سوليوود «الرياض»
دائما ما تكون الأحداث الكبيرة مادة خصبة تغري المبدعين وصناع الدراما والسينما إلى تجسيد الحالة التي يعيشها الناس متأثرين بهذه الأحداث، لذلك تكون فترات الأوبئة التي تمر بها البشرية من حين لآخر دافع أساس لخروج أعمال تتناولها، وتناقش القصص الناتجة عنها.
وكانت ثنائية الجهل والمرض، وسؤال من سينتصر في حرب الوباء، هي الخط الدرامي الأساسي الذي سيطر على تناول السينما أو الدراما المصرية لموضوع الوباء وتعاطي المواطن معه، وعلى هامش ذلك تناولت بعض المشاهد الخوف والفزع الذي يصيب الإنسان في تلك الظروف العصيبة.
ووفقا لموقع الشروق يقول الدكتور علي مصطفى مشرفة في كتابه “العلم والحياة”: “يجب أن نفكر بالعقلية العلمية، تلك العقلية التي تواجه الحقائق وتعني بالجوهر دون العرض، وتطلب اللب لا القشور…”، وكانت العقلية العلمية صاحبة التفكير العلمي في صراع دائم مع العادات والتقاليد التي تحتوي على جهل في باطنها، وهي الزاوية التي تناولت منها السينما أو الدراما أغلب ما قدم عن الأوبئة في مصر.
والتفكير العلمي كما يعرفه زكريا فؤاد، أستاذ الفلسفة في جامعة القاهرة، في كتاب يحمل نفس العنوان هو: “ذلك النوع من التفكير المنظم الذي يمكن أن نستخدمه في شئون حياتنا اليومية أو في النشاط الذي نبذله حين نمارس أعمالنا المهنية المعتادة، أو في علاقاتنا مع الناس ومع العالم المحيط بنا، وكل ما يشترط في هذا التفكير هو أن يكون منظماً وأن يبنى على مجموعة من المباديء التي نطبقها في كل لحظة دون أن نشعر”، ويضيف: “هذا التفكير هو الذي يجب أن يسود في أثناء انتشار الأوبئة والأمراض وليس التصرفات التي تعبر عن تفكير غير علمي”.
مع انتشار فيروس كورونا covid-19 في مصر، انطلقت بعض الشائعات المتعلقة بالمرض، كما انتشرت الوصفات الغريبة، هذه التصرفات رأينا شبيهًا لها على شاشة السينما والدراما، إلى جانب مشاهد الخوف بسبب انتشار الوباء.
في عام 1941، خاض المخرج أحمد بدرخان أولى التجارب الفنية التي تناولت قضية الجهل في مواجهة العلم، أثناء إصابة الناس بوباء ما، وكان من تأليف بديع خيري، وبطولة يوسف وهبي وأمينة رزق وراقية ابراهيم وزوزو نبيل وحسين رياض، وكان وجهي الصراع: الطبيب أشرف، الذي يعمل مفتشاً للصحة، والطرف الآخر ضم العمدة والعطار وحلاق القرية، والفيلم مأخوذ عن مسرحية كان يوسف وهبي قد عرضها عام 1934، ووصفها وهبي في مذكراته بأنها تنبأت بالوباء وانتشاره في مصر بعدها بسنوات عام 1947.
أما في ستينيات القرن الماضي عُرض فيلم “صراع الأبطال”، للمخرج توفيق صالح وتأليف عبدالحي أديب وإنتاج عز الدين ذو الفقار وبطولة شكري سرحان، وعبر الفيلم بأحداثه كاملةً عن نفس الحالة، فالطبيب في مواجهة القرية وأحد أثرياءها، ليصطدم الطبيب بوجود الجنود الإنجليز في القرية، وكذلك بالجهل الذي يعيش فيه الأهالي، ووجد نفسه في مواجهة الإقطاعي، عادل بيه، الذي يستغل أهل القرية ويسخرهم لخدمة أغراضه لمزيد من الثراء، وكذلك القابلة التي تقوم بتوليد النساء بطريقة بدائية.
