سوليوود «خاص»
لطالما اتفقت معظم الأفلام السينمائية التي يتم اختيارها للمنافسة في المهرجانات المختلفة بكونها تحمل رسالة إنسانية، وهذا بالفعل ما يحمله الفيلم اللبناني 1982 والذي يحمل في طياته تصويراً للحرب وما تسببه من ذعر في نفوس الصغار والكبار، فضلاً عن أمنيات السلام التي يصوغها العمل ضمن قصة حياتية بسيطة تم توظيفها بشكل جيد.
الفيلم هو الأول لمخرجه اللبناني وليد مؤنس، والذي يستند في قصته على وقائع حقيقية من حياته الشخصية، حيث كان معاصراً لتلك الأحداث، والتي أثرت فيه أيما تأثير، تأثير ظل ساكنا في داخله إلى أن استثمره الآن في صناعة هذا العمل، لذلك وجد مؤنس في مدرسته القديمة التي لا تزال كما هي؛ مكاناً مناسباً كي تكون محلاً للعمل وشاهداً على أحداثه.
يحكي الفيلم قصة الطفل وسيم الذي لم يتجاوز الثانية عشر من عمره، حيث يكن مشاعر الحب تجاه زميلته في المدرسة جوانا، والتي تتسم شخصيتها بالانعزال والوحدة، يحاول وسيم لفت نظرها لكنه لا يمتلك الجرأة، مما يدفعه لاتخاذ طريق آخر، ألا وهو الرسائل، والتي لا تأتي بطريقة اعتيادية، بل تأتي بطريقة بسيطة تعبر عن براءة متناهية، فاللغة ليست حروف بل رسومات تعبر عن مكنونه.
على جانب آخر يبرز مشروع حب آخر بين معلم ومعلمة، حيث نادين لبكي وزميل لها يجمعهما اعتراف بالمشاعر، ويفصلهما عن اتمام الطريق اختلاف في الروئ والاعتقادات، فالأول قومي والثانية ترفض الحرب وتخشى على أخيها الذي هو ملتحق بالفعل ضمن صفوف إحدى الميليشيات.
في الخلفية أصوات الغارات الإسرائيلية تدوي في الأرجاء، ومعها تتخطف القلوب ويسود الذعر والارتباك، وتتغير مسارات الحياة في اتجاه الخوف والتعطل، حيث نجح الفيلم في تصوير حالة الحرب المهيمنة على نفسية الأطفال، ومدى توغل أحاسيس سلبية في دواخلهم، أحاسيس ومشاعر بقيت إلى اليوم ظاهرة دون نسيان.
الفيلم في ذاته يحاول الخروج من شرنقة السياسة والأحزاب إلى أفق آخر رحب، ألا وهو رفض الحرب بكافة أشكالها ورفض كل ما ينتج عنها بداية من الفعل الإجرامي الأكبر ألا وهو القتل والتدمير، وانتهاءً بذلك الأذى النفسي المتوحش الذي ينهش قلوب الأطفال بل والكبار كذلك، لذلك المشهد الوحيد لآلات ومعدات عسكرية تمر بقرب المدرسة لم يهتم بتمييزها أهي إسرائيلية أم لبنانية.
في نهاية الفيلم يقف وسيم وجوانا متلاصقين بعد إخلاء المدرسة من التلاميذ بسبب القصف، يقفان منتصبان أمام الأدخنة المتصاعدة من بيروت الغربية، حيث القصف والغارات والتدمير، فيما يجتمع فكريهما وخيالهما بعد أن تتلامس أيديهما على استحضار صورة أحد أبطال الكرتون، والذي لا يتأخر في الذود عن الوطن مدافعاً ومانعاً الهجمات الإسرائيلية الغاشمة.
الضعف الإخراجي في هذا المشهد واضح جداً، حيث الجرافيك متدني المستوى، وربما كان هذا الضعف راجعاً إلى إلى الضعف الإنتاجي الذي عانى منه العمل، والذي لم يعيقه عن تحقيق ذاته وإثبات أحقيته لنيل جائزة أفضل فيلم أسيوي في مهرجان تورنتو لهذا العام، فضلاً عن عديد من الجوائز الأخرى في مناسبات مختلفة، جودة الفيلم كذلك وفكرته دفعت به الآن إلى ترشيحه ممثلاً للبنان في أوسكار 2020، ضمن مسابقة أفضل فيلم دولي.