بيل بيا
الموت حقيقة من حقائق الحياة، وإن كان معظم الناس ينكرونها حتى يصبح الوقت متأخرًا. وفي حين تساعد عملية الشيخوخة الطبيعية في إعداد الناس عقليًا لدخول العالم الآخر، فإن احتمال المعاناة من الموت المبكر أمر بغيض للغاية لدرجة أنه يشكل أساسًا لنوع الرعب بأكمله. يتناول فيلمThe Monkey ، وهو فيلم رعب كوميدي جديد من تأليف وإخراج أوزجود بيركنز «Longlegs, Gretel & Hansel»، استنادًا إلى قصة قصيرة تحمل نفس الاسم لستيفن كينج، هذه الفكرة بشكل مباشر، حيث يقدم لشخصياته قردًا غامضًا لديه بطريقةٍ ما القدرة على التسبب في الموت والمأساة.
إذا كنت من محبي أفلام الرعب السابقة التي أخرجها بيركنز، فقد تتوقع صورة قاتمة وكئيبة تدور حول أرواح فقيرة تحاول التعامل مع الموت الذي يتسلل إليها ببطء. ولعل المفاجأة الكبرى في فيلم The Monkey هي أنه يظهر بيركنز وهو يعمل بأسلوب جديد وفريد من نوعه ضمن أسلوبه المميز في صناعة الأفلام. فيلم The Monkey مخيف ومزعج في بعض الأحيان، ولكن في أغلب الأحيان هو ذكي للغاية، وشرير بشكل لذيذ، ومضحك بشكل شرير، مع إضفاء روح الدعابة السوداء عليه طوال الوقت.
يأخذ أوزجود بيركنز حريات إبداعية كبيرة عند تكييف القصة القصيرة لستيفن كينج التي صدرت عام 1980، ومع ذلك تبقى هذه التغييرات وفية لروح عمل كينج. يتتبع فيلم «The Monkey» الأخوين هال وبيل، حيث يقوم بدورهما الممثل كريستيان كونفيري في فترة المراهقة وثيو جيمس في مرحلة البلوغ. يعثر الأخوان على قرد لعبة كبير مختبئًا في خزانة والدهما الراحل، وهذا القرد يملك طبلة بدلاً من الصنج التقليدي الموجود في نسخة كينج. يثير النقش الموجود على الصندوق، الذي يقرأ “مثل الحياة”، فضولهما، وعندما يديران مفتاح القرد من الخلف، يبدو أنه لا يحدث شيء. ولكن سرعان ما يبدأ الأشخاص من حولهما في التعرض لحوادث مروعة تؤدي إلى وفاتهم.
بعد أن أدرك أحد التوأمين أن قوة القرد لا يمكن توجيهها ضد أي شخص بعينه، قرر الصبيان إلقاء الجسم الملعون في قاع بئر عميقة. ولكن بعد خمسة وعشرين عامًا، ظهر القرد مرة أخرى، مما دفع هال، الذي حاول ترك ماضيه خلفه، إلى محاولة إيقاف اللعبة الشريرة إلى الأبد. ويشاركه في الرحلة ابنه المراهق المنفصل بيتي (كولين أوبراين)، الذي يحاول هال حمايته من تأثير اللعبة الملعونة من خلال إبعاد نفسه عنها بشكل محزن أكثر فأكثر.
لكن هال يستخدم القرد كذريعة فقط، لأنه يدرك في أعماقه أن لا أحد في مأمن من قبضته، ربَّما باستثناء الشخص الذي يدير مفتاحه في النهاية. يُعدُّ فيلم «The Monkey» واحدًا من أكثر أفلام الرعب إثارة للاهتمام في الذاكرة الحديثة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى عدم وجود مجموعة ثابتة من القواعد أو المعايير التي تحدد متى وكيف أو من يموت. بينما تتشابه نغمة الفيلم مع أعمال المخرجين جلين مورغان وجيمس وونغ، وخاصة سلسلة «Final Destination»، فإن تفسير الموت في «The Monkey» يظل غامضًا بقدر ما هو مروع. يقدم أوزجود بيركنز بعضًا من أكثر مشاهد القتل دموية ووحشية لهذا العام، ورغم أننا ما زلنا في فبراير!
