سوليوود «خاص»
أكد الممثل السعودي «براء عالم» في حوار خاص مع موقع «سوليوود» السينمائي، تطور صناعة السينما في المملكة بشكل كبير، مستعرضًا التحديات والفرص التي تواجه صنَّاع الأفلام، كما سلَّط الضوء على أهمية التوازن بين الإبداع الفني والمطالب التجارية في ظل نمو الصناعة، مشيرًا إلى أن السينما السعودية بدأت تجد مكانًا لها في المهرجانات العالمية. كذلك تطرق في حواره للحديث عن تأثير التكنولوجيا الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي في صناعة السينما، وعبّر عن رأيه في دور وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للأفلام.
1- كيف تقيّم مستوى تطور صناعة السينما في السعودية؟ وما الذي يُلهمك كممثل لتقديم محتوى يتماشى مع هذا التطور؟
مستوى التطور مبهر جدًا، وخلال السنوات الخمس أو العشر الماضية فقط، ستجد أن هناك تطورًا وارتقاء رائعًا، سواء من صناع الأفلام أنفسهم، أو حتى في ذوق المشاهد؛ فنجد أن أفلامنا صارت تعرض في مهرجانات عالمية، وصار لدينا وصول للعالم، وصوتنا بدأ يوصل، وقصصنا الحقيقية بدأت تخرج، وهذا التطور يلهمني كثيرًا أن أكون جزء منه. ونحن محظوظون كجيل السينمائيين الأول في المملكة أن نجد هذا الدعم وهذا الاحتفاء بالسينما السعودية من قبل مهرجانات مثل «مهرجان البحر الأحمر»، و«مهرجان أفلام السعودية»، وذلك ساعدنا أن نوصل صوتنا للعالم، وبالتالي أرغب أن أكون جزءًا من هذا التطور وجزءًا من هذه الثورة السينمائية.
2- ما العوامل الرئيسية التي تؤثر في عملية الإبداع في صناعة الأفلام بالنسبة لك؟ وكيف تتعامل مع الضغوط لتحقيق التوازن بين الرؤية الفنية والمطالب التجارية؟
هناك عوامل تؤثر في عملية الإبداع مثل الجانب المادي والتجاري، ورغم أنني أرغب في تقديم قصص ذات قيمة فنية ومعنى وعمق إنساني، فإنه يجب أن يُوضع في الحسبان أيضًا أن هذه القصص لا بدَّ أن تجذب الجمهور حتى يصنع نفسه كصانع أفلام، وحتى يستطيع تقديم المزيد من الأعمال؛ فبالتالي أعتقد أن تحقيق التوازن هذا مطلب أساسي، خصوصًا في الفترة الحالية، وأعتقد حتى لو اضطررنا أن نختار ما بين تقديم أعمال قيمتها الفنية عالية مقارنة بأعمال قيمتها التجارية أعلى. وأعتقد أننا الآن في مرحلة نحتاج أن نقدم قيمة تجارية أعلى، نحتاج أن نجذب المشاهد السعودي إلى صالات السينما، ونزيد من ثقته في الفيلم السعودي وبعد ذلك ستخرج سينما مستقلة بشكل طبيعي جدًا وسينما فنية، بالإضافة إلى تحقيق التوازن والخروج بفيلم تجاري رائع في نفس الوقت يحمل قيمة إنسانية عالية، هذا حلم لكل صانع أفلام ونتمنى أن نحققه إن شاء الله.
3- هل هناك فيلم أو مخرج كان له تأثير كبير على أسلوبك السينمائي؟ وكيف انعكس ذلك على أعمالك؟
المخرج العالمي الراحل «ستانلي كيوبريك» له تأثير كبير على حياتي كشخص، كما كان له تأثير كبير على نظرتي للدنيا، وكذلك كان له تأثير على مدى اهتمامي بالصناعة وشغفي بها، وقد كان باحثًا عن الكمال فأصابني بالعدوى من هذه الناحية، ولا أعتقد أنه له تأثير مباشر على الأداءات أو التمثيل، ولكنه بشكل عام كوَّن لي ثقافتي السينمائية منذ الصغر.