ويتطور الخلاف بين الاثنين مع انتشار وباء الكوليرا في القرية، والذي أرجع الفيلم سبب ظهوره إلى قيام الأهالي بتناول بقايا الطعام الفائض من الجنود الإنجليز، ويصل الفيلم لذروته مع استغلال جهل أهل القرية ووقوفهم ضد الطبيب بعد اقناعهم باستغلاله لهم في أبحاث يقوم بها.
وفي عام 1996، قدم المؤلف وحيد حامد بالتعاون مع شريف عرفة وبطولة عادل إمام، فكرة الوباء ولكن في صورة كوميدية، حيث يلاحظ أحد رجال الشرطة –العقيد مجدي- ظهور حالات انتحار وقتل وعنف شديدة بين الأزواج، وعندما يتتبع الأحداث يكتشف وجود وباء يصيب الرجال بالعجز الجنسي، وإن كان الفيلم هدفه الرئيس الحديث عن الزحام والاختناق وما قد يسببه من أوبئة، وعن تعامل الحكومة مع القضايا الشائكة، إلا إنه في وسط الأحداث يركز أيضاً على تعامل المواطن العادي مع الوباء، ويظهر من خلال مشاهد معينة سعي المواطنين إلى محلات العطارة والوصفات و”الأحجبة” التي يصنعاه الدجالين للحصول على علاج.
وتحدثت الناقدة ماجدة موريس، عن هذه القضية، في مقال سابق لها قائلة: “إنه إذا تم تقديم الأفلام التي تتحدث عن الأوبئة، فإن نجاحها مرهون بكيفية معالجتها سينمائياً، وهناك صعوبة في طرح هذه النوعية في قصص منفصلة، ولكن من الممكن عرضها في سياق الحبكة السينمائية”.
وبالفعل ذلك نراه في أكثر من عمل سينمائي ودرامي تناول هذه الزاوية ولكنه في نطاق أحداث أخرى، وكان الوباء على هامشها، ومن هذه الأعمال:
فيلم الزوجة الثانية، عام 1967، والذي يحكي عن قصة الاستبداد والظلم، وعلى هامش الأحداث، يركز الفيلم على فكرة اللجوء للخرافات في تصرفات أهل القرية، فهم يلجأون للسحر والشعوذة في كل أمر يحل بهم، وعندما ينتشر وباء الكوليرا، يعرض المخرج صلاح أبو سيف، بعض المشاهد التي تعبر عن مدى وعي القرية المتدنين من خلال لجوء الفلاحين إلى العطارة وعمل “الحجاب” والوصفات التي يضعها لهم حلاق القرية، ظناً منهم أن ذلك سيبعد المرض، كما ركز في مشهد على تعامل الجهات المسئولة مع الفلاحين، من خلال عرض مقطع لعدد كبير من الفلاحين وهم مقيدين الأيدي ومنساقين كالماشية إلى الوحدة الصحية.
ومن الأعمال الحديثة التي تناولت ثنائية الجهل والمرض على هامش أحداثها أيضا، مسلسل “أهو ده الي صار”، فالبطلة (نادرة) فتاة صعيدية وتعمل في قصر لدى أحد الأثرياء مع والدها، تحبها صاحبة القصر فتقوم على تعليمها القراءة والكتابة والموسيقى، تضطر الظروف نادرة إلى العودة لقريتهم مع والدها وتتزوج من فلاح بسيط لا يعلم القراءة والكتابة.
ليجتاح الطاعون البلدة ويقوم الأطباء بتوزيع منشورات على الأهالي لتحذيرهم، ولكن جميع أهل القرية لا يستطيعون القراءة، ولكن الفتاة تقرأ التعليمات، فتقوم بحماية أبناءها ونفسها من المرض من خلال اتباع الإرشادات المذكورة في المنشورات، ورغم مهاجمة زوجها لها سابقًا، إلا أنها كانت تقاوم وتتمسك بالعلم الذي عرفته، ويموت أغلب أهل القرية وتظل هي وبناتها على قيد الحياة.