بدر خالد البحر
«يا زمان الخليج»، كتاب للأديب البحريني خالد البسام، يروي فيه حكايات سياسية واجتماعية في بدايات القرن العشرين. ويروي فيه قصة مهمة، استقينا منها أثر العامل الثقافي على القرار السياسي، حيث يوثق زيارة الملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة، للشيخ حمد بن عيسى الأول حاكم البحرين عام 1939، نقلا عن جريدة البحرين، في عددها 11 مايو 1939، حين دعا أمير البحرين الملك لحضور الفيلم السينمائي المصري «الهارب»، إخراج إبراهيم لاما، بطولة بدر لاما، وعبدالسلام النابلسي، وفاطمة رشدي، فحضر الأمير والملك ومرافقوهما.
يقول البسام «عبّرت تلك الزيارة عن حدث مهم للسينما، وزادت من شعبيتها، لأنها أعطت الكثير من المشروعية، وأنهت معارضة وجودها، سواء على الصعيد الديني أو الاجتماعي».
نحن نعتقد أن حضور مؤسس المملكة للفيلم دفع الى تأسيس نواة السينما السعودية، التي سمح بتواجدها بالثلاثينات في شركة النفط الأميركية كاليفورنيا ــ «أرامكو» حاليا، ثم بالستينات والسبعينات، حين انتشرت دور العرض في الاندية الرياضية والاحواش الخاصة، إلا أن حادثة جهيمان باحتلال الحرم المكي كانت سبباً بإغلاق جميع دور العرض لاحتواء غضب التيار الإسلامي، واستمر المنع حتى عام 2006، حين سمح لدور العرض في الاندية مرة أخرى والمهرجانات بعرض الأفلام الثقافية والوثائقية، واللافت للنظر أن في المملكة قد انتج فيها ما يزيد على 250 فيلماً قصيراً ووثائقياً وثقافياً حتى عام 2012.
هناك حادثة مشابهة لحضور مؤسس المملكة للفيلم المصري «الهارب» عام 1939، وهي حضور الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي لمسرحية، مصرية أيضا، «سلم نفسك»، الأسبوع الماضي، بدعوة من الرئيس السيسي، إلا أن الحضور الأول، برأينا، كان له أثر كبير في اضفاء المشروعية للسينما في المملكة، بينما الحضور الثاني لم يكن له ذات الأثر، لأن المشروعية كانت قائمة من قبل، ففي ديسمبر 2017 وافق مجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام السعودي على إصدار تراخيص دور السينما، التي ستكون وفق الضوابط الشرعية كما عودتنا المملكة الشقيقة.
لقطات تاريخية نأخذ منها سطحية المشهد، لأن الحالة السياسية غير المستقرة في المنطقة لا تستوعب مزيداً من التأويل، الذي لا يعود علينا بالنفع، كما حاولت بعض الأقلام المؤجورة تصوير حضور محمد بن سلمان للمسرحية على أن وراءه رسالة سياسية، في حين أننا لم نجد سوى أن الثقافة تقوم بتزييت اسطوانة علبة الكرنك، التي تشغل ذراع التوصيل في محرك ماكينة السياسة، وأن مابين «الهارب» و«سلم نفسك» انقضى بعد 79 عاما.
***
وإن كنا قد عرفنا عنه عدم حبه للإطراء، لكن الأمانة الأدبية تقتضي ان نبوح بأن فكرة هذا المقال جاءتنا من خيال الوجيه سليمان ماجد الشاهين، أبو عمار، الذي نرحب به ضيفاً في زاويتنا، والذي لو كان منه اليوم اثنان فقط في حكومتنا لكنا في أحسن حال.
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان
المصدر: القبس