سوليوود «خاص»
تصاعد وتشويق الأحداث خلال الفيلم السعودي «حد الطار»، يكسبه مكانة استثنائية بين الأفلام السعودية التي تم إنتاجها مؤخرًا؛ إذ تجعل المشاهدين لا يملون من مشاهدته أكثر من مرة، بحسب وصف النقاد للعمل، وبصفة خاصة أداء بطل العمل الفنان السعودي الموهوب «فيصل الدوخي»، الذي أبدع في تجسيد حالة الصراع النفسي بين الإنسان ونفسه وبينه وبين الآخرين، من خلال تقديمه شخصية «دايل» الذي يرفض عالمه، ولا ينتمي إليه، ويقع في حب الفتاة «شامة»، وهي من عالم آخر يميل إليه أكثر، ويضحي من أجل حبيبته. لكن تجبره ضغوط مجتمعه وتقاليده الموروثة والصارمة على مفارقات صعبة، وهو الدور الذي استحق عنه جائزة أحسن أداء تمثيلي، بـ«مهرجان القاهرة السينمائي الدولي»، وتفاعل معه الجمهور محليًا وعربيًا بشكل واسع.
بناء درامي مشوق ومثير لقصة ممتعة
التناقضات التي تمارس في كثير من المجتمعات بكل دول العالم، من دون التفكير في نتائجها وتوابعها كانت محور قصة الفيلم، بحسب ما أكد صنَّاعه في تصريحاتهم حول العمل الذي يستعرض قصة حبٍّ بين ابن منفذ أحكام الإعدام «السياف» وابنة مغنية الأفراح «الطقاقة» في حي شعبي وسط الرياض تملؤه التناقضات والخبايا، وذلك في نهاية حقبة التسعينيات. كما يناقش الفيلم فكرة الطبقية والاختلافات المجتمعية من خلال الشخصيتين الرئيسيتين «دايل»، و«شامة»، اللذين لا تقتصر الاختلافات على أصولهما العائلية فحسب، بل تشمل الاختلافات الواقعة بينهما وبين المجتمع المحيط بهما؛ إذ يروي العمل قصة حُب «دايل»، و«شامة»، ودايل هو ابن سيّاف، لا يرغب في أن يرث وظيفة والده الموظف في دائرة الحقوق والقصاص، وشامة هي ابنة طقاقة تغنِّي في الأفراح الشعبية. لكن عم دايل والمسؤول عنه بعد وفاة والده، يرفض هذا الحُب ويقف عائقًا أمام هذه الزيجة؛ لرغبته في تزويج دايل من ابنته، ويستخدم لهذه الغاية الضغوط المالية على دايل وحرمانه من ميراث جده بالشرع والقانون، ومن هنا تتصاعد الأحداث في قالب مثير ومشوق لتكون النهاية غير متوقعة.
كواليس الإعداد
فيلم «حد الطار» صوّر في السعودية، وتحديدًا مدينة الرياض في حي العود. وفي تصريحات حول العمل للمنتج الفني للفيلم «أحمد موسي»، أعلن أن التصوير تم داخل أحد الأحياء الشعبية بمدينة الرياض «حي العود»، وتطلب التصوير إغلاقه بشكل كامل قرابة شهر ونصف. وهو من إخراج عبدالعزيز الشلاحي، ومن كتابة مفرج المجفل، وقدم بطولته الممثل فيصل الدوخي بدور دايل، والممثلة أضوى فهد بدور شامة، وشارك في الفيلم مجموعة من فناني المملكة المتميزين منهم: مهند الصالح بدور عتيق، وسامر الخال بدور مبارك، وإبراهيم ميسيسبي بدور خليل، وراوية أحمد بدور بدرية، وعجيبة الدوسري بدور منوة.
إشادات نقدية بطاقم العمل
أشاد نقاد الفن والكتاب المتخصصين، بأداء طاقم العمل واحترافية بناء إيقاع الحوارات بين الشخصيات؛ حيث أكدت الكاتبة الصحافية التونسية «حنان مبروك»، خلال مقال لها بصحيفة «العرب»، أن العمل تمكن من كشف حالة التناقض التي تعيش فيها بعض المجتمعات نتيجة سيطرة العادات والتقاليد الموروثة. كما نجح صنَّاع العمل من خلال الكادرات المنوعة، وزوايا تصوير في تتبع تفاصيل الشخصيات وكشف مواهبها ومدى قدرتها الباهرة في التمثيل، وبألوان هي أقرب إلى حالة الغموض والاضطراب المسيطرة على الفيلم الذي صدم الجمهور بنهايته غير المتوقعة.
وخلال مقالة خصصها الكاتب والمترجم الأكاديمي السعودي الدكتور «كميل الحرز»، للحديث عن العمل، ونشرت في مجلة «اليمامة»، قال: «الفيلم هو تجربة – دون أدنى شك – تستحق الإشادة، وتمثل خطوة فنية مميزة في سياق الأفلام المحلية. كما أوضح أن الشخصيتين الرئيسيتين في العمل: فيصل الدوخي، وأضوى فهد، تمكنا من أداء دورهما باحترافية صورت سلسلة من العقد والتناقضات والمفارقات الخارجية المتمثلة في الثقافة الاجتماعية، ونظيرتها الداخلية المتمثلة في ذوات الشخصيات خلال حقبة التسعينيات.
