ماني بيتجار
ترجمة: علي زين
الجنة قريبة من هنا.. مرت أربع سنوات ونصف على موافقة تلفزيون إس بي إس على صناعة فيلم وثائقي عن السينما الإيرانية. بينما كنا نعمل في المراحل الأولى من البحث والتحضير مع المنتج، كلود جونزاليس، نشر حوار بين كوروساوا وكياروستامي في مجلة الفيلم الدولية. رأينا أنه من الرائع لو قدم السيد كوروساوا تعليقاته على فيلمنا. وإذا كان ذلك ممكنًا، فإنه سيعطي الكثير من التقدير للسينما الإيرانية وكذلك للفيلم الخاص بي. تذكرت دونالد ريتشي، المؤلف والناقد السينمائي الأميركي، الذي عاش في اليابان خمسين عامًا مضت، واعتقد أنه الشخص المثالي لمساعدتنا على التواصل مع السيد كوروساوا. كتب ريتشي 22 كتابًا عن الثقافة والتاريخ والسينما اليابانية. أيضًا قام بإعداد ترجمة الشاشة لبعض الأفلام اليابانية باللغة الإنجليزية، منها بعض أحدث أفلام كوروساوا. كتبنا خطابًا لريتشي، وتلقينا ردًا يفيد أنه منذ إعطائه تقييمات ضعيفة لآخر فيلمين لكوروساوا، شعر كوروساوا بالإساءة. واقترح أن نتجنب ذكر اسمه، ولكنه أعطانا النصح حول كيفية الاقتراب منه. بعد حوالي شهر، تلقينا ردًا من مكتب كوروساوا: «أنا ابن شقيق كوروساوا ومدير إنتاج أفلامه. لقد أبدى السيد كوروساوا الاهتمام بلقائكم. ويريدكم أن تزودوه بالتفاصيل، ومنها التاريخ المزمع لإجراء المقابلة». لم نكن متأكدين من قصدهم بالتفاصيل.
بالطبع حصلنا على بعض التلميحات، ولكن دونالد ريتشي قال الكثير عن الاختلاف بين الثقافتين اليابانية والغربية لدرجة أننا لم نعد واثقين في قراراتنا. لذلك، اتصلنا مرة أخرى بريتشي وأخبرنا بأن نقلل طاقم التصوير والإضاءة بقدر الإمكان، وأن نقيد وقت المقابلة بساعة واحدة. كتبنا التفاصيل وأرسلناها بالفاكس إلى مكتب كوروساوا. بعد عدة أيام، تلقينا الرد النهائي والتأكيدي مع التاريخ المضبوط، وساعة المقابلة ومكانها، وهو إحدى فيلات كوروساوا في جنوب طوكيو، قرب جبل فوجي. وأرسلوا لنا بالفاكس خريطة للمنطقة ومسافتها من طوكيو، وكذلك الاتجاهات المكتوبة من محطة القطار المحلية إلى الفيلا.
لعدة أيام كنا في حالة دوار. لم نصدق أن كوروساوا البالغ من العمر 83 عامًا قد منحنا مقابلة. نادرًا ما يقبل المقابلات، وقد وافق فقط ليحضر مؤتمرًا صحفيًا لفرز آخر فيلم له. تواصلنا بالسيد دونالد ريتشي لشكره على النصيحة. قال: «أخبرتكم أنه سيوافق على المقابلة لأنكم أجانب، خاصة لأنكم إيرانيون». أجانب، للسبب الذي جعل كوروساوا غير حريص على وسائل الإعلام والصحافة والنقاد والجمهور الياباني، لأنهم كانوا غير مبالين بأفلامه، وإيرانيون لأن ريتشي علم عبر أصدقاء مشتركين أن كوروساوا كان مغرمًا للغاية بأفلام كياروستامي.
