«تشابلن» يتحدث من منزله في كاليفورنيا عن الفيلم الجديد «السيد فيردو»، ورد الفعل الغاضب عليه من الصحافة الأميركية، وشعوره بالكارثة الوشيكة.
ترجمة: علي زين
هوليوود. أثناء وقوفه أمام مدفأته الإنجليزية الكبيرة، تحدث السيد «تشابلن» عن الفيلم الجديد الذي يشارك فيه الآن. سيعيد إحياء تشارلي القديم بملابسه الفضفاضة وأحذيته المضحكة. سيكون مهاجرًا من أوروبا، ليحط قدمه في الولايات المتحدة، ويصبح أعجوبة لمدة تسعة أيام، ثم يصيبه التعب من الأبهة والظروف، فيبحر مرة أخرى إلى أوروبا، ملوحًا بالوداع لتمثال الحرية. ما يجعل ذلك الشاب مشهورًا هو حقيقة أن الصدمة أعادت إلى ذهنه ذكريات حياة سابقة وهو يتحدث باللغة السنسكريتية. تحدث السيد «تشابلن» باللغة السنسكريتية بعزة، فسأله ضابط الهجرة وهو يصيح «ما هي اللغة التي تتحدث بها؟» مع استمراره في سرد القصة، تومض عيناه الكبيرتان وتنبض هاتان اليدان الرائعتان بالحياة، وهما زوجان من الدمى، يتحركان بسرعة في خطوط متوازية لشكل أشكال رائعة في الهواء.
«الأشخاص الذين عرفوه… لم يعرفوه حقًا»: من هو تشارلي شابلن الحقيقي؟
كانت نار الفحم مشتعلة في أمسية باردة في كاليفورنيا. وكان المضيف يرتدي ملابس التنس والنعال. كان ذلك بعد عشاء عائلي هادئ مع زوجته الرشيقة ذات العيون الداكنة «ابنة يوجين أونيل» وابنيه، اللذين يبلغان من العمر 20 و22 عامًا ويديران مسرحًا خاصًا كبيرًا. ويعتقد السيد «تشابلن» أن أحدهم يتمتع بموهبة تمثيلية حقيقية؛ إنه سعيد لأن الصبي رفض عرضًا للاشتراك في فيلم بقيمة 2000 دولار في الأسبوع على أساس أنه لم يكن ممثلًا جيدًا بما فيه الكفاية بعد.
أبيض شعر «تشابلن» الآن، لكنه يتمتع بقوام ورشاقة ملاكم خفيف الوزن. اللياقة البدنية مهمة بالنسبة له. إنه لا يدخن، ولا يحتسي الخمر إلا نادرًا، ويبتعد عن الحفلات الاجتماعية في الأوساط السينمائية. وبصرف النظر عن لعب التنس، فهو يعمل طوال اليوم. عندما يكون منشغل في إعداد فيلم يعمل في كثير من الأحيان دون استراحة من الإفطار حتى منتصف الليل «زودنا بهذه المعلومات كبير الخدم جون واتسون، بعد إلحاح منا وتردد منه، وهو بريطاني طويل القامة، ذو شعر أبيض، حاد الذهن من نيوكاسل». تشارلي شابلن لا يأخذ الحياة باستخفاف. يحب أن يجعل الناس يضحكون.
الحب الذي يأتيه من الملايين في جميع أنحاء العالم، الذين خفف عنهم وطأة الحياة بالقليل من الضحك، يجعله سعيدًا. ابتسم وهو يُخرج كومة من الطرود من إنجلترا تحتوي على عيون الثيران. ذكر بعض الكتاب أن تشارلي يحب عيون الثور وهي نوع من الحلوى الإنجليزية التقليدية ولا يستطيع إحضارها إلى هنا، ومنذ ذلك الحين تأتي الطرود من الإنجليز الذين تخلوا عن حصصهم من تلك الحلوى ليقدموا شيئًا للرجل الذي جعلهم يضحكون. لكن «تشابلن» لم يُخلق ليكون ممثلًا كوميديًا. فهو يحمل على عاتقه عذابات البشرية. فالمعاناة تحزنه، والظلم يوقظ روحه. كما أنه يرى نفسه كممثل ساخر.
السيد فيردو
يعتبر «السيد فيردو»، الفيلم الذي صدر قبل بضعة أسابيع، فيلمًا ساخرًا حقيقيًا بالنسبة إلى «تشابلن». وهو بمثابة نقد لاذع لما وصلنا إليه في العصر الحالي. قال: «أنا أحب فيردو». «لقد كان الفيلم الأكثر إثارة على الإطلاق من بين كل أفلامي». وبابتسامة خجولة وحركة جانبية لكلتا اليدين المفتوحتين؛ «إتبعت فيه طريقة كبار الساخرين الإنجليز، خصوصًا أسلوب دين سويفت».