أيضًا وجه سفير خادم الحرمين الشريفين لدى القاهرة أسامة نقلي، رسالة إلى طاقم العمل في حساباته على مواقع السوشيال ميديا، مرفقًا بها صورةً جماعيّة لهم على السجادة الحمراء قائلًا: «في مهرجان القاهرة السينمائي يشارك فيلم من السعودية هو حد الطار.. كنت أتمنى أن أكون وسطكم وبينكم يا أبنائي لولا ظروف تواجدي في رحلة عمل بالسعودية.. لكن هذا لم يمنع سعادتي وافتخاري بكم من واقع الأصداء الإيجابية التي سمعتها عن الفيلم، دمتم بخير وفقكم الله ورعاكم».
ومن جانبه قال الكاتب الصحفي والناقد السينمائي طارق الشناوي، في الحلقة النقاشية التي أقيمت عقب انتهاء عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ42: «إن أبطال العمل أبدعوا في تقديم صورة جيدة عن النقلة النوعية التي تعيشها السينما السعودية، وتعمُّد صنَّاعه أن يكون الحوار بين الشخصيات وفق لهجتهم السعودية ساهم في نجاحه، مؤكدًا أن أعظم ما في الفن هو تصديقه، ولا يمكن أن يتم تصديقه إذا كان الممثل يتحدث بلهجة محايدة»، قائلًا: «اللغة البيضاء تقتل الفن».
وتابع: «الفيلم ابتعد عن تناول الصورة النمطية للسعوديين الأثرياء، وتطرق للحديث عن فئة تعاني من الفقر وتفتعل أخطاء يمكن أن تصل عقوبتها للإعدام، مؤكدًا على أن السينما السعودية قادرة على تجسيد الصورة الصحيحة للإنسان السعودي. وأكد أن الفيلم تمتع بحبكة فنية قوية، وقد اتسمت أحداثه بإيقاعات مختلفة ومنسجمة فنيًا، مع الإيقاع العام للفيلم الذي يحمل وحدة إيقاعية».
جائزة أحسن أداء تمثيلي لـ«فيصل الدوخي»
الممثل السعودي «فيصل الدوخي»، الذي يختار أعماله الفنية وفقًا للنص المكتوب، وحبه للشخصية التي يقدمها والتي غالبًا تكون محورية وتحمل تفاصيل كثيرة، بحسب تصريحاته الصحافية، أبدع خلال تجسيده بطولة الفيلم، ما مكنه من حصد جائزة أحسن أداء تمثيلي عن الفيلم بمسابقة آفاق السينما العربية، ضمن فعاليات الدورة الـ42 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي؛ حيث عُرض الفيلم في افتتاحيّة عروض مسابقة «آفاق السينما العربية» في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الثانية والأربعين، التي أُقيمت في دار الأوبرا المصرية. ويُعد الفيلم أوّل فيلمٍ سعودي يشارك في المسابقات الرسمية للمهرجان الدولي، وهو أوّل عرض عالمي للفيلم خارج المملكة العربية السعودية.
وفاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة «صلاح أبوسيف»، وذلك ضمن منافسات مسابقة آفاق السينما العربية بالمهرجان نفسه. وفي 11 أبريل 2021، فاز المخرج عبدالعزيز الشلاحي، بجائزة أفضل مخرج في مهرجان مالمو السويدي للسينما العربية عن إخراجه للفيلم. كما حصل العمل في 7 يوليو 2021، على جائزة النخلة الذهبية لأفضل فيلم روائي طويل في مهرجان أفلام السعودية في دورته السابعة. كما فاز بجائزة جبل طويق لأفضل فيلم عن مدينة سعودية «مدينة الرياض»، وذلك ضمن جوائز المهرجان الخاصة.
وجرى ترشيح الفيلم من قِبل اللجنة السعودية الخاصة بالأوسكار للمشاركة في المسابقة العالمية عام 2021، عن فئة أفضل فيلم أجنبي خلال حفل الدورة 94 في لوس أنجلوس مارس 2022.
انتشار واسع
في 19 يناير 2021، أُعلن أن الفيلم سيُعرض في السينما السعودية ابتداءً من 28 يناير، وسيسبقه عرضٌ خاصٌ للفيلم في مدينة الرياض بتاريخ 26 يناير، وتم عرضه عبر منصة «نتفليكس» في شهر يوليو 2021 كفيلم عيد الأضحى، وحقق نجاحًا جيدًا عقب عرضه. كما اختتمت العروض السعودية في «مهرجان أيام قرطاج السينمائية» 2022، بعرض العمل، وذلك ضمن مشاركة المملكة العربية السعودية كضيف شرف في الدورة الـ33 للمهرجان. هذا، بجانب حصد الفيلم جائزة الفيلم السينمائي الخليجي لعام 2020 و2021، في حفل «Murex d’Or» بنسخته الدولية الأولى المقامة في أتلانتس دبي.