في يونيو 1994، انطلقنا إلى طوكيو مع كاميرتي فيديو ومصباحي إضاءة. كنت متوترًا للغاية على طائرة طوكيو، كما لو كنت سأقابل كوروساوا فور النزول من الطائرة. رغم النفقات في طوكيو، خططنا للوصول قبل المقابلة بخمسة أيام. أردت أن يكون لدي وقت كاف للتمكن من الحصول على طوكيو كوروساوا وأوزو. ستكون المقابلة في اليوم السادس وسيكون لدينا يوم إضافي للنظر في مادة المقابلة، قبل أن نغادر طوكيو في نهاية الأمر. في الغالب كنت متوترًا لأن كوروساوا، في خطابه الثاني، طلب أن تكون الأسئلة عفوية وليست معدة. كيف يمكن أن يكون ذلك ممكنًا؟ ماذا لو توقف عقلي ولم أتمكن من التفكير في طرح سؤال؟ لم يمكنني المخاطرة بذلك، لهذا اضطررت إلى حفظ الأسئلة «على الأقل ثلاثة أو أربعة منها»، ورؤية الاتجاه الذي ستأخذه المقابلة بعد ذلك.
صدقًا أقول، فإن مخرجي الياباني المفضل هو أوزو. يعجبني كوروساوا لأعماله الحضرية «خاصة Up and Downs». ولكن كما تعرفون، فإنه مشهور أكثر بأعماله الملحمية. أول خمسة أيام، تصرفنا كسياح. سألت ريتشي عما لو كانت هناك ضواح مثل أوزو تبقت في طوكيو. لحسن الحظ، قال إن مجاورته كانت إحداها. ولكن، لا أعرف لماذا تجمعت آرائي الأولية في طوكيو في المقابر الجميلة والهادئة. كانت الأماكن الوحيدة التي يمكن أن تترك فيها وحدك. على أية حال، شاهدنا كل ما نستطيع مشاهدته في طوكيو. مرت خمسة أيام من الذهاب للمعابد، والمجاورات الجديدة والقديمة والنوم في الفنادق الرخيصة. وبعد ظهر يوم السبت 11 يوليو 1994، ركبنا قطارًا وسافرنا مسافة ساعة ونصف إلى فيلا كوروساوا. أخذنا في الاعتبار جميع المعيقات المحتملة حتى لا نصل هناك بعد الساعة الثالثة مساءً، وقت موعدنا المنتظر. وعندما خرجنا من محطة القطار المحلية، لاحظنا موقعًا ريفيًا، ولكن السيارات الفارهة وهوائيات التلفاز الضخمة ذكرتنا بالتكنولوجيا الحاضرة دومًا في اليابان.
وصلنا «المنتج كلود جونزاليس والمترجم هوشان راستي» هناك في تمام الثالثة. «بالطبع أمضينا بعض الوقت في المحطة بحيث لا نصل هناك مبكرًا أكثر من اللازم». وبينما كان التاكسي يقترب من فيلا كوروساوا فوق التل، لاحظنا رجلًا في الخامسة والثلاثين يخرج من المنزل ويسير عبر الساحة إلى مدخل السيارات ليقودنا إلى المدخل. بين المدخل والباب الرئيسي المؤدي لغرفة المعيشة كانت هناك مساحة، كما في البيوت الإيرانية، يخلع فيها الجميع أحذيتهم. غرفة المعيشة كانت ضخمة تمامًا وبها نوافذ كبيرة على ثلاثة جوانب تطل على جبل فوجي. قادونا إلى منضدة في أحد أركان غرفة المعيشة. وسئلنا عن الوقت الذي نحتاجه للاستعداد. سألت مساعده أين يفضل السيد كوروساوا أن يجلس. أشار إلى كرسي ولاحظت أن هناك مروحة تواجه ذلك الكرسي. كنا في منتصف الصيف والجو شديد الحرارة. كنا نتصبب عرقًا ذكرتنا الحرارة بيأس المفتش «توشيرو ميفون»، في فيلم كوروساوا الكلب الضال.
