سوليوود «خاص»
منذ القدم والإنسان في سعي دائم إلى تخليد سيرته والذهاب بحياته المحدودة إلى آفاق جديدة تتجاوز فكرة الزمن والعمر القصير، لذلك فقد تحدى القدماء قوة الصخر وصلابته ورسموا عليه حكاياهم وقصصهم، بينما سجل آخرون مآثرهم على هيئة أبنية خالدة تتحدى المنطق، أما العرب فأرادوا إلباس مفاخرهم ثوبا لغويا زاهيا فنظموها في أشعار غاية في العبقرية والجمال.
لقد عشق الإنسان المآثر والحكايا، ولم يقف لدى العمومية والواقعية التي تدون بها أحداث التاريخ، بل تجاوزها إلى مساحات أخرى من الإبداع، مساحات ارتبط معظمها بعنصر الخيال وما يضفيه على الأحداث من جاذبية وثراء، ليصاغ على إثر ذلك ما لا يحصى من الأساطير وقصص الميثولوجيا النابضة بالإبهار والفن.
لم يتوقف طموح الإنسان عند تأليف القصص وتدوينها وتطوير مرتكزاتها الفنية فحسب، بل بجانب ذلك بحث عن تطوير أدوات ووسائل العرض، فالقالب القصصي المكتوب لدى الحضارات القديمة متناسب مع فئة صغيرة جدا أعني هنا من يجيدون القراءة والكتابة ناهيك عن معوقات الطباعة والنسخ في تلك الحقب، لذلك ظهر القصاصون والرواة، والذين احتلوا في تلك الفترة مكانة علية بما مثلوه من وسيلة مهمة للترفيه ونثر العبر.
تطورت وسائل العرض أكثر حينما اتجه الإنسان إلى فكرة تجسيد وتمثيل قصصه ومآثره، حيث الطقوس الدينية الفرعونية ومن بعدها الإغريقية التي تولد عنهما المسرح اليوناني القديم بكل ما يمثله من تنوع وتصورات.
استمر الإنسان في بحثه عن تجسيد القصص وتمثيلها في أشكال جديدة إلى أن ساعدته الاختراعات الحديثة ومكنته من تسجيل صور متحركة ومن ثم عرضها لاحقا على أجهزة مناسبة، لم يفوت الفرصة فاستغل هذا التطور في خدمة فضوله وتوثيق نتاجه الإبداعي بشكل جديد، فيما عرف لاحقا باسم السينما.
السينما ذلك الاختراع المبهر الذي أضاف للبشرية الكثير، لم تعد معها محدودا بمكان أو زمان، بل صار بإمكانك عبرها السبح بعيدا في قصص ومغامرات متنوعة، كل هذا ضمن إطارات إبداعية رصينة تراعي رسم صورة متكاملة للشخصيات والأحداث.
بعد أكثر من قرن من دخول السينما مصر -على سبيل المثال- هل نستطيع تلّمس فوائد ما من ذلك الأمر؟ بالطبع الفوائد جمة، يكفي توثيقها للحياة الاجتماعية وتطورها على مدار قرن كامل من الزمان، إذ باستطاعتك بكل سهولة أن تستقل آلة زمن افتراضية تعيدك سنوات وسنوات إلى الوراء بمجرد أن تحضر فيلما مصريا قديما، لترى عن قرب فيما كان الأجداد يقضون يومهم وكيف تعاملوا مع صعوبات الحياة حينذاك، وكيف كانت المباني وطراز المعمار، وإلى ما انتمت أذواقهم في تلك الفترات، وغير ذلك الكثير.
إن هذه العودة وإن صارت معتادة ولا يأبه بها البعض إلا أنها تروي فضولا بشريا أصيلا، فضولا يتمنى لو أنه تجاوز محددات الزمن وعاد رأسا إلى الوراء من أجل معاينة كيف كانت الحياة.
على جانب آخر فالسينما أداة ثقافية مهمة سخرتها الدول قبل اليوم وما زالت في دعم قواها الناعمة، وهو ما نراه حاضرا إقليميا في السينما المصرية التي انتشرت على مدار مائة عام في المنطقة، انتشارا أفضى بها إلى نشر لهجتها أكثر بين العرب، فضلًا عن تغلغل الثقافة المصرية في نفوس كثير من المتلقين.
الأمر أكثر وضوحا مع السينما الأميركية التي صدّرت للعالم نموذجها الثقافي والاجتماعي بكل التفاصيل الممكنة حتى صار نموذجا رائجا يلتف حوله الناس من شتى بقاع العالم، وبالتالي تكاملت هذه الهيمنة الثقافية مع الهيمنة السياسية والعسكرية الكائنة، ما ترتب عليه في الأخير الموقع الريادي التي عليه الولايات المتحدة الأميركية حاليا.
السينما باختصار هي انعكاس الشعوب، مساحتها الخصبة ومرآتها السحرية التي تدون عليها إبداعها ليستمر ويخلد. لذلك لا استغراب مطلقًا من حب الناس لها وإقبالهم عليها بذلك القدر المُعجِز عن الوصف.