4- ما أكبر التحديات التي تواجهها كصانع أفلام؟ وكيف تتعامل مع هذه التحديات؟
بالتأكيد هناك تحديات، وهناك معلومة ما ذكرتها بشكل كبير مسبقًا في أي وسيلة تواصل أو أي صحيفة، وهي أنني الآن أعمل على إخراج فيلمي القصير الأول، ونحن الآن في مرحلة الإعداد والتحدي الأكبر طبعًا، وبخاصة في مرحلة الأفلام القصيرة الحصول على المال اللازم وميزانية الفيلم. فالأفلام القصيرة بشكل عام قيمتها التجارية منخفضة، فبالتالي لا يوجد مستثمرون متحمسون كثيرون، ولذلك نحن نعتمد بشكل كبير على الدعم الحكومي المتمثل في «صندوق مهرجان البحر الأحمر السينمائي»، أو مسابقة سوق الإنتاج في «مهرجان أفلام السعودية»، أو حتى «صندوق تنمية الثقافي». ولكن أيضًا هناك تحدٍّ آخر هو أنه في صناعة تخطو خطواتها الأولى في المملكة التي رزقها ربنا وأنعم عليها بكثير من النعم، فضلًا عن وجود سوق تجاري للإعلانات التجارية فعال من قبل سوق الصناعة، تجد أن تكاليف الإنتاج أصبحت عالية، وبالتالي هذا يؤثر على ميزانياتنا التي تصبح أكبر، فيصعب إنتاج هذه الأفلام، وهذا التحدي كمخرج.
بينما التحديات التي أواجهها كممثل أقولها بكل صراحة وبساطة تتمثل في النصوص ووجود كتابات ذات جودة. بالفعل تمر علينا الكثير من النصوص، ولكن أدعو أن تندفن وأن لا تُصور وأن لا تُعرض بسبب أنها سطحية وتخلو من أي عمق إنساني، وأحيانًا تخلو من أي صدق للثقافة السعودية، تجدها متماشية مع الغرب لا يوجد فيها أي أصالة أو صدق، وتجد أحيانًا كتَّابًا يريدون فقط التفنن بتقنيات السينما والتفنن بالحبكات والكتابات، والهوس بالتحولات والنهاية المفاجئة، لكنهم غير واعين بأساسيات كتابة قصة سينمائية متسقة تصل إلى المشاهد ويستطيع أن يتبعها إلى نهايتها ويستمتع بها، فبالتالي الكتابة والنصوص هي تحدٍّ كبير لنا كممثلين، وأتمنى أن أساهم في حل المشكلة ولا أكون جزءًا منها، بحيث أن أكون مخرجًا وكاتبًا أيضًا وليس فقط ممثلًا.
5- كيف ترى دور التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع الافتراضي، في تشكيل مستقبل صناعة الأفلام؟
بالتأكيد هي موجودة وشكلت حال الحاضر والماضي، ولكن لا أتمنى حقًا في النهاية أن تستبدلنا التكنولوجيا، ونصبح نعتمد على الذكاء الاصطناعي في الكتابات والإخراج، وحتى استبدال الممثلين. أتمنى حقًا أن تظل هذه صناعة إنسانية تخرج من الإنسان للإنسان. ولا أتمنى فقط، إنما أعتقد ذلك أيضًا أنه لا يستطيع الكمبيوتر ولن يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يقدم الإبداع الإنساني المتجدد الذي يخرج من عقل الإنسان، وأتمنى أنه يظل هذا هو ما يبحث عنه المشاهد.
6- كيف تقيم تفاعل الجمهور مع الأفلام السعودية مقارنة بالأفلام الأجنبية؟ وهل تختلف طريقة سرد القصة بناءً على الجمهور المستهدف؟
بالتأكيد الجمهور السعودي يتفاعل مع الأفلام الأجنبية أكثر، والأفلام المصرية والعربية أيضًا بحكم أنها أفلام لها ماضٍ ولها مكانة في الوعي العام للمشاهد، وبحكم أيضًا جودتها. فهذه الأفلام الهوليودية والأجنبية جودتها عالية، وهي صناعة لها أكثر من 100 عام وفيها يوجد كتَّاب عظماء وعباقرة السينما، وشركات ومؤسسات بميزانيات بمليارات الدولارات وبالتأكيد يقدمون أفلامًا وأعمالًا رائعة تجذب المشاهد السعودي الذي لا يجد العذر لصانع الأفلام السعودي أيضًا لأنه يقارنه دائمًا بـ«نتفليكس» وأفلام هوليوود، وهذا حقه في النهاية كمشاهد يدفع ثمن تذكرة أو يدفع سعر اشتراك في منصة ويريد أن يشاهد شيئًا يرتقي إلى ذوقه. ونتمنى أن نصل لذلك ونقدم أشياء تكون على قدر ذوق ووعي وثقافة المشاهد السعودي.
