بيلا بالاش
ترجمة: محمد عثمان خليفة
نحن نفهم اليوم لا مجرد الموقف المعروض في أحد الأفلام فحسب، بل نفهم كل ظل من ظلال مغزاه ودلالته وإيحاءاته الرمزية. ومن الممكن أن نقيس سرعة تطورنا إلى هذا الفهم الجديد بالنظر إلى الأفلام القديمة. فنحن نضحك بصوت عال وخاصة على أكثر المآسى كآبة، ونجد صعوبة في أن نصدق أنه كان من الممكن أن ننظر إلى مثل هذه الأشياء المضحكة نظرة جدية منذ عشرين عامًا مضت «وقتئذ». ما هو السبب في ذلك؟ فالأعمال الفنية القديمة الأخرى لا تبدو لنا مضحكة ونادرًا ما نشعر بالرغبة في الضحك حتى بالنسبة لأكثر الفنون بساطة وسذاجة وبدائية.
ويعود السبب إلى أن الفن القديم يعبر عادة عن عقلية عصر سابق في شكل مناسب له. ولكننا نربط بين ما نراه في الفيلم وبين أنفسنا. ولم تصبح السينما «تاريخًا» بعد ولهذا فنحن نضحك على أنفسنا في الفترة الحالية. فالازياء لم تصبح بعد أزياء تاريخية ويمكن ان تكون جميلة ووقورة مهما بدت غريبة – إنها مجرد موضة العام الماضي ولكنها تبدو لنا اليوم مضحكة.
والفن البدائي هو التعبير المناسب للذوق البدائي والبراعة البدائية أما بدائية الأفلام القديمة فتعطينا انطباعًا بالعجز المضحك. فالرمح في يد شخص متوحش عار لا يبدو مضحكًا مثل الرمح فى يد أحد أفراد الحرس الوطني. وبينما يبدو منظر السفينة الشراعية البرتغالية التي يرجع عهدها إلى القرن الخامس عشر منظرًا جميلًا محببًا إلى النفس فإن القاطرات البخارية والسيارات الأولى تبدو مضحكة، لأننا لا نرى فيها شيئًا مختلفًا كل الاختلاف، شيئًا لم يعد له وجود، ولكننا نتعرف فيها على شكل مضحك ناقص للشيء الذي ما زلنا نستخدمه اليوم. ونحن نضحك منها مثلما نضحك من السلوكيات الغريبة التي تصدر في بيت القرود، لأن القرود شبيهة بنا.
لقد تطورت الثقافة السينمائية بسرعة كبيرة لدرجة أننا ما زلنا نتعرف على أنفسنا في بدائيتها الغليظة. وهذا هو السبب في أن هذه الثقافة بالغة الأهمية بالنسبة لنا، هذا الفن الذي هو في متناول الملايين من الناس العاديين.
الفن لا يتطور
يجب أن ندرك أنه بينما نجد للفن تاريخًا، فليس له تطور بمعنى النمو أو الزيادة فى القيم الجمالية. فنحن لا نعتبر لوحات رينوار او مونيه أكثر قيمة أو أكثر كمالًا من لوحات كيمابو أو جيوتو. ليس هناك تطور في الجانب الموضوعي من الفن، لكن هناك تطورًا من جانب أولئك الذين يتذوقون الفن أو من هم خبراء في الفن. وليس للثقافة الفنية تاريخ فقط، بل لها أيضا نمو وتطور في اتجاه معين فالحساسية الإنسانية الذاتية والقدرة على فهم وتحليل الفن قد تطورت بصورة عملية فى الثقافات المستمرة، وعندما نتحدث عن تطور القدرات الإنسانية «الذاتية» فإننا لا نقصد بحديثنا تطور القيم الجمالية. ومثال ذلك أن اكتشاف المنظور وتطبيقه فى الفن لم يتضمن في حد ذاته زيادة في القيم الفنية، وكل طالب فن مهما كان جاهلًا وغير موهوب فإنه يتعلم اليوم فى المدرسة قواعد رسم المنظور، لكن هذا لا يجعل منه فنانًا أعظم من جيوتو، الذي لم يكن يعرف شيئًا عن هذه القواعد. ولن يكون الأول فنانًا أعظم من جيوتو، لكن حساسيته البصرية وثقافته سيكونا على مستوى أعلى. لقد لعب اكتشاف قواعد رسم المنظور دورًا في تطور الثقافة الإنسانية أكبر كثيرًا من دوره في تطور الفن. لقد أثرى ثقافة العين أكثر مما أثرى ثقافة الرسم. كما انتشر بطبيعة الحال في طريقة الرسم، لكن ما هو أهم من ذلك كثيرًا أنه أصبح عنصرًا لا يمكن الاستغناء عنه في الحياة اليومية للإنسان المتحضر.