عبدالله القمزي
لماذا نشاهد فيلماً لا يفاجئنا؟ وما الذي يجعل فيلماً يعتمد على كليشيهات صنفه؟ بالطبع لأنه مفلس. فيلم Crawl يمزج ثلاثة أصناف سينمائية شهيرة، هي: دراما بقاء أو صراع من أجل النجاة، وقصة وحش (رعب) ممزوجة بقصة كارثة.
الكارثة هي إعصار تسبب بفيضان في مدينة بولاية فلوريدا الأميركية. الفيضانات أغرقت حياً سكنياً أو ربما كان بيتاً معزولاً، المهم أنها جلبت تماسيح تسبح في أرجاء منزل. ثم لدينا هيلي (كايا سكوديلاريو)، التي تتجاهل أوامر الإخلاء للبحث عن والدها المفقود ديف (باري بيبر). بعد أن تعثر عليه مصاباً إصابة بليغة في منزل العائلة، يكتشف الاثنان أنهما في مصيدة مياه.
تشتد العاصفة ويجد الاثنان نفسيهما أمام تهديد أكبر من المياه، هو هجوم تماسيح ضخمة. هذه كل قصة فيلم الـ80 دقيقة الذي لم يسمع به أحد ودخل دور السينما المحلية متسللاً بين «سبايدرمان» الأسبوع الماضي، و«الأسد الملك» الأسبوع المقبل، كأنه يبحث عن تاريخ صدور بعيداً عن عمالقة الصيف فوجد نفسه بين فكي ديزني!
ليست براعة أن نرى بطلة الفيلم تشارك في منافسات سباحة في بدايته، ووالدها مدربها السابق وهو عن فيضانات أصلاً، ثم نراها تشق طريقها في منزلها سباحة قبل أن يقول لها والدها إن كل رياضي يصاب بانتكاسة مؤقتة في مسيرته! ثم آخر الفيلم يقول عبارة تشجيعية لها: نعم، أنت تستطيعين فعل ذلك! ثم تسابق البطلة تمساحاً في مياه الفيضان!
هذا ليس مبهراً في شيء، ولا يخاطب سوى عقول المغفلين في هذا الزمن. إذ كان يعد براعة في التسعينات وما قبلها، لكن اليوم لا يصلح سوى للمشاركة في منافسة أسوأ مشهد ركيك. وهل يجب على الشخص أن يشارك في منافسات سباحة ليسبح في مياه فيضان!
لماذا يعض التمساح يد ديف فيقطعها ويعض يد هيلي ولا يقطعها؟ هل عقولنا بهذه السذاجة والسخف لتتقبل ذلك؟ نعم هي البطلة لكن ليس هناك داعٍ للمشهد أساساً، إذا لم يكن الكاتب أو المخرج جريئين بما يكفي ليفاجئاننا. فاجئني سأهتم، أما إن كانت أحداث الفيلم ماثلة أمام أعيننا حتى قبل وقوعها فلماذا نهتم؟
فليعض التمساح يد هيلي ويقطعها بل ويقطع قدمها ثم تطعنه بغصن أو سكين في عينه مثلاً! هذه دراما صراع حقيقية! لماذا أهتم ببطلة تنجو دائماً وأبداً ولا تتفوه سوى بعبارات منقولة من كتب تطوير الذات؟ نعم أنا قادرة على ذلك! أو «تعال هنا أيها الوغد» في تحدٍّ منها للتمساح.
في أي صراع لو كان طرف أقوى من الآخر فليس هذا صراعاً، بل هو مواجهة مملة! الصراع صولات وجولات واستراتيجيات وحرب نفسية ونقاط قوة وضعف. نقطة قوة هيلي أنها بطلة سباحة! ونقطة ضعفها نفسية بحتة! نقطة قوة التمساح أنه يأكل البشر! ونقطة ضعفه أنه بلا عقل. مخلوق ذكي ضد آخر لا يعادله ذكاء، فقط يشكل خطورة يتمكن الطرف الذكي من تجنبها بنجاح طوال الـ80 دقيقة!
