مصطفى الأنصاري
هيمن وباء “كورونا” على العناوين في القارات والمدن مهمشاً كل جدليات السياسة وأحاديث دور الأزياء والسينما، لكن مجيئه في أعقاب سيطرة فيلم “الجوكر” على الجوائز وأرقام المبيعات، لم تكن في ما يبدو صدفة بالمعنى الكامل، إذ عند تأمل “كورونا” بوصفه شخصية قابلة التجسيد، يجده المشاهد يتقاطع مع “الجوكر” في زوايا عديدة.
فعندما ترى التنافس المحمود بين الدول والتوجهات في التعاطي مع “كورونا” وتفسير اجتياحاته كلّ من زاويته الأيديولوجية والعلمية والثقافية، يمكن رؤية الأمر نفسه ينطبق على النظرة إلى فيلم “الجوكر” وبطله “خواكين فينيكس” الذي حيّر المغرمين بالشاشة الصغيرة والفن السابع، فلم يستطع أكثرهم تحديد موقفهم النهائي منه، حتى ألقى ملايين المشاهدين حول العالم في حبائله مأسورين به، كأن لم يملكوا من أمرهم شيئاً.
كذلك فعل الوباء “كورونا”. سمعت عنه أوروبا عن بعدٍ، ونظرت إليه شزراً، ثم لم يلبث أن وطئ ديارها بغتة، فوجدته ينتشر فيها كما النار في الهشيم.
حلبة الانتشار
وفي أرقام الانتشار والمشاهدة التي سجّلها فيلم “الجوكر” الأخير فقط، وليست كل سلسلة الشخصية الشهيرة، لا يبدو أن “كورونا” سيتجاوزها في الضحايا والاستبداد، خصوصاً إذا ما قيّض العلم للبشرية “باتمان” من الصين أو أميركا أو أوروبا أو حتى من دول العالم الثالث، لينهي مغامرة منافس الجوكر “كورونا” في العبث بالمدن والحضارات ونمط حياة الناس.
وعند المقارنة بين الخرائط التي احتلها “كورونا”، التي مسّها طائف من الجوكر نجد أن للاثنين حظاً في كل من آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا وأستراليا، ولا ندري حتى الآن إن كانا سيبلغان القطب المتجمد الشمالي.
ومع أن “كورونا” تمكّن من وقف زحف الجوكر في دور السينما وصالات العرض في المعمورة، فإنّ مهارات الجوكر الزئبقية أسعفته، ففي الحضور عبر الشاشة الصغيرة التي هرب إليها المهاجرون بسبب اجتياح منافسه عقر داره في الميادين بما في ذلك هوليوود التي أغلقت أبوابها التقليدية، لكنها شرّعت ألف باب رقمي، في محاولة منها لكسب حصة معتبرة من غنائم الأزمة.
قواسم مشتركة
ويواجه “الجوكر” مذيع التوك شو موري بالقول: “هل أبدو لك مهرجاً يمكن أن يبدأ حركة؟”، هكذا يرى نفسه بمعزل عن قيادة هيجان الشارع من مقعد تلفزيوني يمكّنه من ذلك، ورغم استمراره في فورته الانتقامية من البغيض موري على حد تعبيره، فإنه يصبّ جام غضبه من دون استثناء أحد، معتبراً “الجميع بُغضاء هذه الأيام”، ومغضوب عليهم، كما يصنع “كورونا” ويقول لسان حاله.
بالمنطق نفسه يتخلّى “الجوكر” عن شخصيته الشاكية، فيسائل موري: “ما جزاؤك عندما تتحدى وحيداً مختلاً عقلياً يتخلّى عنه المجتمع ويعامله مثل الحثالة؟” قبل إفراغ الرصاصات في جسده على الهواء مباشرة، عقب طرحه سلسلة من التبريرات المعقّدة التي تسكب الزيت على نار الجمهور المنصاع إلى بائس تنهشه حالته النفسية. مثلما يمكن أن تبرر شخصية “كورونا” عندما يُجرى تجسيدها أفعال الوباء في البشرية بأشنع وأكثر.
ميزانيات لمهمة الإنقاذ
ووضع تمدد كورونا وتفشيه على الخريطة كوباء فيروسي مهمة الدول وشركات الأدوية حول العالم في حالة الطوارئ، بحثاً عن لعب دور “باتمان” المنقذ الإنسانية من هذا الانتشار الفيروسي القاتل.
