«الميتاسرد».. سينما تمزج بين الفن والتأمل الفلسفي
سوليوود «خاص»
يُعدّ مصطلح «الميتاسرد» أو «Meta-cinema» من الظواهر السردية الفريدة في عالم السينما، حيث تتجاوز الأفلام حدود الحكاية التقليدية لتُظهر وعيها بأنها فيلم، وتخاطب المشاهد بشكل مباشر أو غير مباشر، كاشفةً آليات الصناعة السينمائية ذاتها. هذا النوع من السرد لا يكتفي بتقديم قصة، بل يعكس على الشاشة تجربة صناعة القصة، في مزيج يجمع بين الفن والتأمل الفلسفي في ماهية الحكي.
تظهر أفلام الميتاسرد غالبًا بروح تجريبية، تُثير تساؤلات حول الحقيقة والوهم، وتكسر ما يُعرف بـ«الجدار الرابع»، وهو الحاجز الوهمي الذي يفصل الجمهور عن شخصيات الفيلم. كما تستعين بأساليب مثل التلاعب بالزمن، تعدد الروايات، والتعليق الساخر أو العميق على صناعة السينما نفسها، ما يمنحها طابعًا تأمليًا يختلف عن السرد الكلاسيكي.
نشأة المصطلح
ظهر مفهوم الميتاسرد في الأدبيات النقدية، قبل أن ينتقل إلى السينما بوضوح في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مع صعود الموجة الجديدة في فرنسا وأوروبا، والتي اتسمت بالوعي الذاتي والتجريب. ثم ازدهر المفهوم بشكل أوسع في السينما الأميركية المستقلة وأفلام ما بعد الحداثة، التي كسرت أنماط الحكي التقليدية وأعادت النظر في علاقة الفيلم بالجمهور والواقع.
ومن بين أبرز من تبنوا هذا الاتجاه، المخرجون: فديريكو فليني، وودي آلن، تشارلي كوفمان، وسبايك جونز، حيث صنعوا أفلامًا تتحدث عن الكتابة نفسها، أو تُظهر المخرج كجزء من القصة، أو تُناقش العلاقة بين المؤلف والشخصيات التي يخلقها.
تجسيد الوعي السينمائي
تُعدّ أفلام الميتاسرد بمثابة مرآة مزدوجة: تعكس قصة، وتعكس عملية سرد القصة. فهي أعمال تتجاوز الحكاية لتسائل كيف تُروى القصص، ولماذا. وغالبًا ما تُستخدم هذه التقنية لمناقشة مواضيع مثل الهوية، السلطة، الواقع المتخيّل، أو حتى للعبث بالأعراف السينمائية بقصد السخرية أو النقد.
ورغم أن هذه النوعية قد تبدو معقدة أحيانًا للمشاهد العادي، إلا أنها تُكافئ جمهورها النخبوي بتجربة فكرية وفنية غنية، تجعل الفيلم مادة للتأمل بقدر ما هو للمتعة البصرية.
أبرز أفلام الميتاسرد في السينما العالمية
«8½»
من أعمال فديريكو فليني البارزة، والتي تسرد قصة مخرج يعاني من أزمة إبداعية، في فيلم يعكس سيرة ذاتية متخيلة عن السينمائي نفسه. يُعدّ من أوائل أفلام الميتاسرد في السينما الأوروبية.
الفيلم الصادر عام 1963، من بطولة: مارسيلو ماستروياني، وكلوديا كاردينالي؛ ومن إخراج: فديريكو فليني.
«Adaptation»
نص مميز من تأليف تشارلي كوفمان حول كاتب يُكلف بتحويل كتاب إلى سيناريو، لينتهي الفيلم بأن يصبح عن عملية الكتابة نفسها. تحفة تدمج الواقع بالخيال بسلاسة.
الفيلم الصادر عام 2002، من بطولة: نيكولاس كيج، ميريل ستريب، وكريس كوبر؛ ومن إخراج: سبايك جونز.
«Synecdoche, New York»
يقدم الفيلم الفلسفي نظرة معقدة عن مخرج مسرحي يبني نسخة طبق الأصل من حياته داخل مستودع ضخم، في تجسيد بصري لفكرة التمثيل داخل التمثيل.
الفيلم الصادر عام 2008، من بطولة: فيليب سيمور هوفمان، وسامانثا مورتون؛ ومن إخراج: تشارلي كوفمان.
«Stranger than Fiction»
تدور القصة حول موظف ضرائب يكتشف أن حياته تُكتب من قبل روائية، ما يدخله في صراع بين الواقع والمصير المكتوب. فيلم يجمع بين الدراما والكوميديا بفكرة ميتاسردية خفيفة.
الفيلم الصادر عام 2006، من بطولة: ويل فيرل، إيما تومسون، وداستن هوفمان؛ ومن إخراج: مارك فورستر.
«The Truman Show»
يُجسّد الفيلم حياة رجل يعيش في برنامج تلفزيوني دون أن يدري، في نقد لوسائل الإعلام وللفكرة ذاتها عن “التحكم في الواقع”. فيلم أيقوني في كسر الجدار الرابع.
الفيلم الصادر عام 1998، من بطولة: جيم كاري، وإد هاريس، ولورا ليني؛ ومن إخراج: بيتر وير.