يزداد الصراع أو الأزمة متعة، عندما يختلف أعضاء فريق على الأمور المصيرية، ويتفقون على الأمور الجانبية وليس العكس. في «كرول» اختلف الأب وابنته على قدرتها على السباحة واتفقا على كيفية القضاء على التمساح! رغم تفاهة فيلم أناكوندا 1997، فإن متعته كانت في شخصية جون فويت الذي أراد حماية الكوبرا من القتل ضد رغبة فريق كامل! هنا متعة الصراع.
يزداد الصراع أو الأزمة متعة، عندما تتوزع الأدوار بين الأطراف كافة حتى لو كانوا قلة، في هذا الفيلم، الأب موجود ليتأوه ألماً، وليقول لابنته: «تستطيعين فعل ذلك» وهي موجودة لتسبح، ولديهما كلب اسمه «سُكر» موجود ليكمل العدد وبالطبع لينجو وينضم إلى قائمة الكلاب التي نجت في كل أفلام الكوارث منذ «تويستر» و«يوم الاستقلال» و«فولكينو»!
في أي صراع أو أزمة يكون كل التركيز على النجاة وتحييد الخطر، والمعروف أن جسم الإنسان يطلق هرمون الأدرينالين في لحظات الفزع، ليس هناك وقت للعواطف أو الندم أو تذكر لحظات الماضي والعتب مع موسيقى حزينة في الخلفية، هذا فقط يحدث في الأفلام مثل «كرول»! أو طبعاً لو كان الصراع ضد التماسيح عذراً لإصلاح العلاقة بين والد مُطلّق وابنته!
أليكساندر آجا ليس جديداً على هذه الأفلام، فقد اشتهر في العقد الماضي من أفلام «بيرانا» و«عيون التلال» و«مرايا» و«قرون»، ولا يبدو أنه يريد تجريب شيء جديد إلا إذا كان التجديد في الانتقال من أسماك قرش إلى تماسيح! لكن يظهر أن نقطة قوته في انتهائه من الفيلم في شهر واحد فقط!
في العقود الماضية، صدرت مجموعة أفلام رخيصة عن تماسيح، كان أهمها Alligator عام 1979. تلك كانت أيام ما قبل ثورة الأفلام المستقلة عندما كان فيلم رعب مثل المذكور بمثابة قصيدة شعرية! الفرق بين أمس واليوم أن أمس عندما ترى فيلم كارثة تشويقياً عن أناس تحاول الهرب من غضب الطبيعة، رغم سطحية الشخصيات، فإنها هي محور الفيلم. لهذا السبب لايزال الفيلم حديث الناس من جمهور هذه النوعية خصوصاً من ناحية النص.
اليوم، ورغم أن أفلام الرعب والكوارث عادت إلى الأساسيات، فإن الاهتمام منصب على العناصر اللوجستية أكثر من الشخصيات: الإضاءة والعاصفة المصنوعة بمؤثرات خاصة وحشر الكاميرا في الزوايا لإعطاء تأثير كلوسترفوبيا (الخوف من الأماكن الضيقة)، والسرداب الغارق في المياه.
هناك احتمال أن آجا كان مستمتعاً بوقته ويضحك أثناء تصوير الفيلم، لأنه يعلم أن النص الذي بين يديه ليس سوى هراء، ومن الواضح أن الممثلين في منتهى الجدية غير المتماشية مع نص ركيك وأجواء بالكاد تحوي أي تشويق. الحكم النهائي: لو أردت مشاهدة نسخة رديئة من «الفك المفترس».. فادخل هذا الفيلم.
هذا ليس مبهراً في شيء، ولا يخاطب سوى عقول المغفلين في هذا الزمن. إذ كان يعد براعة في التسعينات وما قبلها، لكن اليوم لا يصلح سوى للمشاركة في منافسة أسوأ مشهد.
هناك احتمال أن آجا كان مستمتعاً بوقته ويضحك أثناء تصوير الفيلم، لأنه يعلم أن النص الذي بين يديه ليس سوى هراء.
المصدر: الإمارات اليوم