سوليوود «الرياض»
الفن هو القوة الناعمة والمؤثرة في بناء الإنسان وإحلال السلام بين الشعوب، لكنه لا ينمو وينتعش إلا في مناخ صحي يحترم عقول المبدعين ويقدر روح المنافسة، وهو ما أيقنته حكومتا السعودية والإمارات، لذا أتاحتا المجال خلال السنوات الأخيرة واسعا لروافد الإبداع وأحدثتا طفرات كبيرة لإنتاج فنون تحترم عقل المشاهد العربي وترتقي لثقافة وتراث الدولتين.
ويرى الخبراء أن السبب الحقيقي وراء النهضة هو الاهتمام الحكومي في الدولتين بالفن ومجالاته المتعددة، خاصة “الفن السابع”؛ باعتباره الأوسع انتشارا والأكثر تأثيرا خاصة في فئتي النشء والشباب
نستعرض معكم في التقرير التالي مراحل تطور السينما في دولتي السعودية والإمارات، والرعاية التي أولتها حكومتا البلدين لـ”الشاشة الفضية”؛ لتزدهر وتصبح على مستوى الحدث.
السينما السعودية
عرفت المملكة دور العرض لأول مرة في ثلاثينيات القرن الماضي عبر موظفي شركة “أرامكو”، بهدف التسلية وعرض أفلام جديدة، لذا فجمهور السعودية ليس حديث العهد بعالم السينما، لكنها توسعت في فترتي الستينيات والسبعينيات؛ لتصبح الشاشات موجودة في الأندية الرياضية والسفارات، وتتاح العروض بكثرة وعشوائية لتصدر الحكومة قرارا عام 1979 بغلق كل دور العرض.
القرار الصارم استمر في كل أنحاء المملكة حتى عام 2006، لم تكسره سوى بعض الأفلام القصيرة والتسجيلية التي كانت تعرض داخل الأندية الأدبية فقط.
في عام 2008 قررت شركة “روتانا” للسينما كسر الصمت وإنتاج فيلم بعنوان “مناحي” 2008، ونظمت له عددا من العروض التجارية في الرياض وجدة وأبها، لكنها اصطدمت مع الحكومة التي أمرت بوقف العرض، وألفت عروضه التجارية؛ لذا لم تكرر روتانا التجربة.
ومع التطور التي شهده عالم “الفن السابع” وغزو دور السينما العالم العربي، أدركت المملكة أهميته وأعلنت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع بالسعودية عام 2017 منح تراخيص للراغبين فى بناء دور عرض، كما تحمست شركة مشاريع الترفيه للأمر إيمانا بقيمة “الشاشة الفضية”.
أول فيلم
في فترة الستينيات قدم التليفزيون السعودي عددا من الأفلام القصيرة والتسجيلية، ويعد فيلم “تأنيب ضمير” إنتاج 1966 للمخرج سعد الفريح وبطولة حسن دردير، أول تجربة سينمائية للمملكة كاملة، تلاها فيلم “تطوير مدينة الرياض” للمخرج عبد الله المحيسن، ثم توالت الأعمال لكنها كانت ضعيفة تتسم ميزانياتها بالمحدودة، فلم تترك أثرا كبيرا خاصة في المهرجانات الدولية التى شاركت فيها.
عام 2015 جاء حاملا انتصارا لمحبي السينما في المملكة، إذ أنشئت لجنة السينما السعودية برئاسة فهد التميمي، بهدف خلق بيئة جيدة للمبدعين وتسهيل التصوير واستخراج التصاريح، ونجحت في لعب دور مهم ليرتفع الإنتاج السعودي وتظهر تجارب روائية مهمة شاركت في العديد من المهرجانات الدولية.
المرأة تقتحم عالم السينما
نجحت المرأة السعودية في إثبات موهبتها بمجال الإخراج السينمائي لتصل إلى العالمية عبر أفلام خرجت من رحم الثقافة والتراث المحلي، مؤكدة قدرتها على الإسهام في رسم أول خارطة للمشهد السينمائي السعودي.
بداية المخرجات السعوديات جاءت قبل 12 عاما، عندما حملت هيفاء المنصور كاميرتها المنزلية وبدأت مسيرتها بموازنة ضعيفة وبتمويل شخصي، لتقدّم أفلاما روائية قصيرة شاركت بها في مسابقة “أفلام من الإمارات” عامي 2005 و2006، وهي “من” و”أنا والآخر”.
حماس المنصور دفعها للمشاركة في مهرجان فينسيا السينمائي بفيلم “وجدة” إنتاج 2012، وهو أول فيلم سعودي تباع حقوق عرضه بالخارج، كما قدمت المخرجة ذاتها هذا العام فيلم “المرشحة المثالية”، الذي شارك في العديد من المهرجانات المهمة مثل فينسيا السينمائي.
