ريم الكمالي
في عام 1983م أصدر المؤلف البريطاني والمتخصص في السيَر الذاتية روبرت ليسي كتاباً ضخماً عَنونهُ بـ«المملكة»، ويعني بذلك المملكة العربية السعودية، ليتعرف القراء الأجانب ولأول مرة على المملكة من الداخل، ثقةً بمؤلفهم المؤرخ المهتم بالبيوغرافيا، وبالطبع كَتَبَ ليسي هذا الكتاب بعد مغامرة ولمدة عامين من العيش مع زوجته في صحراء نجد للتعرف على ثقافة امتازت بالشدة والعمق مع أرواح تعيش بصبر وفن..
وما يهمنا ذكره احتواء الكتاب على صور نادرة للملك الراحل فيصل بن عبد العزيز، وهو على ظهر باخرة، كأمير صغير في الثالثة عشرة من عمره أرسله والده عام 1919م مع وفد إلى لندن لمهمة، والقصد إدخاله السياسة مبكراً بعد فقده ابنه الأول ولي عهده الفارس (تركي) بالحمى الإسبانية…
واليوم وبعد أكثر من 35 عاماً على إصدار كتاب المملكة، يُعرض في جميع دور السينما في الإمارات فيلماً خاصاً لتلك الرحلة الشهيرة إلى لندن أمام استغراب المسؤولين الإنجليز والملك جورج الخامس حينها، فكيف يرسل ابنه الطفل من أجل التفاوض، إلا أن من أجمل المشاهد هي كسب الأمير صداقة راقية مع ابنة الملك وهي الفارسة والممرضة الأميرة ماري (عمة الملكة إليزابيث الثانية)، وكان يفخر الإنجليز بمواقف ماري الشجاعة في الحرب العالمية الأولى، لانخراطها مع الشعب وعلاج الجرحى، فكان انبهارها كبيراً بالأمير الطفل يوم دعوتها له في رحلة صيد مع أسرتها، وصعوده خيلاً من دون سرج لينطلق عبر حدائق الملك كالسهم السريع، فتعرفت على شخصية فيصل الأمير الصغير العاقل من خلال لغته الجزلة وحواره النبيه وأدبه الجم وفهمه للسياسة وأهدافه الواضحة نحو أسرته ووطنه… حينها استوعبتْ ثباته ولعبتْ دوراً في إيصاله إلى المسؤولين.
الأمير الذي شفي من الملاريا بأعجوبة أثناء رحلته، ترسخت لديه الكثير من الأفكار في سفره، وتأثر بها إلى أن أصبح ملكاً، فظهرت في عهده إصلاحات لا حصر لها وتحديثات منذ ستينيات القرن الفائت، أهمها وأولها تحرير العبيد في جزيرة العرب عام 1962م، كذلك زوجته السيدة المستنيرة عفت آل ثنيان التي أدخلت إلى المملكة مدرسة نظامية للبنات في زمن لم يعتد رجال نجد من النساء سوى قول القصيدة إذا حضرت وبرزت.
ومع ذلك عزز فيصل دور المرأة مبتعثاً إياها إلى الخارج، بادئاً ببناته وأولاده كقدوة للدراسة في أهم الجامعات مثل كامبردج وأوكسفورد والسوربون، وظل المواطنون يشتكون عند الملك لرغبتهم منعه السماح للإناث بالذهاب إلى المدرسة، ولم يكن منه سوى إرسال كل مشتكٍ ومشتكية إلى زوجته «عفت» التي كانت تقنعهم بقول نبي الإسلام: «العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».
رحم الله الملك فيصل ومواقفه العربية التاريخية التي لا تنسى، ليقول الفيلم باختصار حقيقي «وُلِدَ ملكاً».
المصدر: صحيفة البيان