سوليوود «الرياض»
قدم كل من المخرج الإيطالي جوسيبي تورناتوري “Giuseppe Tornatore”، والمخرج المصري الراحل أسامة فوزي فيلمين يتحدث كل منهما في فيلمه عن السينما، وعشقه لها عن طريق شخصيته الرئيسية. والجدير بالذكر هو أن الفيلمين رغم المسافة الزمنية بينهما، إلا أن كل منهما بإمكانه أن يجعلنا نحب السينما مثلما يحبها كل بطل، سواء كان (سلفاتوري) في إيطاليا أو (نعيم) في مصر. فترى ما السر وراء مقدرة كل فيلم على جذبنا لعالم بطله؟ وما الذي يجعل حب (سلفاتوري) للسينما يختلف عن حب (نعيم) لها؟ لنرى.
فيلم سينما باراديسو “Cinema Paradiso” سنة 1988.
الحياة ليست مثل الأفلام الحياة أصعب بكثير.
تدور أحداث الفيلم حول سالفاتوري دي فيتا (Salvatore Di Vita) صانع أفلام إيطالي، الذي يتذكر طفولته مع صديقه ألفريدو (Alfredo) بعد أن يأتي له جوابًا من قرية صقلية يخبره بوفاته. فنعود معه لأيام الطفولة لنعرف كيف بدأت القصة؟ فبعد سنوات من الحرب العالمية الثانية، نرى الطفل (سلفاتوري) الذي يعيش مع أسرة صغيرة في انتظار ربّها ليعود من الحرب، وتجمعه علاقة صداقة قوية بـ (ألفريدو) ذلك الرجل الكبير، الذي يعمل مُشغلًا للأفلام بالسينما الوحيدة التي بالقرية ألا وهي سينما باراديسو.
وعن طريق السينما نشأت علاقتهما التي كانت في البداية مزعجة بالنسبة لألفريدو، لتضرره أكثر من مرة بسبب حب الصغير للسينما، الذي يجعله يتردّد عليها وعلى الكابينة التي يعمل بها (ألفريدو) كثيرًا. وفي النهاية بعدما تأكد من حب الصغير لهذا العالم، ورأى فضوله في معرفة المزيد، بل ورغبته في العمل بهذا المجال قرر أن يساعده، ومن ثم صارت علاقتهما وتطورت من علاقة صداقة إلى علاقة أبوة، حيث عامل (ألفريدو) العجوز (توتو) الصغير كأنه ابنه كما عامله الأخير كأنه أبيه؛ وذلك لحاجة وحرمان كل منهما من تلك العلاقة في حياتهما. ومع مرور الوقت وإصابة (ألفريدو) بحادثة حريق في السينما قد أفقدته بصره، بدأ حينها رسميًا عمل (سلفاتوري) بالسينما مشغلًا للأفلام مكانه. ومع مرور العمر نرى كيف تطورت السينما وآلة العرض، وزادت حكمة ألفريدو، وكيف تدخلت تلك الحكمة في حياة (سلفاتوري) الشاب وحولته إلى صانع أفلام في النهاية، وفقا لما نشر موقع أراجيك.
فيلم بحب السيما 2004
كانت السينما بالنسبة لي هي الجنة والتذاكر هي صكوك الغفران
تدور أحداث الفيلم في عام 1966 عن (نعيم عدلي) طفل صغير من أسرة مسيحية تعيش بحي شبرا في القاهرة. وتتكون أسرته من أب (عدلي) متشدد دينيًا يعمل أخصائي اجتماعي، ونرى منذ البداية كرهه للسينما بل وللفن عمومًا لأنه حرام ، وأم (نعمات) تعمل ناظرة بمدرسة وفي الماضي كانت مدرسة رسم، وتهوى رسم لوحات عارية للنساء، وأخت كبرى (نعيمة) تحب الأكل وتشكو رغم ذلك من زيادة وزنها. أما (نعيم) فنرى حبه وولعه للسينما يظهر في نظرات عينيه لأفيشات الأفلام المعلقة وتمحصه فيهم، وفي اندماجه مع لعبته الصغيرة التي تعرض صورًا من الأفلام، وكم ارتباطه بها وملازمته لها حتى أثناء سيره أو صعوده على الدرج.
ونعيش القصة على الشاشة كما يحكها صوت (نعيم) نفسه ولكن في المستقبل، فنرى كيف أن حبه للسينما قد بدأ بسبب خاله الصغير (نبيل- بلبل) الذي أخذه معه للسينما في غياب أخيه، ومنذ تلك المرة تعلق بها، فمقدار تعلقه بالسينما يساوي لمقدار كره أبيه لها. فنعيش مع (نعيم) الصراع الذي قد عاشه مع أبيه بسبب تحكمه وتشدده، ونرى بمرور الأحداث كيف أثرت السينما على (نعيم)، وغيرت من علاقته بأسرته كلها وعلى رأسهم أبيه، وكيف حتى أثرت في تصرفاته وتأثره بما يحدث حوله.
وبالنظر لعالم كل من (تورناتوري) و (أسامة فوزي)
سنجد أن كل منهما قد عرض العالم الذي عاشه بطله مستخدمًا أدواته السينمائية كما يجب أن يكون، ربما مهارتهما وذكائهما في توظيف تلك الأدوات يعتبروا أحد العوامل المؤثرة في سحر كل فيلم، وأحد أسباب تعلقنا بكل عالم بمفرده، دون النظر إلى تشابه القصتين من حيث المبدأ.
