ماهر عبد المحسن
بعد مشاهدة المقدمة الدعائية لفيلم ”حملة فرعون” توقعت له نجاحاً جماهيرياً كبيراً. فالفيلم يحتوى على عناصر جذب جماهيرية كبيرة من قصة مثيرة، ومشاهد أكشن، وتصوير خارجى لطبيعة خلابة، ونجوم عالميين من أبطال الألعاب العنيفة، الذى يتمتعون بشعبية كبيرة لدى المشاهد العربى، مثل تايسون ومونتين (هافتور يوليوس) وكرم جابر. بالإضافة إلى أن الفيلم كان ضمن أفلام عيد الفطر ما كان من شأنه أن يضمن له هذا النجاح المتوقع.
بالرغم من ذلك جاء الفيلم مخيباً للآمال، ولم يحقق النجاح المتوقع. والأسباب، فى الحقيقة، كثيرة لهذا الإخفاق، وربما كان على رأسها غياب نجم شباك بحجم أحمد السقا أو أحمد عز أو أمير كرارة، وعدم وجود مخرج فى خبرة شريف عرفة أو بيتر ميمى صاحبا الفيلمين الأكثر نجاحاً وإبهاراً هذا الموسم.. كازابلانكا والممر.
وفى هذا السياق، لا يمكننا أن نبخس حق مخرج ”حملة فرعون” رؤوف عبد العزيز، الذى سبق وأن قدم أعمالاً تليفزيونية متميزة فى السنوات الماضية، غير أن خبرته السينمائية قليلة، خاصة أن هذا هو العمل الأول له فى المضمار السينمائى. وربما كان فى وجود أفلام أخرى أكثر جماهيرية، لنجوم أكثر شعبية مثل عز وكرارة ورامز جلال، سبباً فى تأخر ترتيب ”حملة فرعون” على مستوى الإيرادات.
الفيلم، فى الحقيقة، يأتى فى سياق موجة جديدة من أفلام الأكشن التى تعتمد على الميزانيات الضخمة، وتستعين بنجوم عالميين، وفرق عمل أجنبية متخصصة فى التفجيرات وتصميم المعارك، وهى مسائل كانت تفتقر إليها السينما المصرية على مدار تاريخها.
ويكفى أن تعيد النظر فى أفلام نجوم الأكشن القديمة مثل فريد شوقى ورشدى أباظة وأحمد رمزى وحتى جيل نور الشريف وعادل إمام، لكى تدرك حجم الطفرة الكبيرة التى حدثت فى أفلام الحركة هذه الأيام.
والطريف أن الأفلام القديمة، بالرغم من ضعف الإمكانيات المادية والتقنية، كانت تعتمد فى حبكتها على سيناريوهات أكثر إحكاماً، وهو عكس ما يحدث الآن تماما.
وربما كان السبب هو أن مشاهد الأكشن كانت فى الأفلام القديمة جزءً من سياق العمل، وليست كل العمل. وبهذا المعنى نحن نحتاج إلى كتابة متخصصة فى هذا اللون من الأفلام، التى تدور حول أحداث قوامها الحركة مثل الأفلام الحربية، كما شاهدنا فى فيلم ”الممر”، ومثل الأفلام التى تجسد عمليات قرصنة كما فى ”كازابلانكا” أو التى تصور عملية انتحارية كما فى ”حملة فرعون” موضوع مقالنا، ومثل أفلام الكوارث الطبيعية وهى نادرة فى السينما المصرية.
ومسألة السيناريو تعد من أكبر عيوب ”حملة فرعون”. فالفيلم، كما هو معروف، يعتبر نسخة معاصرة من فيلم ”الساموراى السبعة” اليابانى وتوابعه (العظماء السبعة الأمريكى، وشمس الزناتى المصرى).
والحقيقة، وفيما يبدو، أن ”حملة فرعون” لم يستفد من التجارب السابقة، فجاء السيناريو معقولاً ًفى النصف الأول من الفيلم، بحيث بدت الشخصيات والمواقف موفقة فى التمهيد للعملية الانتحارية الكبرى التى ستقدم عليها الشخصيات المقاتلة بقيادة يحيى (عمرو سعد) الملقب بالفرعون، بينما توقف السيناريو عن العمل فى النصف الثانى من الفيلم، حتى أن الأحداث بدت وكأنها تمضى بقوة الدفع الذاتى، أو، بالتعبير الأكثر دقة، كانت تمضى بقوة الطحن والعجن وصخب الانفجارات المتصاعدة، بمناسبة ودون مناسبة.
يحسب للفيلم سرعة الإيقاع، والوصول إلى هدفه مباشرة. معركة الحسم النهائية جاءت لائقة بحملة فرعون المدججة بكافة أنواع الأسلحة، والمكونة من مجموعة من المقاتلين متنوعة القدرات، لولا طول أمد القتال، وغياب التنظيم والتخطيط لوقائع المواجهة الشرسة بين رجال فرعون وفرانك، العدو الجسور، الذى لا يهاب أحداً.
احتوى الفيلم على مجموعة من اللقطات ذات البعد الجمالى، فى المشاهد التى صورت خروج الحملة من مصر إلى الأراضى السورية لإنجاز المهمة المتفق عليها. مشهد اختباء رجال الحملة فى عربات الوقود من أجل عبور الحدود، يذكرنا بالفيلم التليفزيونى المتميز ”الطريق إلى إيلات”.
القدرات الخاصة التى كان يتمتع بها أفراد الحملة تتفوق على القدرات التى كان يتمتع بها أبطال ”شمس الزناتى”، النسخة المصرية السابقة من ”الساموراى السبعة” اليابانى، خاصة قدرات محمود عبد المغنى، وروبى، ورمزى أمير، البطل الحقيقى للفيلم.
