طارق الشناوي
في منتصف هذا العام نحتفي بمئوية الفنان الكبير فريد شوقي، والذي حظي قبل نحو سبع سنوات، بلقب النجم العربي الأول، من خلال الاستفتاء الذي أجراه مهرجان «دبي السينمائي الدولي».
ليس لهذا السبب فقط تذكرت «ملك الشاشة»، كما كانت تطلق عليه الجماهير، و«رئيس جمهورية التمثيل» كما كانت تلقبه قبيلة الممثلين، ولكن أتذكر «عثمان الجبار»، فهو اسم الفيلم التركي بين عشرة أفلام لعب بطولتها فريد، في إسطنبول نهاية الستينات، وحتى مطلع السبعينات، وحظي في أكثر من مهرجان، بجائزة أفضل ممثل، واعتبروه النجم الشعبي الأول في الشارع التركي.
تلك بداية الخيط الذي أتمنى أن نُمسك به، وهو أننا كعرب قادرون على تقديم أعمال فنية ممتعة، بينما هم الآن يسكبون لنا «السم في العسل» في الأعمال الدرامية التاريخية، أحال إردوغان المسلسلات التركية المدعومة من الدولة إلى أسلحة لتزييف التاريخ، في محاولة فاشلة لاستعادة زمن ولى، ولم ولن يعود، قاومنا كعرب هذا العدوان، خضنا معارك عديدة لدحره، بينما هم يسعون الآن من خلال عدد من المسلسلات وآخرها (أرطغرل) لتصدير تاريخ زائف عن فتح عثماني، الكل يُدرك أنه كان غزواً واحتلالاً، قاومه العرب بكل بسالة قرونا من الزمان، اليد التركية عسكريا تمتد الآن لعدد من الدول العربية، مثل سوريا والعراق وأخيراً ليبيا. وهنا تُصبح المقاومة للعدوان واجبة، وتبـدأ بمقاطعة شراء الدراما وإيقاف ما تم بثه، وهي ضربة في مقتل، بدأت الآن الدراما التركية تبحث عن مصادر تمويل أخرى، رغم أن الدولة رسميا تُقدم لها دعما ماديا وأدبياً، فهي تعد بمثابة أذرع أخرى تستخدمها في معاركها.
لا يفل الحديد إلا الحديد، وأيضا لا تواجه الدراما إلا الدراما، وهكذا جاء مسلسل «ممالك النار» من إنتاج دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو يحمل في طياته الرد الفوري والحاسم… التزم بالتاريخ، وقدم فيما لا يزيد على 14 حلقة فقط الحقيقة الموثقة، محملة برؤية فنية جاذبة، محققاً أعلى درجات المشاهدة عربياً، ووصلت قطعا الرسالة والتي أراها الأهم، لأنها تقول للعالم، إننا كعرب قادرون بأسلحتنا الناعمة على طرح قضايانا العادلة.
الوصفة السحرية للنجاح ترتكن إلى الالتزام بالتاريخ، بينما هم قدموا «أرطغرل» المحمل برسائل مدمرة لاختراق الوجدان العربي بعدد لا نهائي من الأكاذيب، التي تنطلق أساسا بالشخصية عنوان المسلسل «أرطغرل»، حيث تشير العديد من المراجع الغربية الموثوق بها، إلى أنه شخصية وهمية صنعها ابنه عثمان، حتى تمهد له إقامة إمبراطوريته المزعومة.
بدأت الدراما التركية تدخل البيت العربي، قبل نحو 15 عاماً، وسط ترحيب شعبي ورسمي، كانت تقدم رؤية اجتماعية ورومانسية مصنوعة تقنياً بطريقة جمالية عصرية جاذبة، وتم تكريم الأبطال الأتراك في العديد من المهرجانات العربية، وزاد عدد المواليد الذين يحملون اسم (مهند) بطل أحد المسلسلات المدبلجة باللهجة السورية، بعد ذلك اكتشفنا الخديعة السياسية التي حملتها الأعمال التاريخية، فكان حتما علينا غلق الباب، ثم تأتي الخطوة التالية، وهي أن ننتج أعمالا تملك سحر الإبداع، بدأ الغيث مع «ممالك النار»، ليؤكد أن «عثمان الجبار» الشهير بفريد شوقي، قادر بعد نحو نصف قرن على تحقيق الانتصار مجدداً، حتى في الشارع التركي.