وتتسع قائمة المخرجات السعوديات لتضم شهد أمين، التي تنافس في مهرجان القاهرة السينمائي بفيلم “سيدة البحر “، الذي فاز أيضا بجائزة “فيرونا” بفئة الفيلم الأكثر إبداعا ضمن أسبوع النقاد في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي هذا العام.
أيضا برز اسم المخرجة السعودية مرام طيبة في الساحة الفنية السينمائية، ورُشحت المخرجة ريم البيات لجوائز دولية، وأبدعت السعودية هناء الفاسي في إخراج العديد من الأفلام الرائعة؛ ليؤكد هذا الجيل الواعد أن السينما السعودية تسير على الطريق الصحيح.
السينما الإماراتية
شهدت الشارقة إنشاء أول دار عرض في الإمارات عام 1945 على يد الاستعمار الذي كان يعرض أفلاما إنجليزية وأمريكية، ولأن محتواها كان يحمل قدرا كبيرا من الاختلاف الثقافي والمخاوف لم يندمج أبناء الإمارات مع الوافد الجديد، الذي اعتبروه حدثا استثنائيا لن يؤثر عليهم سلبا.
في الستينيات كثرت دور العرض التجارية التي كانت تعتمد على طرق بدائية وتعرض أفلاما عربية قادمة من مصر ولبنان، لكن الأمر لم يستمر طويلا، إذ اختفى الفيلم العربي بسبب فقر الإنتاج وحل محله الهندي خاصة في السبعينيات،وهي الفترة التي شهدت إقامة دور عرض شهيرة مثل سينما “هارون” بالشارقة، و”الوطن” في دبي، و”النخيل” في رأس الخيمة.
جاءت الثمانينيات حاملة الكثير من الخير لأبناء الإمارات الذين قرروا خوض عالم “الفن السابع” بروح مليئة بالتحدي، ليقدموا أعمالا فنية تجمع بين المضمون الجيد والعصرية.
وقدم المخرج الموهوب علي العبدول عام 1988 أول فيلم إماراتي روائي طويل بعنوان “عابر سبيل”، الذي نافس بقوة فى عدد كبير من المهرجانات الدولية؛ ليكون بادرة طيبة للتوسع في المجال.
شيئا فشيئا ظهر جيل من المبدعين الإماراتيين المحبين للتكنولوجيا والسينما، وقدموا أعمالا متنوعة في شكلها ومضمونها، منها الكوميدية والأكشن والاجتماعية، كما خاضوا غمار التجربة في الخيال العلمي.
وبالتوازي مع التقدم في عالم الأفلام الروائية الطويلة، لم يهمل الإماراتيون الأفلام القصيرة، فكان مؤشر الإنتاج كبيرا جدا، ما دفع المسؤولون عام 2001 لإقامة مسابقة خاصة بهذا النوع من الأعمال حملت عنوان “أفلام من الإمارات”.
طفرة في الإنتاج
في عام 2014 حدثت طفرة في معدل الإنتاج السينمائي داخل الإمارات، وتنوع بين وثائقي وروائي طويل، وظهرت أفلام مهمة منها: “الدائرة” للمخرج نواف الجناحي، و”دار الحي” للمخرج علي مصطفى، و”ثوب الشمس” للمخرج سعيد سالمين، و”من ألف إلى باء” للمخرج علي مصطفى.
انتعشت السينما الإماراتية في 2017 بشكل لافت، خاصة بعد ظهور مخرجين يملكون الرؤية والقدرة على إحداث التوازن بين متطلبات شباك التذاكر والأعراف العربية المحافظة، ليسجل هذا العام إنتاج 7 أفلام منها: “كيمره” لعبدا لله الجنيبي، و”ضحى في تايلاند” لراكان، و”كارت أحمر” لناصر التميمي، و”عوار قلب” لجمال سالم، و”كبريت” لعبيد الحمودي.
وفي 2018 قدمت السينما الإماراتية 13 فيلما روائيا بين قصير وطويل، بعضها حقق إيرادات كبيرة في شباك التذاكر، مثل فيلم “عاشق عموري” للمخرج عامر سالمين المري.
غزو السينما العالمية
إيمانا بدور الفن في الارتقاء بوعي المواطن الإماراتي، اهتمت الدولة بصناعة السينما، وأقامت العديد من المهرجانات الكبيرة، مثل أبوظبي السينمائي ومهرجان دبي، فضلا عن إنشاء عدد من دور العرض ومنح التسهيلات لشركات الإنتاج لتصوير أعمالها بسهولة.
وأدركت شركات الإنتاج العالمية قيمة ما يحدث في الإمارات، لذا قررت الاستفادة من هذا المناخ الإيجابي بتصوير أعمال عالمية على أرضها، منها: الجزء السابع من “حرب النجوم” و”آلة حرب” و”تايجر زيندا هاي” و”السرعة والغضب 7″ و”المهمة المستحيلة 4″؛ ليضيف للمبدعين الإماراتين مزيدا من الخبرة والتكنيك.