سيد محمود سلام
من المؤكد أن فيلم “خيال مآتة” لم يكن بحجم توقعات الجمهور الذي ذهب إلى دور العرض في عيد الأضحى، وحتى اليوم، ليشاهد فيلمًا لنجمه المحبوب أحمد حلمي.
والمبالغة في التوقعات أسهمت كثيرًا في حالة الغضب التي انتابت البعض من الفيلم؛ كونه لا يتمتع بمفردات سينما المخرج خالد مرعي وأحمد حلمي معا، والتي سبق أن قدماها في عدة تجارب هي الأفضل كأفلام “عسل أسود، وآسف على الإزعاج، وبلبل حيران”..مع إنه في نظري ليس بهذا الحجم من التواضع في المستوى، ولكن به من الأخطاء ما يمكن إرجاع ما حدث لها.
التترات وكعادة بعض المخرجين يفضلون الفوتومونتاج لتعريف المشاهد بالمكان والزمان الذي تدور فيه الأحداث كما هو الحال مثلا في فيلم “البوسطجي” قطار وحقول وحيوانات..
وفى فيلم “خيال مآتة” شوارع، ومقاه، وزمن.. والزمن هنا هو عام 1968، وهو من أكثر الأعوام التي مرت بها مصر ألما، إذ إنه جاء بعد نكسة 67، وفيه شهدت مصر أحداثًا كثيرة من مظاهرات عمالية وشعور باليأس..وبالطبع ليس موضوع الفيلم..
صوت أم كلثوم الذي ينبعث في الخلفيات بأغنية “فكروني”، وهي أيضًا تعنت بها في نفس العام، وهو الذي شهد روائعها؛ ومنها “بعيد عنك”؛ حيث تعددت رحلات “الست” إلى دول عربية؛ مثل السودان والمغرب، وأقامت حفلات كثيرة.
عن قصد أراد كاتب السيناريو تجاهل الأحداث التي مرت بها مصر في هذا العام؛ منعًا للدخول في جدليات قد لا تكون في صالح الفيلم.
الرمزية التي حاول الفيلم أن يعتمد عليها لم تكن واضحة للمشاهد، فإذا كان حادث سرقة مقتنى مهم؛ وهو “بروش الست” في بداية الأحداث والاعتماد عليه كـ”تيمة” رئيسية، فرغ المؤلف الموقف من أي تلميحات واضحة، فجاء حادث سرقة الـ”بروش” باهتًا، لم يفهمه جيل محب لسينما أحمد حلمي، فأي سرقة وأي نصب وأي عصابات تلك التي يريد المؤلف أن يصعدها ليفهمها المشاهد رمزيًا؟!
أراد أن يقدم كيانًا وهميًا من كبار السن “العواجيز” رشوان توفيق ولطفي لبيب، وعبدالرحمن أبوزهرة، وإنعام سالوسة، ومخزن التحف المليء بالمقتنيات المسروقة، حتى مجسم كأس العالم الذي عثر عليه “عزيز” أحمد حلمي الحفيد لشخصية “يكن” الجد الذي مثله أحمد حلمي أيضًا، مر مرور الكرام، وكان بالإمكان استغلاله معبرًا عن الفشل الكروي الذي يمر به منتخبنا في محاولاته للوصول إلى كأس العالم..
إذا كان المؤلف يحاول أن يبعث رسائل من خلال فكرة التقليد لـ”البروش” والمزادات، كان بإمكانه اللعب بتلك الفكرة بشكل كوميدي مستغلًا نجمًا له رصيد من الكوميديا لدى المشاهد؛ لكنه لعب بها بشكل مجهل، غير واضح.
الفكرة في مضمونها جيدة، لكنها ضاعت في خضم المحاولات المستميتة للبعد عما هو واضح وملموس، فتراث مصر المنهوب من الستينيات خاصة من المقتنيات، يحتاج إلى أن يكون واضحًا، وتقديمه في فيلم كوميدي صعب.
“خيال مآتة” هو كما يعرفه المؤلف الصعيدي الجذور والنشأة معروف للكثيرين كـ”تيمة” ومجسم يصنعه الفلاح كـ”فزاعة” للطيور حتى لا تلتهم بذور الذرة والقمح والسمسم، وهو معروف منذ ثلاثة آلاف سنة، واستخدمه اليونانيون، وما زال يستخدم؛ سواء في مصر أو في دول أجنبية.. وحاول المؤلف أن يعبر به عن أن البطل هنا مجرد خيال مآتة.. ولكن الفكرة لم تصل أيضًا.
قد يقول البعض إنه ليس مطلوبًا من المؤلف أو بطل الفيلم أن يشرح في فيلمه كل عناصره أو حتى فكرته التي يريدها أن تصل، لكن في عمل كوميدي ذهب الجمهور إلى دور العرض كي يضحك، أنت مطالب بأن تحقق له الهدف.
فيلم “ثلاث قص” الذي وضعه المخرج خالد مرعي كخلفية؛ وهو من إنتاج 1968 أيضًا، ويتكون من ثلاثة أفلام أخرجها إبراهيم الصحن وحسن رضا ومحمد نبيه، وهي لكبار المؤلفين نجيب محفوظ مؤلفًا للقصة الأولى “دنيا الله”، ويوسف إدريس للثانية “خمس ساعات” ويحيى حقي للثالثة “إفلاس خاطبة”.. مجرد تأكيد للفترة الزمنية فقط، ولم يشر من بعيد أو قريب لشيء عنه..
نأتي للحكاية التي مصدرها الرئيسي سرقة “بروش الست” وتقليده.. الجد “يكن” الذي يريد تقليد “البروش”؛ لبيع الأصلي لخالد الصاوي ليهديه إلى صديقته، ولا توجد وسائل للوصول إلى التقليد سوى من خلال شخصية “خليل” حسن حسني فاقد الذاكرة الذي لا يتذكر من ماضيه سوى هذا اليوم الذي التقى فيه بـ”يكن” وخططا لسرقة “البروش” الأصلي.. وهو محترف في تقليد المقتنيات.
صعود وهبوط بالأحداث من الماضي للحاضر، متمسكًا بشخصيتي “منة شلبي وبيومي فؤاد” مساعدي “يكن” والمحركين لكل الأحداث التي يريدها.
مجموعة من الأخطاء كان بإمكان أحمد حلمي بخبرته وذكائه أن يتفاداها في التعامل مع سيناريو لم يكن جيدًا على الإطلاق؛ بل تناثرت فيه الأحداث وهمشت فيه، وأصبح السؤال الذي يطرحه المشاهد: ماذا يريد أحمد حلمي أن يقول من فيلم “خيال مآته”، فكل شيء مبهم وغامض؟!
لكنه في النهاية فليم من أفلام أحمد حلمي، إن لم يكن موفقًا فيه فهو ليس جريمة؛ لأن الجمهور يرى فيه نجمًا قادرًا على النهوض بعمل أفضل، بعمل به مفردات سينما أحمد حلمي المبهرة.
المصدر: صحيفة الأهرام