نايف الوعيل
قبل أيام، أزيل الستار عن اسم الرئيس الجديد لهيئة الأفلام، واحدة من بين إحدى عشرة هيئة مستحدثة تابعة لوزارة الثقافة السعودية لتنظيم وإدارة المشهد الثقافي السعودي وفق رؤية عامة ترنو للحداثة والتطوير، وتتوافق مع التصور الجديد للواقع الثقافي السعودي كواقع منتج ومصدِّر وليس مستقبلاً فحسب، ليأتي الاسم المطروح المهندس عبدالله القحطاني رئيسًا تفنيذيًا للهيئة الجديدة متسقًا أيما اتساق مع هذه الرؤية الوطنية، وكيف لا، وهو ابن المجال، الذي وضع يده مُبكرًا على أزمة الصناعة، وتعطش المجتمع السعودي لفن يمثّله؛ إذ ناقش أحد بواكير أعماله الذي أنتج عام 2006 فيلم “سينما 500 كم”، شُح دور العرض السينمائية في السعودية ومعاناة شاب سعودي واضطراره إلى السفر مسافة طويلة ليدخل السينما للمرة الأولى بحياته. أي رؤية فنية أنسب لهذا المنصب في هذا الوقت بالتحديد من رؤية صاحب عمل كهذا الذي ناقش واستشرف لُب أزمة الجمهور السعودي بهذه الجرأة والسلاسة وعبر عنها مبكرًا، فضلاً عن طابور من الأعمال القيمة التي عمل عليها ونافس بها في فترة لم تكُن فيها السينما السعودية تحظى بالضوء والاهتمام ذاته الذي تحظى به حاليًا، وخبُر أدق تفاصيل الصناعة واحتياجات المبدع السعودي، ليكون خير من يقدم له الدعم والرعاية اليوم عبر هذه الهيئة الوليدة.
لا يمكن تخيل الطريق أمامه ممهدة بدون عقبات وانحناءات، بل على العكس، ربما يواجه رئيس الهيئة الجديد صعوبات جمة في إعادة ترسيخ وإظهار الصوت الفني السعودي الأصيل، في زمن الاستهلاك السريع، وصناعة المحتوى الحر، وربما على آل عياف البدء بإزالة الغبار عن الكنز البشري المدفون بجامعات المملكة، متمثلًا في مواهب الطلاب وقدراتهم الإبداعية ومخيلاتهم الحيوية النابضة التي من شأنها إزكاء الحراك الفني والسينمائي في المملكة بشكل غير مسبوق، فربما تكون معركة الهيئة الأولى بإدارتها الجديدة، هي فتح أقسام السينما والدراسات الدرامية في الجامعات حول المملكة، لتصبح قناة أكاديمية رسمية احترافية يعبر من خلالها شباب المملكة عن ذواتهم، ويطورون مواهبهم على نحو يكفل لهم النجاح والمُنافسة على الساحة الفنية المحلية والعالمية بعد أن يقدموا للمجتمع السينمائي بوصفهم مواهب متقدة، وليس مجرد مشاهير المرحلة.
وبهذا الصدد، ربما عليه أيضًا محاولة تجنب أخطاء الماضي القريب، واستثمار الإمكانيات الإنتاجية في أسماء غير احترافية وغير ذات موهبة حقة، رصيدها الفني والمجتمعي يتألف من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي، وضغطات الإعجاب، فضلًا عن إرث في اتباع “التريند” وكل ما هو جديد، دون الالتفات لإنتاج محتوى فني هادف وحقيقي، يعبر عن المجتمع السعودي، ويرتقي بحس شبابه الفني وإدراكه.. فالاستثمار في نجوم الصدفة، خسارة فنية على المدى الطويل تحرم العشرات من الموهوبين الحقيقيين من فرصة الظهور والإبداع والإضافة للرصيد الفني للمملكة بصدق وإخلاص، وبما يتفق مع الإطار الاجتماعي للجمهور وأولوياته النفسية والاجتماعية الحقيقية، وليس لإضحاكه بدفعات شعورية مفتعلة، تتلمس طريقها للزوال قبل أن تخرج للنور.
جريدة الرياض