سوليوود «الرياض»
الحكايات الذاتية المباشرة التي تدور، جزئياً أو على نحو كامل، حول حياة المخرج يوسف شاهين وصلت إلى نهايتها في هذا الفيلم الذي شهد عرضه العالمي الأول في مهرجان «كان» سنة 2004. كان بدأ تلك الحكايات بفيلم «إسكندرية ليه؟» سنة 1979 وتبعه بـ «حدوتة مصرية» (1982) ثم «إسكندرية كمان وكمان» (1990) وفيها جميعاً روى سيرة ذاتية مسلسلة مثيرة كونها عن حياته الشخصية وعن مهنته وأحلامه كمخرج.
حينها، صرّح المخرج الراحل بأن «إسكندرية.. نيويورك» هو امتداد لسيرته الذاتية التي وردت في ثلاثيته السابقة. لكن ذلك لا يبدو صحيحاً. الفيلم ليس سيرة ذاتية بالمعنى الفعلي بل هو مزج بين خيوط أحداث فعلية (قيام شاهين في سن مبكرة بدراسة السينما في معهد باسادينا في كاليفورنيا) وبين ما هو مؤلّف حول ما حدث له خلال تلك الفترة.
ووفقا لصحيفة الشرق الأوسط إذا ما صدّقنا ما نراه على الشاشة واعتبرناه وقع فعلاً، فإن ذلك يعني أن المخرج لم يقص سيرة حياة صحيحة في ثلاثيته السابقة، وذلك لأن بعض ما يرد هنا يناوئ ما ورد في تلك الأفلام. يعني أيضاً أن المعاناة الذاتية التي عرضها علينا شاهين في «إسكندرية… ليه» و«حدوتة مصرية» و«إسكندرية كمان وكمان» (والتي ليس لها أثر في هذا الفيلم الجديد) لم تكن بدورها صادقة بما في ذلك حياته العاطفية الخاصة.
في مطلع الفيلم يعارض المخرج يحيى (محمود حميدة) التوجه الى نيويورك حيث سيُقام له احتفاء بأفلامه. يقول لمحدّثه: «أكره أميركا بسبب سياستها حيال فلسطين»، لكن صديقه يقنعه بضرورة السفر وتقديم نفسه وأفلامه ومواقفه. لاحقاً في أميركا، وخلال مؤتمر صحافي يواجهه صحافي متعصب محاولاً السخرية من المخرج العربي لكن يحيى يكيل له الصاع صاعين مثيراً سخرية الحاضرين عليه. يمر هذا المشهد وسواه كتصفية حساب شخصي بين شاهين والولايات المتحدة كونها لم تحتفِ به كما فعلت أوروبا (وفرنسا بالتحديد).
واحدة من حاضرات المؤتمر الصحافي هي جنجر (يسرا) التي ارتبطت معه بعلاقة عاطفية سابقاً وها هي تخبره الآن أنه ترك وراءه بعد عودته إلى مصر بذرة حب متمثلة بابنهما ألكسندر (أحمد يحيى). لا يصدّق المخرج ما تخبره به جنجر ويسعى للتعرف على ابنه لكن الابن مستاء لأنه اكتشف أن والده عربي وجزء من الفيلم يمضي حول هذا الموضوع قبل أن نعود إلى عام 1948 عندما وصل يحيى أول مرة الى أميركا (يؤديه شاباً أحمد يحيى أيضاً) ودخل معهد باسادينا للدراما.
الحكاية في هذا المنوال تمزج الواقعي (دراسة يوسف شاهين السينما في أميركا) بالخيال (علاقته العاطفية التي أنجبت طفلاً)، كما تمزج بين حبه للأميركيين كشعب وكرهه لسياسة بلدهم. كل ذلك كان يستحق فيلماً أفضل وأكثر عمقاً، لكن المطروح، خصوصاً في تلك الدائرة السياسية، يبقى ساذجاً في أفضل أحواله.
هناك الكثير مما يدور في هذا الصدد. بطله (يؤديه شاباً أحمد يحيى أيضاً) كان جذاباً للنساء وراقصاً ينافس جين كيلي وفرد أستير مهارة والجميع في مدرسة باسادينا كان معجباً به وبمواهبه وطالبوه بالبقاء في هوليوود، لكنه قرر العودة إلى وطنه.
فيلم لشاهين لا يمكن أن يكون بلا حسنات. شاهين لا يزال ذا عين بارعة في شكل السرد المختار لقصّته. الانتقال والإيقاع وحركة الكاميرا وسلاستها من تلك التي لا يمكن أن تفوت المشاهد. وأحمد يحيى اختيار رائع كونه راقصاً ماهراً وشخصية ذات حضور على الشاشة. لكن اللوحات الاستعراضية ذاتها تنقسم إلى حفنة ذات تبرير مقبول وأخرى لا علاقة لها بما يدور فتبقى الأخيرة مثل فترة استراحة يستطيع فيها المرء أن يفعل خلالها.