السيد فيردو هو موظف سبق له العمل في بنك فرنسي أنيق، لكنه فقد وظيفته في فترة الركود ومن أجل إعالة أسرته المكونة من زوجته العاطلة والصبي ذو الشعر الذهبي المقيمان في كوخ مشمس، يتحول إلى الزواج من النساء الثريات ثم قتلهن. بعد كل جريمة قتل، يقوم بجمع الأموال، ويعدها بمهارة صراف البنك، ويتصل بوسيطه للقيام باستثمار المبلغ الاستثمار السليم. شعاره هو: أي عمل هو عمل. أدى الركود الثاني إلى تدمير مدخراته، فلم يجد أمامه إلا تسليم نفسه للشرطة بلا مبالاة لمصيره. وفي الزنزانة التي ينتظر فيها تنفيذ الحكم بالإعدام يدعوه الكاهن إلى التصالح مع الله. يقول السيد فيردو: «أنا في سلام مع الله». «مشكلتي مع البشر».
أقام السيد فيردو الصحافة الأميركية ولم يقعدها. فأميركا تكره الذين يشككون في أن النجاح الدنيوي هو دليل على رضا الله. أي شخص يشكك في الإيمان الأميركي بالتقدم والحضارة عرضة للهجوم بغضب لا يعرف حدودًا. كشفت الهجمات الصحفية على تشارلي شابلن خلال الأسابيع القليلة الماضية عن جانب مخيف من جوانب الحياة العامة الأميركية.
مؤتمر صحفي…
ذهب إلى نيويورك لمواجهة أول مؤتمر صحفي في حياته. قال لنا: «لقد جاؤوا كالذئاب». صرخوا في وجهي: هل أنت شيوعي؟ لماذا ألست مواطنُا أميركيًا؟ لقد كسبت أموالك في هذا البلد، أليس كذلك؟ لقد كان مشهدًا مزعجًا لي، لكنني استمتعت بالقتال. أخبرتهم أنني لست مهتمًا بالسياسة ولم أصوت قط. بكوني ممثلًا وفنانًا، يمكنني بالتأكيد أن أكون راضيًا عن نفسي بشأن ذلك. أخبرتهم أنني كنت دائمًا مناهضًا للوطنية المذمومة. وطني هو الإنسانية جمعاء؛ أحب الناس في كل مكان. حقيقة أنني ولدت في إنجلترا هو حدث كانت والدتي مسئولة عنه، وليس أنا. أما دخلي، فجزء كبير منه يأتي من خارج هذا البلد، ويأخذ العم سام الضريبة عليه؛ لذا فأنا ضيف مفيد يدفع الثمن.”
من الواضح أن «تشابلن» نفسه لا يحب أن يكون مكروهًا. إنه يشعر بعدم الأمان. يتساءل إلى أي مدى قد يذهبون في غضبهم. ومثل العديد من الليبراليين الأميركيين الآخرين، لديه شعور بأن الكارثة وشيكة.
وفي العام المقبل، ينوي تشارلي شابلن العودة إلى إنجلترا لدراسة خلفية فيلمه القادم الذي ستدور أحداثه في لندن. ستكون قصة مسرحية، «تُظهر بعضًا من هؤلاء الكتاب المعظمين في عالم المسرح، أبناء الله البسطاء المؤمنين به في عالم متوحش». ولا تزال القصة تنمو في ذهنه. هو دائمًا يفعل كل شيء بنفسه؛ يفكر في القصة ويكتب السيناريو والموسيقى وينتج ويخرج الفيلم. «هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنني من خلالها إرضاء موهبتي المسرحية». كقاعدة عامة يستخدم الأستوديو الخاص به في هوليوود، لكنه قد يقرر إنتاج أجزاء من تصوير فيلمه القادم في إنجلترا. وبينما كان يتحدث عن الأماكن الإنجليزية، قال إن بدايات حياته كانت هناك ولم يفقد أبدًا الشعور بأنه أوروبي. وبينما كان يتحدث، ظهر في ذهنه حلم كل طفل يولد شرق بو تشيرش: “ربما في يوم من الأيام، قال مبتسمًا: «أود أن أعيش في مزرعة في ديفونشاير أو كورنوال».
المصدر: theguardian