قدموا لنا المشروبات الباردة على الفور: قهوة مثلجة يعلوها كريم مخفوق. لن أنسى مذاق ذلك المشروب الذي كان منعشًا للغاية، ولكن غير كاف لي. على أية حال، عندما ذكرنا لمساعده أننا كنا جاهزين دخل السيد كوروساوا بعد دقيقتين. وتبعته امرأة تناهز الخامسة والثلاثين، أعتقد أنها ابنته. اقترب كوروساوا نحونا وبعد التحيات والمصافحة جلس في كرسيه المفضل. أحضر منتجنا له هدية: كتاب عن بعض مناظر أستراليا الطبيعية، يقع في صفحتين. حيث أن السبب الأساسي لطلب تلك المقابلة كان سماع رأيه عن كياروستامي، أردت أن أتجاوز ذلك الجزء بسرعة، وكنت آمل بعد ذلك أن أنتقل للجوانب الشخصية في أفلامه الخاصة.
سيد كوروساوا، كنت أتساءل كيف تعرفت على السينما الإيرانية؟
أول فيلم رأيته كان فيلم كياروستامي. أثناء حكم الشاه، دعيت إلى إيران للتحكيم في مهرجان طهران السينمائي وهذا ما رفضته لأنها مسئولية كبيرة. بعد الثورة، شاهدت فيلم السيد كياروستامي «أين منزل الصديق؟» واندهشت كثيرًا من جودة صناعته. ثم أخذ في وصف أفلام كياروستامي، وتحدثنا عن التشابه بين فيلمه مادادايو وبين فيلم كياروستامي «أين منزل الصديق». الشاشة تشبه مربع كبير يمكن فيه للجميع أن يتجمعوا ويتحدثوا سويًا. على سبيل المثال، أجلب للشاشة مشاكل بلدي وكذلك يفعل كياروستامي. يصدع الممثلون بكلماتنا ويمسون قلوب الجميع، وهذا هو دور حوار السينمائيين مع بعضهم البعض. وهذه مسئولية السينما. يجب أن تصنع الفيلم بقلبك وليس بعقلك. أعتقد أن صناع الأفلام الشباب نسوا ذلك ويقومون بصنع الأفلام باستخدام الحسابات. لهذا لم يعد هناك جمهور للأفلام اليابانية. بكل أمانة، يجب أن تصنع الأفلام لتستهدف القلوب. خلال عصر أوزو، مرشدي وكذلك في عصري، لم يكن صناع الأفلام يقومون بذلك استنادًا إلى النظرية والحسابات، ولهذا كانت سينما اليابان قادرة على تشكيل عصرها الذهبي. صناع السينما الشبان يستخدمون تقنيات مهينة للجمهور. هذا خطأ. لابد أن تخدم السينما وتصنع أفلام تحفز الجمهور. في نهاية الأمر، ينبغي أن يكون الهدف صناعة فيلم فني؟ الأمر بسيط، أليس كذلك؟
في أفلامك القديمة كان هناك اهتمام دائم بالمواقف الإنسانية. من أين ينبع ذلك؟
عند الحديث عن الإنسانية في اليابان، يفكر الجميع في مواضيع وقصص معقدة. ولكن، أيًا كان ما يشعر به الإنسان العادي، نحن نحاول أن نسقطه على الشاشة بطريقة أمينة. هذا كل ما في الأمر.
كنت مهتمًا بالسينما الأميركية؟
يمكن القول أن أفلامًا أفضل بكثير صنعت في الماضي هناك. اليوم تقدم السينما الأميركية الخدمة الخطأ للجمهور. نرى العنف وتحطيم السيارات. ما الممتع في رؤية تلك المشاهد؟ الأفلام الأميركية القديمة كانت تعبر جيدًا عن المشاكل الإنسانية، لكن اليوم السينما الأميركية لديها مشاكل. ليس هناك شك أن فيلمًا مثل الحديقة الجوراسية مثير للاهتمام، ولكن كان هناك أفلام أكثر تأثيرًا في الماضي. على النقيض، فإن أفلامًا، مثل أفلام كياروستامي، تمس القلب وبشكل جميل للغاية. أفلام الخيال العلمي والحركة الجديدة جيدة ولكنها ليست سينما.