فبالنسبة لتورناتوري: طريقة سرده للقصة ليس هدفها الأول معرفة العلاقة بين (سلفاتوري) و(ألفريدو)، بل الهدف منها هو الحنين للماضي الذي يتجسد في (ألفريدو وسينما باراديسو)، وكيف يمكن لتلك النوستالچيا أن تؤثر على شخصية بطلها وتغيرها كما حدث في الفيلم. كما أن دلالات الصورة لدى تورناتوري غنية جدًا من حيث التكوين وكذلك المعنى، حيث أن كل مشهد عبارة عن لوحة مرسومة تقول ما لا يقوله السيناريو، وتنطق بما لا ينطقه أبطاله، فنرى مثلًا في السينما كيف يتجمع طوائف الشعب المجتمعية كلها، ويتعاملون مع بعضهم البعض.
كما نرى كيف تحولت سينما باراديسو لمكان مستقل بذاته، مثلما أصبح (توتو) مستقلًا بذاته وكأنهما في علاقة طردية مع بعضهما البعض! كذلك الموسيقى التصويرية في الفيلم الإيطالي أثقلت من هدف السرد الأول، وأثرت فينا وجعلتنا نحب عالم (سينما باراديسو)، كما أحبه البطل وكأنه يسمعها في أذنه ونسمعها نحن معه أيضًا!! فتلاحم وتداخل كل هذه العناصر مع بعضها، أنتج في النهاية العالم الذي يريد تورناتوري أن نعيشه وكأننا في الأحداث نفسها.
وبالنسبة لأسامة فوزي: فهو يضعنا في عين الحدث مع بداية فيلم، ويجعلنا نعرف من خلال صوت الراوي أننا سنعيش حكاية بطله (نعيم عدلي) مع السينما. وبلا أي شك قد أجاد هو الآخر من خلال أدواته في إدخالنا لعالمه، وتسبب في تعلقنا به. فهدف السرد في قصة فيلمه هو عرض السينما، بل والفن عمومًا بأكثر من منظور أو وجهة نظر، مستخدمًا شخصياته المركبة في إثقال ذلك الأمر: حيث الأب المتشدد الذي يرى أن السينما والفن حرام، والأم الذي تركت فنها بسبب الحياة العملية والأسرية، والطالب الهاوي للرسم والتمثيل الذي يحب السينما، الذي يعتبرمن تسبب في حب (نعيم) لها. ونرى من يذهبون للسينما لأغراض أخرى بعيدة تمامًا عن الاستمتاع بأفلامها! فأسامة فوزي فضّل أن يستخدم السينما في فيلمه كوسيلة لنعرف بها شخوصه وليس كغاية مثل تورناتوري في فيلمه.
هذا بالإضافة طبعًا إلى الموسيقى التصويرية التي تشبه للفترة التي تدور فيها القصة، بل وللدقة هي تشبه المصريين كلهم وليس (نعيم) وعائلته فقط. وبالنسبة للصورة ودلالتها الخاصة بالفيلم، فنجد أن الفيلم الإيطالي قد تفوق في هذه النقطة من حيث الثراء والكثرة، ولكن فيلمنا هذا قد تفوق على الآخر في نقطة غاية في الأهمية ألا وهي في القضية المطروحة، والتي يستطيع أي مشاهد أن يراها بوضوح ألا وهي الحرية.
فقضية الفيلم الإيطالي مناسبة جدًا لشخصية بطله الغير راضي بواقعه (إذن ربما الحنين للماضي قد يغير شيئًا!)، وسلّطت هذه القضية ضوئها بقوة على حب السينما، ووصلت لنا من خلال طرحها لماذا يجب علينا أن نحب السينما؟ ولكن بالنظر للفيلم المصري سنجد أن القضية التي تطرح نفس السؤال، تجيب عليه بطريقة أهم وأجمل بكثير، فالفيلم لا يحمل دعوة لحب السينما فقط، بل يبرر لماذا يجب أن نحبها؟ ففي الفيلم دعوة لحب السينما والفن للتحرر، والتخلص من القيود، والتشبث بالحياة.
فكل من (تورناتوري/ سلفاتوري) و (أسامة فوزي/ نعيم) مثلما طرح فيلمه، طرح فيه نفس السؤال (لماذا علينا أن نحب السينما؟) وكل منهما مثلما أجاب بطريقته ومن منظوره الشخصي في فيلمه، مثلما ترك لنا أيضًا إجابة هذا السؤال مفتوحة لنحددها حسب تعلقنا بعالمه، بل وبالسينما عمومًا.
كما قدم كل منهما في فيلمه رسالة مستترة لعاشق قادم، ومحب مجهول للسينما أرتبط بها أيضًا منذ صغره: ألا يتخلى عن ذلك الحب، بل يجعله ينضج داخله كما نضح بداخلهما، ربما في النهاية ينتهي به المطاف بأن يكون صانعًا للأفلام مثلهما، وربما حبه للسينما قد يفوق حبهما، ويقدم إجابة مختلفة لنفس السؤال.