها علاقة بالسياق الدرامي للعمل..
نأمل بالطبع أن يفاجئنا المسلسل في حلقاته القادمة.