عبدالله الأسمري
إن ما يجذبك لمشاهدة فيلم مغمور كهذا هو شعار «مستوحى من قصة حقيقية»، بالإضافة إلى شكل ملصقه الدعائي الجذاب الذي يحوي هاتفين متقاطعين ليس إلا. وفي افتتاحيته نستمع لمحادثتين ليس بينهم أي رابط، فالأولى كانت لكالين مع شركة الاتصالات، والأخرى لكريستينا تتحدث مع معالجها النفسي، حتى تتقاطع المكالمتان في خطأ نادر الحدوث، خصوصًا أنها بين مدينتين تبعد إحداهما عن الأخرى قرابة 450 كم.
قصة تبدو مألوفة
تحدث هذه الصدفة الغريبة المبنية على أحداث حقيقية في عام 1989 في أميركا، وبسببها تنشأ علاقة حب بين طرفين لم يكونا ليلتقيا ببعضهما سوى صوت فقط. هذه القصة بتلك المعطيات المستثنى منها الصدفة كانت تحدث مع إصرار طرفيها بالبحث عن علاقة في الجانب الآخر من الكوكب، وتحديدًا السعودية. ففي فيلم مها الساعاتي القصير «شريط فيديو تبدل» الصادر عام 2023 نتتبع فيه رحلة إياد، شاب كغالبية شباب الثمانينيات يريد لفت نظر أي فتاة والعيش معها أحلامًا رومانسية. سيلتقي صدفة أيضًا بمشاعل وتبدأ هذه العلاقة بينهما عندما يجد إياد في مشاعل فرصة لتبادل الحديث معها والحصول على شيء من الإعجاب. وأيضًا تجد مشاعل فرصة لعيش حلمها الرومانسي ببطل أسمر يتمرد ويكسر القوانين من أجلها.
فيلم «شريط فيديو تبدل» يختلف في نوعه عن فيلم «About Him And Her»، ولكن هناك مشاعر إنسانية مشتركة بينهما. فالمشاعر لا تعترف باختلاف الثقافات والأفكار، وسيظل التعلق والإعجاب حتى لو لم يريا بعضهما البعض، فهناك حالة تعلق غامضة تكون أقوى وطأة على النفس حينما يتحول الأمر إلى شكل أكثر جدية، ولكن على الطرف الآخر من الكوكب الموضوع أسهل بكثير. فهذه الصدفة كانت كفيلة باختصار سنوات عديدة مما لو كانت في السعودية، غير أنها كانت ستمر مرور الكرام لولا حدوث رابطة عاطفية سريعة بين كالين وكريستينا. وهنا نأتي للكتابة الفاتنة من قبل أيس مروزيك، الذي صنع شخصيتين متقنتين يشتركان في الكثير من الاهتمامات ينصب جلها حول الفنون من رسم وموسيقى وأفلام وشعر، وصنع من خلال هذه الاهتمامات حوارات يومية وبسيطة، لكننا نكتشف من خلالها ماضي الشخصيتين وأفكارهما وما يؤمنان به في شكل جذاب وممتع.
نقطة الغليان.. نقطة الالتقاء
طوال الساعة الأولى من الفيلم الذي تبلغ مدته ساعة ونصف جعلنا المخرج أيس مروزيك نكون الطرف الثالث في الحكاية؛ طرف لا يتدخل في مجريات القصة، ولكنه لا يتمتع بأي معلومة إضافية عن البطلين، فهم في الساعة الأولى كانا يتحدثان عبر الهاتف دون رؤية أحدهما للآخر. وهنا تشتعل مخيلة الإنسان في تركيب صورة خيالية عن الطرف الذي يستمع إليه، تمامًا مثل شعورك عندما تشاهد صورة لمذيع إذاعي اعتدت سماع صوته فقط دون رؤية وجهه، ستكون الدقائق الأولى صعبة في تقبلك لشكله بسبب الصورة التي رسمتها مخيلتك عنه.
برع المخرج أيس مروزيك في الساعة الأولى تحديدًا، بصنع هالة الرومانسية خيالية في أجواء مظلمة يشوبها بعض من الغموض حول العلاقة وإلى ماذا ستؤول إليه، بكاميرا كانت واسعة في الغالب وتضيّق نحو وجوه الممثلين في أوقات يتطلب الانتباه لها، وبتحكم رائع في جميع أدوات الصورة التي كانت تحكي القصة بشكل مبهر يدعو للإعجاب بتلك القدرة على جعل المشاهد مستمتعًا بحوارات يومية بسيطة وبصورة ليست مرتكزة في عمقها على شيء. فنحن لا نرى وجه الممثّلين إلى آخر نصف ساعة في الفيلم، يعني تقريبًا لا نرى الممثّلين إلا بعد مرور أكثر من ثلثي وقت الفيلم، وحالما يقرر الشخصيّتان الالتقاء ويستعدان لذلك نرى وجهيهما ونُصاب بنفس حالة مذيع الراديو. وتبدأ القصة في فصلها الثالث بأخذ منحنى آخر غريب نوعًا ما، وهو الأضعف في الفيلم. لا أريد الحديث أكثر عن الفيلم حتى لا أحرق أحداثه، وأريد أن تأخذوا نفس قدر المتعة الذي حصلت عليه من فيلم جيد ومختلف كهذا.