سوليوود «متابعات»
اعتاد «مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي» منذ سنوات بعيدة على الاحتفاء بالأفلام التي حفرت لنفسها مكانات تاريخية وفنية راسخة. ومنذ بضعة أعوام نظّمها في إطار برنامج مستقل يحمل عنوان «كلاسيكيات فينيسيا»، حيث لا يُستهان بالإقبال الجماهيري، ولا النقاد أيضًا على هذه الأفلام. الجمهور المحتشد لها هو من أهم أجزاء الصورة الشاملة لما يعرضه المهرجان من أفلام تعد أكثر من 300 فيلم في شتى برامجه وعروضه، لاسيما وأن العروض الكلاسيكية التي عاشت ليُعاد عرضها على الشاشات الكبيرة عوض استسهال البعض بالبحث عنها في المنصات المختلفة أو على الإنترنت لمشاهدتها بأحجام صغيرة وبنسخ قد لا تكون ناصعة ومرممة كتلك التي يوفرها المهرجان للحاضرين.
افلام مختارة
ومن بين هذه المنتجات يستوقفنا بعض الأفلام منها «الليل La Notte» لمايكل أنجلو أنطونيوني «إيطاليا»، و«الرجل الذي ترك وصيّته في فيلم «The Man Who Put His Will on Film» لناغيسا أوشيما «اليابان»، و«انعطاف نهر Bend of a River» لأنتوني مان «الولايات المتحدة»، و«الحرارة الكبيرة The Big Heat» لفريتز لانغ «الولايات المتحدة» وغيرها.
كذلك من الأفلام التي حظيت بمتابعة من قبل جمهور المهرجان الفيلم الياباني «الرجل الذي ترك وصيّته في فيلم» 1970 وهو دراما غموض عن طالب يملك كاميرا فيلم يسرقها منه شاب آخر. هذا السارق ينتحر. العلاقة بين ما صوّره الطالب الأول وكيف ترك تأثيره في المنتحر يمرّ بقناة من الغموض في فيلم لم يعمد أوشيما لنوعه بعد ذلك. والغموض لا يتوقف عند انتحار السارق، بل يستمر مع انتحار صاحب الكاميرا، أو احتمال ذلك لأن المخرج لم يشأ التحديد في فيلم ممنهج ليكون أقرب إلى التجريب.
من جهة اخرى مثّل جيمس ستيوارت حفنة من أفلام الوسترن التي أخرجها أنتوني مان و«انعطاف نهر» 1952 واحد منها. كلها جيدة بمستوى واحد من الحرفة والمهارة. الحكاية هنا هي لرجل قبل مهمّة إيصال شحنة من البضائع مقابل مال. شريكه في الرحلة «آرثر كنيدي» يميل إلى بيع البضائع لمجموعة تعرض مبلغًا كبيرًا من المال لشرائها ما يسبّب التباعد بين الرجلين اللذين كانا صديقين إلى ذلك الحين، الفيلم مشحون بالمواقف الحادة والتمثيل الجيد من الجميع بمن فيهم روك هدسون وجولي أدامز وآخرون في أدوار مساندة.
ممثلو فيلم «الحرارة الكبيرة»، ومنهم غلين فورد، ولي مارڤن، وغلوريا غراهام، جيدون كذلك في هذا الفيلم البوليسي 1953 الذي يلمع فيه فورد تحريًا قُتلت زوجته خطأ، بتفجير سيارة كان سيقودها. المسؤولية تتعارض ورغبته بالانتقام فيتخلى عن الأولى. غراهام هي المرأة التي يضربها القاتل لي مارڤن ويلقي على وجهه أبريق ماء يغلي فيشوّهها. ممتاز بين أفلام الفترة البوليسية.
ما سبق يشي بتنوّع كبير ليس في حدود اختلاف أسلوب التعبير الفني لكل فيلم، بل للكيفية التي يتحكّم فيها المخرج بمفرداته وقواعده السينمائية للوصول إلى أعلى مستوى من حسن التنفيذ.
هذا التنوّع الشديد يتوالى مع اختيار فيلم فرنسوا تروفو «البشرة الناعمة» 1964 الذي ينتمي إلى أعماله الدرامية ذات المنوال الرومانسي، يحكي قصّة ناشر يعيش حياة هانئة مع زوجته، لكن ذلك لا يمنعه من خديعتها مع مضيفة طيران التقى بها.
أيضًا هناك الفيلم الكوميدي «فتاته فرايدي» 1940 وهو من تلك الأفلام التي تميّزت بمهارة المخرج هوارد هوكس في الكتابة وفي إخراج هذه الكوميديات العاطفية، حيث كان في البطولة كاري غرانت في دور الصحافي الذي يسعى لإثناء زوجته «روزيلاند راسل» عن طلب الطلاق، غرانت لديه نموذج لا يتغير في التمثيل وهو هنا يمارسه بنجاح مثالي.
العالمون سينتبهون إلى أن الحبكة ليست بعيدة عن الفيلم الكلاسيكي الآخر «الصفحة الأولى The Front Page» الذي أُنجز مرّتين الأولى سنة 1931 على يد لويس مايلستون، والثانية الفيلم الأشهر الذي حقّقه بيلي وايلدر سنة 1974.
أيضًا فيلم «مارون يعود إلى بيروت» 2024 ليس كلاسيكيًا، ما يُثير التساؤل في اختياره بهذا القسم.