ويبدو أن البحث عن عقار مهمة تستدعي حشد قدرات ضخمة، حيث يُجرى حالياً تطوير واختبار نحو 50 عقاراً لمواجهة “كوفيد 19″، بينما يفضّل العلماء لغة التحذير بدل التطمين، مبينين أنّ الأمر ربما يستغرق شهوراً، وربما يمتد إلى العام المقبل، حسب إجراءات التأكد من فعالية الدواء وعدم وجود آثار جانبية له.
ففي الصين ضخّ المصرف المركزي الصيني 1,2 ترليون يوان (173 مليار دولار) في الاقتصاد، لدعم جهود مكافحة الفيروس، بينما اتّجهت الحكومة الألمانية إلى تقديم قروض مع ضمانات بقيمة لا تقل عن 550 مليار يورو في أكبر إجراءات استثنائية منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك في محاولة للتصدي لتداعيات فيروس كورونا على أكبر اقتصاد في أوروبا، حسب دوتشفيل الألمانية.
وأقرّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب ميزانية عاجلة بقيمة 8.3 مليار دولار، لمكافحة فيروس كورونا مع ارتفاع عدد حالات الإصابة في العالم، بينما طلب رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي من الاتحاد الأوروبي استخدام “كل القوة النارية” لصندوق الإنقاذ الأوروبي البالغ 500 مليار يورو للتعامل مع الأزمة الاقتصادية في القارة العجوز على خلفية تفشي وباء فيروس كورونا (كوفيد 19)، حسب وكالة آكي الإيطالية للأنباء.
نزعة الانتقام
وإذا كان “الجوكر” ناقماً على المجتمع ما أدّى إلى سوء حالته النفسية، وتزايد عدوانيته، فقد عانى مصابون بـ”كورونا” والعزل الصحي الاحترازي في بعض الدول الأعراض نفسها. كما بدا في انتشاره أكثر بين أرجاء الدول الذي تجاهلته. ذو نزعة انتقامية. وكلتا الشخصيتين تكره المنافقين، ولا تحترم المتخاذلين، أليس الجوكر من قال: “لا أحب النفاق والتملق، لذا لا يحبني البعض ويشرفني ذلك”، بينما لا يحب أحد “كورونا” حتى الآن!
وكانت حالة “الجوكر” تلبّست رجلاً مصاباً بـ”كورونا”، فتوجّه إلى حانات في اليابان “لنشر الفيروس”، وذلك بعد التقاطه العدوى من والديه. فبينما أوصته السلطات الصحية بالعزلة الاحترازية في المنزل ريثما تهيئ له موقعاً بالمستشفى، قرر هو ارتياد حانتين في مدينة ساحلية صغيرة، قائلاً لأحد أفراد أسرته: “سأنشر الفيروس”، وفقاً لما أفادت به “فوجي” (أف. إن. إن) شبكة الأخبار التلفزيونيّة في اليابان.
ويصنّف جيمس آموس وروبرت وبينسون، اضطراب الشخصية المعادية المجتمع بكونه “من الاضطرابات المقاومة العلاج التي تُسهم في شعور المتمارض بحاجته إلى التمارض”.
وتبذل الجهات الصحية في العالم حالياً الجهود لإيقاف الوباء، لكنها على الأرجح بعد إعاقة زحفه ستجد نفسها أمام مهمة أخرى، هي حماية المتعافين منه، والخائفين من الآثار النفسية.
ويبين مؤلف كتاب “سيكولوجية البلطجة” محمد غالب بركات، أنّ البلطجة كعنف موجه ضد الآخرين والممتلكات يتميز بـ”الاستمرار والتكرارية، ويوجد ترادف بينه وأعراض اضطراب المسلك أو التصرف الذي يعد من أعراضه اضطراب الشخصية المعادية المجتمع”. ولحسن الحظ فإنه على الرغم من اتسام الوباء بالعدوانية، فإنّ التقارير الطبية حتى الآن لم تكشف عن أي متلازمة عدوانية لمن تجاوزوا أزمته.
في الشق الفني، يرجّح كثيرون أن تلهم جائحة “كورونا” أعمالاً إبداعية في السينما والأدب بعد انتهائها، كما حدث ذلك مع أوبئة سبقته في أزمنة عدة. من يدري ربما يلهم “كورونا” أفلاماً أكثر استحواذاً على الجمهور من منافسه “الجوكر”.
اندبندنت عربية