أحمد محمد السح
يجد الكثير من المثقفين أن روايات أجاثا كريستي ليست من النوع الذي يصلح ذِكرهُ في معرض قراءاتهم للكتب والروايات المفعمة بالثقافة والمغمّسة بالفلسفة والأيديولوجيا وعلم النفس، لكن لا يمكن لأحدٍ أن ينكر أن الروائية البريطانية (أميركية الأب) والتي عاشت حياةً مترفةً بين عامي (1890 – 1976) نالت رواياتها الحظوة الأوسع على الشاشة لا بل تكرر تمثيل الرواية الواحدة فيلماً أو فيلمين أو ربما أكثر، وبأكثر من لغة ولمصلحة أكثر من سينما عالمية.
وجد المخرجون شغفاً في تصوير شخصية هيركيول بوارو
اهتمت السينما العالمية وفي مقدّمها الهوليودية بروايات أجاثا كريستي البوليسية، حيث حققت بعض هذه الأفلام نجاحات متنوعة، فيعود أول فيلم منتج عن رواية لأجاثا كريستي إلى عام 1929، ومن المنتظر أن يتم إنتاج فيلم في عام 2019 مأخوذ عن رواياتها، فقد وجد المخرجون شغفاً في تصوير شخصية هيركيول بوارو: فهو بطل رواياتها والمحقق العبقري ذو الشاربين الملتفين، والبطن الكبير، واللثغة البلجيكية، كما استمتعوا بتجسيد المحققة الند له في روايات كريستي وهي الآنسة ماربل التي ظهرت في 12 رواية من مجموع روايات الكاتبة، ظهرت متحريةً مبتدئة وهي عجوز عانس كان لها الثقة في حلّ ألغاز الجرائم وكانت كريستي تلقنها جملةً شهيرةً على لسانها: (الشباب يعتقدون أن العجائز حمقى، لكنّ العجائز يعرفون أن الشباب حمقى).
شهد العام 2017 إنتاج فيلمين من روايات كريستي
بقي بوارو الشخصية الأشهر في روايات كريستي البوليسية، وبقيت ملكة الجريمة على الرغم من أنها كتبت الرواية الرومانسية والدرامية، فلقد شهد العام 2017 إنتاج فيلمين من روايات كريستي هما: crooked house الذي قام ببطولته كل من (جيليان أندرسون، وكرستينا هندريكس، وغلين كلوز.. وغيرهم) وهو من إخراج جيليس باكوت برينر، وكان الفيلم الآخر للرواية الأشهر «جريمة في قطار الشرق السريع» والذي أخرجه كينيث براناه من تمثيل (كينيث براناه، وجوني ديب، ديزي ريدلي وآخرين)، هذه الرواية كانت قد أنتجت كفيلم عام 1974 وأخرجها سيدني لومت، وكان كل من المخرجين قد تجرّأ في التصرف بالرواية لكن نسخة عام 2017 بدت فيها الجرأة أعلى من خلال تعديل المخرج لبعض التفاصيل المهمة في الرواية لتصير أكثر تواؤماً مع طريقة تفكيرنا الحالية وفهمنا لتلك المرحلة الزمنية التي كتبت فيها الرواية.
تنوع الشخصيات يثير شغف الممثلين
يعود اهتمام المخرجين في روايات كريستي كل تلك العقود إلى تنوع الشخصيات التي تكتبها، ووصفها بدقة عالية، والميل إلى منحها سمات تثير شغف الممثلين لإضافاتٍ أثناء أدائها مع تركها لهوامش كثيرة يمكن إضافتها أو استبدالها في سلوك الشخصية النفسي والظاهري، كما أن شخصيات الجريمة تتنوع في مهنها ودوافعها حيث تتقن الروائية إضفاء سلوك وصفات للشخصية بناءً على مهنتها، ويبدو هذا واضحاً في روايتها «ثم لم يبقَ أحد 1939» التي تم إخراجها كفيلم عام 1945 من ريني كلاير حيث تم تجميع الشخصيات في جزيرةٍ معزولة كما في الرواية، وأعيد تمثيل الفيلم عام 1965 بعدسة المخرج جورج بولوك تحت اسم «عشرة هنود صغار» الذي عزل الشخصيات في منطقة جبلية مثلجة وصلوها عبر التلفريك الذي انقطع عنهم كما أراد القاتل، ومن هنا يمكن المرور على أسلوب الروائية في خلق بيئة الجريمة وعزلها عن تأثيرات عوامل الحياة اليومية ودورة المجتمع حيث يصل المحقق إلى أرض الجريمة بدعوةٍ كما في «جريمة في النيل» أو بالمصادفة «جريمة في قطار الشرق السريع» تساعده البيئة المعزولة على تبسيط المنغصات وإيجاد الألغاز ومن ثم تفكيكها، ثم ينتزع المحقق هيركيول بوارو الاعتراف من المجرم أمام جمع الحاضرين، الذين يتم الاشتباه بهم جميعاً وخلق ملاحظات حول أدلةِ براءتهم، ومن ثم تتوالى الأخطاء والتفاصيل الصغيرة التي تكشف القاتل كما في جريمة «شيطان تحت الشمس» التي أنتجت كفيلم عام 1982 بعدسة المخرج كاي هاميلتون الذي قدم فيلماً متماسكاً لرواية تعتبر مرتبكة وهي أقل مستوى من غيرها ضمن روايات كريستي إلا أنه حافظ على عامل الجذب لأداء الفيلم.
يستمر الاتكاء على روايات أجاثا كريستي سنوياً
تم إنتاج عشرات الأفلام بناءً على روايات كريستي بعناوين حافظت على اسم الرواية أو استبدلتها بعنوان آخر، فالسينما في كل دول العالم استلهمت عالم الجريمة وتحليله ضمن البيئة التي اخترعتها أجاثا كريستي وتخيلها للتحليل البوليسي لتكون رواياتها الأهم والأشهر، يحتفل بها التلفزيون في مسلسلات عالمية استلهمت رواياتها، أو الاتكاء عليها في أي عمل بوليسي وتحليلي، حتى في برامج الأطفال كما في البرنامج الشهير «المحقق كونان» الذي اعتمد على كثير من الروايات، ليؤكد أن الزمن سيستمر في إعادة التحوير والبناء على المتن التخيلي للجريمة وعوالمها الذي اعتبرت الكاتبة سباقة في كتابته ومنح كل إبداعها فيه ليكرّسها روائية عالمية فاقت شهرتها ما كانت تتصوره هي بذاتها أثناء انطلاقها في عالم الكتابة.
المصدر: الوطن