سوليوود «متابعات»
تشهد السينما الكورية الجنوبية مرحلة حرجة وغير مسبوقة منذ صعودها العالمي في العقدين الماضيين، إذ تراجع الإنتاج المحلي بشكل حاد، وبدأت هجرة جماعية للمبدعين نحو المنصات الرقمية، وسط قلقٍ متزايد بشأن مستقبل الصناعة التي كانت يومًا مصدر فخرٍ وطنيٍّ وتأثيرٍ عالميٍّ واسع.
أزمة ثقة تضرب شباك التذاكر المحلي
أشار تقرير صادر عن صحيفة «The Korea Times» إلى أن عدد الأفلام الكورية المنتجة خلال عام 2025 تراجع إلى نحو الثلث مقارنةً بالسنوات السابقة، حيث كانت الشركات تنتج قرابة 60 فيلمًا سنويًا، في حين لم تُنتج شركات كبرى مثل «CJ ENM» سوى عملٍ محليٍّ واحد هذا العام.
ويعكس هذا الانخفاض الحاد أزمة ثقة متنامية في السوق، بعد تقلّص عوائد شباك التذاكر المحلي وهيمنة المنصات الرقمية الأجنبية، وعلى رأسها «نتفليكس»، التي استقطبت المبدعين والمستثمرين بعيدًا عن الإنتاج السينمائي التقليدي.
الأزمة.. من النجاح إلى الركود
يرى خبراء الصناعة أن التراجع الحالي ليس نتيجة ظرفٍ اقتصادي مؤقت، بل أزمة بنيوية عميقة. فنجاح السينما الكورية الساحق خلال العقد الماضي دفع المنتجين إلى التمسّك بالقوالب المضمونة تجاريًا، ما قلّل من مساحة التجريب والإبداع.
كما ساهم التنافس بين المنصات الرقمية ودور العرض في إضعاف منظومة التوزيع، وأفقد المستثمرين الحافز للمغامرة في مشروعاتٍ ضخمة قد لا تضمن الربح السريع.
تدخل حكومي لإنقاذ الصناعة
استشعارًا لحجم التحدي، أعلنت وزارة الثقافة والرياضة والسياحة الكورية عن حزمة دعمٍ جديدة تستهدف تحفيز الإنتاج السينمائي المحلي.
وشملت الإجراءات رفع نسبة مخصص الخسائر في الاستثمارات السينمائية من 15% إلى 20%، وزيادة حصة القطاع الخاص من الأرباح الزائدة من 30% إلى 40%، لتشجيع الشركات على العودة إلى الاستثمار في السينما.
وتعتزم الحكومة أيضًا توسيع برامج الإعفاءات الضريبية ودعم المشاريع الصغيرة والمستقلة، بهدف إعادة تنشيط منظومة الإنتاج.
فقدان الهوية الفنية
رغم أهمية هذه المبادرات، يؤكد نقاد أن جوهر الأزمة يكمن في المحتوى ذاته. فنجاح سلسلة أفلام مثل «The Roundup» التي تجاوز كل جزءٍ منها عشرة ملايين مشاهد، خلق وهمًا بأن الجمهور يريد فقط الأعمال التجارية ذات الطابع البوليسي، ما أدى إلى تكرار القوالب الإنتاجية وانحسار روح التجريب الفني التي صنعت أسماء عالمية مثل «بونغ جون-هو» و«بارك تشان-ووك».
السينما تبحث عن طريق العودة
مع غياب جزءٍ جديد من «The Roundup» هذا العام، ازداد الإحساس بالفراغ في شباك التذاكر المحلي، ما جعل الأزمة أكثر وضوحًا. اليوم يقف صُنّاع السينما الكورية أمام مفترق طرق حاسم، فإما الركون إلى الماضي والاعتماد على النجاحات السابقة، أو خوض مغامرة التجديد واستعادة الحيوية الإبداعية التي كانت سببًا في بروز كوريا كقوةٍ ثقافيةٍ عالمية.