اعتمد الفيلم، فى تكوين فريق الحملة، على نجوم الصف الثانى باستثناء الشخصية المحورية (عمرو سعد)، وهو نفس ما حدث فى فيلم ”شمس الزناتى”، وهى مسألة تضعف كثيراً من عناصر الجذب المفترض وجودها فى مثل هذا اللون من الأفلام. ويكفى أن نتذكر نجوم فيلم ”العظماء السبعة” الأمريكى حتى نتأكد من حجم الفارق، حيث احتوى فريق العظماء على يول براينر، وستيف ماكوين، و تشارلز برونسون، وجيمس كوبرن، وآخرين. وهم نجوم كانت أسماؤهم تجوب الآفاق فى زمن عرض الفيلم.
وضح ضعف الأداء التمثيلى، نظرا لقلة الخبرة، لدى تايسون ومونتين وكرم جابر، وهو أمر متوقع لأن صناع الفيلم، إنما كانوا يهدفون، من وراء الاستعانة بهذه الأسماء، إلى إضافة عناصر أكثر تشويقاً لجذب الجماهير، خاصة أن هذه الأسماء لها رصيد فى قلوب المصريين. غير أن ضعف الأداء، فى ظل غياب شبه تام لفن إدارة الممثل، بالإضافة إلى العيوب الأخرى التى تخص الفيلم، جعل حضور هؤلاء النجوم باهتاً. وربما لو تم الاستعانة بنجوم محليين من الصف الأول لحقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً أكبر.
تيمة الخلاف بين أفراد فريق المقاتلين، خاصة مع القائد، والانفصال عن المجموعة فى توقيت حرج، يسبق المواجهة النهائية مباشرة، ثم العودة فى الوقت المناسب لحظة تأزم الأمور، لم يستغلها السيناريو جيداً. فقد تخلى بعض أفراد الحملة عن يحيى (الفرعون) دون مبرر مقنع عدا العداء المتأصل فى نفس محمود عبد المغنى ضد الفرعون حتى من قبل وقوع أحداث الفيلم. كما عادت المجموعة المنفصلة إلى الحملة، أيضاً، دون مبرر مقنع، خاصة من قبل شخصية عبد المغنى التى كانت تكن الكراهية للفرعون مسبقاً. كما أن العودة المفاجئة للمجموعة المنفصلة لم تحدث فى مرحلة مفصلية حاسمة من المواجهة الأخيرة، وإنما أتت فى سياق المعارك العشوائية التى ملأت الشاشة، وهو ما أضعف الأثر الكبير الذى كان من الممكن أن يتحقق إذا ما كان هناك اهتمام كاف بصياغة هذا الموقف.
المشاهد التى جسدت موت أفراد الحملة فداءً لنجاح المهمة التى أتوا من أجلها، خلت من البعد الإنسانى الذى كان يميز هذا اللون من الأفلام، خاصة فى فيلم ”شمس الزناتى”. فموت روبى ورمزى أمير، على سبيل المثال، لم يعكس إلا عنف ووحشية مفرطين من قبل السفاح ”فرانك” دون تدخل من السيناريو لخلق حبكة إنسانية يمكن أن تترك أثراً لا يمحى فى نفوس المشاهدين.
الدافع الحقيقى للحملة، وهو استعادة فرعون لإبنه المخطوف فى سوريا، كان واهياً جداً، ولا يصلح لتحريك حملة بهذا الحجم من المقاتلين، ومن المعدات الحربية الخفيفة والثقيلة، خاصة أن معظم أفراد الحملة علم بهذا الدافع، واستمر فى القتال حتى الموت. وهو بهذا المعنى يذكرنا بفيلم ”كوماندو” الذى أنتج عام 1985، وفيه استطاع أرنولد شوارزينجر أن يقضى بمفرده على كتيبة كاملة من الجيش المسلح بأعتى المعدات، وأن يسترد إبنته المخطوفة فى ساعات قليلة.
إن أى مشاهد ملم بتاريخ السينما العالمية كان سيتوقع أن يحيى (الفرعون) سيركب سيارة ”فرانك” المحملة بسبائك الذهب، وينطلق بها فى مشهد النهاية على غرار النهاية المميزة لفيلم ”ذهب ماكينا” الذى قام ببطولته عمر الشريف وجريجورى بيك عام 1969، وهو ما لم يحدث. وهو أيضاً ما يجعلنا نتساءل عن جدوى المشاهد التى كانت تصور ”فرانك” وهو يحرص على جمع سبائك الذهب فى صندوق يضعه فى سيارته ليهرب بها فى نهاية الفيلم.
مشهد المواجهة الأخيرة بين الفرعون وفرانك، جاء ضعيفاً، ولا يتناسب مع جرعة الأكشن المبالغ فيها التى سبقته وهيئت المشاهد لمعركة كبرى بين الخصمين. فقد اكتفى السيناريو بمطاردة متواضعة بالسيارات، مات فرانك على أثرها، دون مواجهة حقيقية مع الفرعون.
قضية اللاجئين السوريين، لم تكن محوراً للأحداث، وإنما جاءت هامشية على خلفية أحداث تخص الأفراد، ولا تحمل أي دلالة قومية أو وطنية. والحقيقة أنها قضية تستحق عملاً مستقلاً بذاته.
لهذه الأسباب لن يبقى فيلم ”حملة فرعون” فى الذاكرة كثيراً، و سينساه المشاهدون سريعاً.
المصدر: عين على السينما