7- هل تختلف طريقة سرد القصة بناءً على الجمهور المستهدف؟
أكيد كل جمهور عنده ذوق وتناول مختلف، ولكن بشكل عام أعتقد أن هناك قواعد أساسية مثل الصدق للمكان وللثقافة، والصدق مع الذات، وكذلك الصدق في الموضوع، وتقديم قيمة إنسانية مهمة، هذه كلها قواعد تنطبق على أي فيلم.
8- ما الدور الذي تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج الأعمال السينمائية؟ وكيف ترى تأثيرها على نجاح الأفلام؟
بالتأكيد دور كبير تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي حاليًا، فهي أصبحت وسائل الإعلام الحديثة، وإذا لم يتم التسويق للعمل بشكل جيد على وسائل التواصل فسيخسر جزء كبير من إمكانية الوصول للناس ومن تحقيقه شهرة وأرباحًا. لذا، هي بالتأكيد مهمة جدًا، وهذا الذي يثير الخوف أيضًا في نفس الوقت؛ لأنه بحكم أهميتها وحكم انتشارها أحيانًا تجد بعض الأفلام تغزو هذه الوسائل وتنتشر وتضع نفسها في كل مكان، وتضع نفسها في مكانة لا تستحقها. فتجد – مثلًا – فيلمًا ضعيفًا أو فيه من المشاكل والسوء ما فيه، ولكن بحكم التسويق الجيد وبحكم الوصول للناس في وسائل التواصل يجد قبولًا ويبيع تذاكر. وأعتقد أنه لا يزال حتى في صناعتنا لا يوجد ذاك الوعي بأهمية التسويق وأهمية الإعلان للأفلام السينمائية، وما زالت ميزانيات التسويق ضعيفة جدًا، بينما تجد هناك في هوليوود أحيانًا ميزانية التسويق تكون نصف ميزانية الفيلم وأحيانًا تساويها؛ لأنه في النهاية إذا ما أحد شاهد فيلمك، فميزانية إنتاج الفيلم ضاعت هباء منثورًا.
9- ما الفيلم الذي تعتقد أنه مثّل نقطة تحول في حياتك المهنية؟ ولماذا؟
بالتأكيد هو «شمس المعارف» لأنه أول فيلم سينمائي حقيقي أقدمه، وأعتقد أنه لقي قبولًا جيدًا لدى الناس، سواء نقديًا أو على شباك التذاكر. وأعتقد أنه فيلم مهم جدًا في دورة حياة صناعة الأفلام السعودية بشكل عام، وليس فقط في حياتي؛ لأنه كان أول فيلم سعودي يحقق أرباحًا على شباك التذاكر ويثبت أنه يمكن لفيلم سعودي أن يربح، وأنه ممكن لصانع الفيلم السعودي أن يحقق نجاحًا، وأنه ممكن للمستثمر أن يضع أمواله في فيلم سعودي ويستردها؛ فبالتالي هو مهم جدًا من هذه الناحية، كما أنه مهم جدًا لي أيضًا، فهو الذي عرفني على العالم وعلمني وجعلني أتعرف على صناع أفلام وممثلين رائعين أصبحوا أعز أصدقائي مثل: الأخوين قدس، وإسماعيل الحسن، وأحمد صدام، وغيرهم.
10- إذا أتيحت لك الفرصة للتعاون مع مخرج أو منتج عالمي، فمن سيكون؟ ولماذا؟
أنا لدي الرغبة أن أقدم أفلامًا وأعمالًا درامية بشتى اللغات والثقافات، وأي مخرج أو أي مُنتج يُتاح لي العمل معه سأكون سعيد جدًا، يعني ليس في بالي الآن شخص بعينه، ولكن أتمنى حقًا أن تتسنى لي الفرصة أن أقدم أفلامًا، سواء كانت إنتاجًا مشتركًا بحيث نوصل صوتنا وصوت الثقافة السعودية للعالم، أو حتى انتاجات عالمية أجد فيها ذاتي لنعمل ذلك.