إن عمليات القتل في فيلم The Monkey أقل شبهًا بفيلم Rube Goldbergian وأكثر شبهًا بفيلمSlapstick ، أو ربَّما يجب أن يُطلق عليهSplatstick ، وقد تكون النغمة التي يخلقونها للفيلم هي العنصر الأكثر تشابهاً مع ستيفن كينج. وبروح فيلم مثل Creepshow أوMaximum Overdrive، يأخذ فيلم The Monkey شراسة كينج ويجري معها. الأمر الأكثر إثارة للإعجاب هو كيف يحول أوزجود بيركنز إحساسه الغريب بالوتيرة إلى كوميديا كاملة. لقد اختفى تقريبًا المشي أثناء النوم المخيف، واستُبدل بدلاً من ذلك بتوقيت كوميدي حاد وحاسم، بما في ذلك قطع حاد سيجعلك تصرخ من البهجة المرضية.
بينما كان فيلم بيركنز الأخير، «Longlegs»، مصممًا خصوصًا للنجم نيكولاس كيج، يُعد «The Monkey” أكثر من مجرد عمل جماعي، على الرغم من وجود بعض المشاهد القصيرة الممتعة التي لن تفسد هنا. يتمتع فريق التمثيل بتماسك كبير، رغم وجود اثنين من الممثلين البارزين بشكل خاص. تاتيانا ماسلاني، المعروفة من «She-Hulk: Attorney at Law” و«Orphan Black”، تجسد شخصية لويس، والدة التوأم، حيث تقدم أداءً رائعًا كـ”أم الصبي” التي تتميز فلسفتها في الحياة بالظلام والواقعية.
اللاعب البارز الآخر هو ثيو جيمس، المعروف من مسلسل «The Gentlemen» على Netflix و«The White Lotus» على HBO في دوره المزدوج، كان بإمكان جيمس أن يتجاوز ذلك ويستعرض مجموعة واسعة من الفروق بين هال وبيل. ومع ذلك، ما يفعله هو أكثر دقة وإثارة للاهتمام، حيث يميز بين التوأم دون اللجوء إلى لهجات أو حركات لاإرادية أو أي تقنيات مماثلة. بطريقة ما، فإن أسلوبه الساحر والماكر والجاد يتناقض تمامًا مع ما تم تقديمه في«Longlegs». بينما قدم نيكولاس كيج أداءً مسرحيًا يهدف إلى تجسيد فكرة الشر الذي يؤثر على العالم من حوله، يحافظ ثيو جيمس على جو «The Monkey» السريالي والمتزايد من خلال أسلوب يمزج بين الحقيقة والخيال.
يشبه فيلم «The Monkey» حلقة متوسطة من «Tales From the Crypt»، لكن هذا لا يعني أنه مجرد مزحة دموية. بل على العكس، حيث يتضمن نص أوزجود بيركنز مرارة لاذعة ولسبب وجيه. فقد ذكر بيركنز أن جزءًا من إلهامه لهذا الفيلم يأتي من ماضيه الذي شهد العديد من الخسائر الشخصية، التي كانت ظروفها سخيفة ومأساوية في آن واحد. هذا الجانب من الحزن – الشعور غير العادل الذي يرافق السؤال “لماذا أنا؟» في مواجهة الألم الشديد – هو ما يستكشفه «The Monkey» بطريقة غير خفية ولكن مميزة. من خلال كل الفوضى الدموية والفكاهة السوداء، يلتقط بيركنز كيف يمكن أن تكون الحياة والموت قاسيتين بشكل مبالغ فيه وغير عادلتين.
من يدري كم من الأحداث الأخيرة كانت في ذهن أوزجود بيركنز أثناء صنعه هذين الفيلمين الأخيرين، لكن من المثير للاهتمام أن نرى كيف يمكن تطبيق «Longlegs, Gretel & Hansel»على العالم الجهنمي الذي نعيش فيه حاليًا. بينما يسلّط فيلم «Longlegs» الضوء على مدى سهولة إيواء ما يُعرف بالأشخاص “الطيبين” للشر الخالص في أقبية منازلنا، فإن منظور «The Monkey» يسعى لإيجاد التعاطف وطرق البقاء في ظل ظروف مروعة خارجة عن إرادتنا، وهو أمر يبدو ذا صلة خاصة.
حقيقة أن مفتاح القرد سيظل يدور لا يمكن تغييرها. كل ما يمكننا فعله هو الضحك أو البكاء بشأن ذلك، أو اليأس أو حتى الرقص. وكما يشير فيلم «The Monkey»، فإن الأمر في بعض الأحيان بهذه البساطة.
