عبدالله الأسمري
في سياق عام 2024 يمكننا القول إن السينما السعودية شهدت سنة معقولة إلى حد ما. فقد تميزت بتجارب مثيرة، أبرزها بالطبع وصول أول فيلم سعودي إلى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي وحصوله على تنويه خاص من لجنة التحكيم، وهو إنجاز يعكس تطور السينما المحلية بشكل ملحوظ. لكن عند مقارنتها بسنة 2023، تبدو السنة الحالية أقل إشراقًا؛ إذ كانت السنة الماضية أكثر تألقًا وإمتاعًا على صعيد الأفلام المحلية، فقد شهدنا أعمالًا فنية متميزة استطاعت تحقيق إيرادات مرتفعة، مما جعلها تدخل قائمة الأفلام الأعلى إيرادًا في تاريخ شباك التذاكر السعودي، الذي يُعد الأهم في منطقة الشرق الأوسط حاليًا.
ما يثير الانتباه في السينما السعودية هو أن العديد من الأعمال المؤثرة تُعرض في شهري ديسمبر ويناير، مما دفعنا للانتظار. ومن بين أبرز الأفلام المنتظرة كان فيلم «صيفي» للمخرج وائل أبو منصور، ويُعد أبو منصور من أبرز صنَّاع السينما الذين شكّلوا وجه عام 2023 السينمائي؛ حيث يقود استوديوهات «تلفاز 11» التي كانت خلف العديد من الأفلام المؤثرة في شباك التذاكر. وأيضًا الفيلم كان المشارك المحلي الوحيد في المسابقة الرسمية لمهرجان البحر الأحمر لنسخة هذا العام، وهو ما أضاف له قيمة وجعل الجمهور يتوقع نجاحًا كبيرًا. لكن رغم هذه الآمال لم يحقق «صيفي» هذا النجاح المتوقع، مما يضيف عبئًا آخر على السنة السينمائية.
فيلم «صيفي»، كما هو عنوانه، يرتكز في سرده على شخصية رئيسية وإشباعها بتفاصيل تُظهر تطورًا دراميًا فعالًا، لشخص يحلم بالثراء السريع، وهو حلم مشترك بين العديد من الشخصيات في تلك الحقبة، الذين كانوا يسلكون طرقًا أسرع وأقل تقليدية عما هو سائد للوصول إلى الحلم المنشود. مثل شخصية حامد في فيلم «الهامور ح.ع»، الذي بُني أساسًا على قصة حقيقية حصلت ما بين عام 2001 إلى 2005، حيث كان بطل القصة يحاول أن يحقق ثروته بطرق غير شرعية. ولكن شخصية صيفي «التي يؤديها أسامة القس» تتسم بحس عالٍ بالمسؤولية الاجتماعية، على خلاف حامد فهو لا يسرق أموال الفقراء، بل يكتفي بسرقة الأغاني فقط، ويشعر دائمًا بالقلق حيال ديونه التي يجب عليه تسديدها لرابعة «عائشة كاي». وأيضًا صيفي شخصية ذات طابع إنساني، فاللحظة التي شاهدناه في قمة السعادة هي عند سماعه لدعوات الرجل المسن له عندما قدَّم المعونة الشهرية لسكان العمارة.
رغم ذلك، يظل حلم صيفي في الثراء السريع لا يتناسب مع واقعه الصعب، حيث يعمل في متجر «شريط الكون» ويرافقه زرياب «الذي يلعب دوره براء عالم». وزرياب يمثل شخصية تُظهر قلقًا دائمًا حول الحياة، ولكنه يعيش حياته الآن مستثنيًا منها الغد، وهنا تبدأ مفارقة صيفي مع واقعه الذي من المفترض أن يشابه زريابًا. وعندما يتخذ صيفي قرارًا حاسمًا في محاولة تحقيق هدفه يطلب من المهدي «حسام الحارثي» أن يدبر له لقاء مع الشيخ أسعد أمان «الذي يشبه إلى حد كبير صالح كامل»، رجل الأعمال الراحل وأحد أهم رموز تلك الحقبة، التي حقق فيها نجاحات كبيرة وخلافات كثيرة. والتشابه في الشكل بين أسعد أمان وصالح كامل لم يكن عبثيًا في نظري؛ إذ إن «كاملًا» كان معروفًا بتصريحاته اللاذعة في الإعلام، وهو ما يتوازى مع تصريحات “أسعد أمان” التي يتابعها صيفي في التلفاز وجعلته يطلق آخر رصاصة في حلمه بالثراء.
الأسلوب الإخراجي في الفيلم كان مميزًا، حيث استطاع المخرج تصوير الحقبة الزمنية بكل براعة، مع استخدام شريط الكاسيت كعنصر أساسي في السرد ونقطة محورية في رحلة صيفي. كما أن تصميم الديكور نقلنا إلى تفاصيل تلك الحقبة في مدينة جدة بحس شاعري جميل، مما ساعد على فهم الأجواء التي كانت سائدة في تلك الفترة.
ورغم بداية الفيلم الواعدة والمشاهد الجميلة التي حملت الكثير من الإبداع، فإنه هذا التوازن اختل في المشهد الذي بدأ به الفيلم. فالأحداث بدأت تتباطأ بشكل مزعج، وغاب عنها المنطق في بعض النقاط. فبدلًا من التقدم في سرد القصة، وجدنا أنفسنا نعود إلى مشاهد غير مرتبطة بالحبكة الرئيسية، ولم يتم الاستفادة منها جيدًا في إكمال باقي الرحلة التي توقفنا في منتصفها دون أي تقدم، حتى اضطر الكاتب إلى خلق صدفة كان من الممكن تجنبها والعمل أكثر على ترتيب أفضل للأحداث. عمومًا، حدثت هذه المصادفة، وأخيرًا انتقلنا من منتصف الرحلة إلى نهايتها التي تتجسد في مشهد حرق فيلا رابعة، حيث تحترق معها ذكرياتها مع صيفي، الذي أيضًا لم ينجح في الظفر بكنزه، تمامًا كالمشاهد الذي فقد كنز الرحلة.
ختامًا، صنَّاع السينما السعوديون كثيرًا ما يستحضرون الماضي في أفلامهم، مما يثير تساؤلات حول الحاجة الملحة لهذا التوجه. ففي حال لم تكن الحقبة الزمنية زمنًا لأحداث القصة، فإن الأفلام تظل تميل إلى مقارنة الحاضر بالماضي، كما رأينا في أفلام مثل «مندوب الليل»، و«آخر سهرة في طريق ر». ورغم أن المخرج وائل أبو منصور صرح أنه كان من الضروري العودة إلى الماضي في هذا الفيلم نظرًا لأن شريط الكاسيت كان أداة أساسية في السرد، فإن القصة لم تقدم جديدًا ملموسًا يبرر هذا الخيار، مما يتركنا نتساءل عن ضرورة العودة إلى الماضي إذا لم تكن هناك رؤية مختلفة لهذا الطرح في سياق الفيلم.