11- ما المستقبل الذي تتخيله لصناعة السينما في السعودية خلال السنوات القادمة؟ وكيف يمكن لصناع الأفلام السعوديين أن يكونوا جزءًا من هذا المستقبل؟
أعتقد أنه مستقبل مبهر، وبالفعل في السنوات الخمس الماضية بدأت تتكون البنية التحتية ولا تزال في مرحلة التكوين، ولكن خلال الخمس السنوات القادمة سيصبح هذا المستقبل جاهزًا جدًا لأن تخرج منه أعمال تصل للعالمية – بإذن الله – وتصل لمهرجانات العالم وتبيع تذاكر بأعداد جيدة وتحقق ما تهدف إليه هذه الصناعة، ويمكن لصناع الأفلام السعوديين أن يكونوا جزءًا من هذا المستقبل بأن يعملوا على أنفسهم بصدق ويقدموا قصصًا من ثقافتهم بأصالة وصدق وألا يحاولوا أن يشبهوا أي أحد آخر.
ويجب التعلم من كل التقنيين ومن كل واحد قد سبقنا، ولكن النسخ والتماهي ومحاولة التقليد لن تفي بالغرض، ولن تجلب على صانع الأفلام نجاحًا تجاريًا ولا نجاحًا نقديًا، ولا من يحقق ذاته بذلك. وأعتقد أنه يجب أن نكون صادقين مع ثقافتنا، ويجب أن نطمح ونكون فخورين بأنفسنا والوطن الذي ولدنا فيه وتربينا فيه، ونطمح من خلال ذلك أن نوصله ونوصل صوته للعالم.
12- هل لديك خطط لتوسيع أعمالك إلى أسواق عالمية؟ وإذا كان نعم، فكيف تخطط لمواءمة عملك مع الأذواق الثقافية المختلفة؟
نعم بالتأكيد لدي خطط، أنا بالفعل أعمل تجارب أداء مختلفة في دول مختلفة وأتمنى أن أقدم أعمالًا تليق بي وأعمالًا تناسبني طبعًا. بالتأكيد هناك أعمال كثيرة ونصوص كثيرة أقرؤها وأجد أنها أحيانًا لا تتفق مع مبادئي ولا تتفق مع هويتي وأخلاقياتي، ولكن أتمنى أن أقدم شيئًا يليق بـ«براء عالم» المسلم السعودي العربي الذي يحلم في أن يستخدم الصورة والصوت في السينما لتحقيق معانٍ أسمى ولتحقيق أهداف إنسانية أرقى، وللوصول لاستخدام السرد والحكي والقصص لأهداف إنسانية وأخلاقية راقية.
13- ما النصائح التي تقدمها للمخرجين والمنتجين الجدد الذين يسعون إلى دخول هذه الصناعة وتجاوز العقبات الأولى؟
لو هناك نصيحة واحدة أقدمها للمخرجين والمنتجين، فهي أن يعيش ويتعرف على الحياة والدنيا وما فيها، بقدر ما يهتم بالسينما والتقنيات، وأن يكون فنانًا جيدًا. والفنان الجيد هو إنسان جيد وصادق، فيجب على الناس أن يكتشفوا ويعيشوا ويكوِّنوا خبرة حياتية ويتعلموا في مختلف العلوم والفنون ليس السينما فقط، وحتى يكون المخرج مخرجًا جيدًا يجب أن يكون له علم كبير، يجب أن يتعرف على نفسه وعلى ثقافته، يقرأ في الفلسفة والدين والعلوم الإنسانية والروايات، فمن لا يقرأ لا يكتب، وبالتالي أتوقع أنه لا بدَّ من أن نقرأ كثيرًا ونشاهد كثيرًا لكي نصبح سينمائيين حقيقيين.
14- فيلم «صيفي» في المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وفي صالات السينما 26 ديسمبر.. ما شعورك؟ وكيف تصف ذلك؟
فيلم «صيفي» من أقرب الأعمال إلى قلبي بحكم مخرجه الرائع الراقي «وائل أبو منصور»، وبطله الأستاذ «أسامة القس» وأيضًا بحكم المكان الذي صوِّر فيه، حيث تم تصويره في مدينة جدة المدينة الغالية التي تمشينا في شوارعها وجرينا على سطوحها. وأعتقد أنه كانت تجربة بديعة حقًا إنتاج هذا الفيلم، وأيضًا لأن «صيفي» عمل صادق لما يحكيه عن الحقبة الزمنية التي يتقدم فيها ولقصته، وأعتقد أنه شرف وسعادة كبيرة لنا أنه يكون ضمن المنافسة في «مهرجان البحر الأحمر»، وأيضا أتمنى أنه يلاقي القبول والنجاح الذي يستحقه في صالات السينما.