مقارنة بالسينما كترفيه، كيف تعتقد أنه بإمكان سينما العالم الثالث الفنية أن تجذب الجمهور الغربي؟
لقد سممت الحضارة الإنسانية. صلب الفيلم الجيد هو الشخصية الإنسانية لصانع الفيلم. لو لم نكن أمناء مع أنفسنا، لن نتمكن أبدًا من صنع أفلامًا محترمة. فعليًا، لا يعني هذا أن جودة الحال بأي دولة تعني بالضرورة قدرتها على صنع أفلام جيدة. الشخص الذي يمكنه صنع أفلام جيدة يعرف كيف يشق طريقه إلى قلب المشاهد؛ مثل جون فورد، جان رينوار، جون هوستون، فيدريكو فيليني، انجليوبولوس، سيدني لوميت… لقد قابلتهم جميعًا وتحدثت إليهم. بقدر تميز أعمالهم، كانوا أيضًا شخصيات متميزة. كان من السهل للغاية أن تنشئ علاقة ودية معهم، وهذا أمر بالغ الأهمية. الناس الذين يصورونهم على الشاشة في أفلامهم ليسوا شخصيات محددة مسبقًا «مقولبة». إنهم يعبرون عن المشاكل البشرية بطريقة طبيعية. ولهذا فإن أفلامهم ساحرة. سيدني لوميت صديق مقرب لي، وعندما نجلس معًا لنتحدث فإننا لا نناقش السينما أبدًا. نناقش أمورًا تافهة، أو مشاكل اجتماعية أو هواياتنا، ونستمتع بذلك كثيرًا. يسألني المراسلون دائمًا عن محتوى فيلمي وأخبرهم أن هذا غير موجود. إنني أقول أشياءً عادية. لا يفترض أن يكون الفيلم محاضرة.
قلت شيئًا عن الإنسانية في اليابان. هل يمكنك التفصيل في ذلك؟
يمكنني التحدث في السياسة أيضًا، لكنني أميل للتحدث عن الناس أكثر. على سبيل المثال، فإن أنواع البشر التي كانت موجودة في الماضي لم تعد موجودة الآن. المجتمع يتجه نحو الفساد. في الماضي لم يكن لدينا فائض من وسائل الترفيه، بيد أن الإنسان كان يعيش بطريقة طبيعية. الآن لدينا على الدوام أخبار القتلة والعنف في التلفاز الياباني والجرائد. عندما كنت شابًا، كان من النادر حدوث جرائم القتل، ولو ارتكبت لأثار ذلك قدرًا كبيرًا من اللغط. سمعت أن الأمر أسوأ في أميركا. في الماضي، كان الناس أكثر تهذيبًا.
ما سبب ذلك في رأيك؟
في اليابان تقدم المجتمع في نمو سريع، وكانت عملية غير طبيعية. فقدت الحياة اليومية إيقاعها الطبيعي. لكي تعيش، صار عليك العمل أكثر من قدراتك. ولهذا زاد عدم الاستقرار بين الناس.
في خضم كل ذلك، ما هي مسئولية صانع الأفلام في رأيك؟
مؤخرًا تصنع أفلام أقل بهجة. أفلام الياكوزا «المافيا اليابانية» أو الأفلام الأميركية العنيفة المشابهة أصبحت جذابة بشكل غريب، وهو توجه خطير، خاصة لأن له تأثير سلبي على الأطفال. لقد سمعت مؤخرًا أن شابًا إنجليزيًا ارتكب جريمة مروعة. متى أصبح العنف عملًا عاديًا، فإنه يشوه عقول الأطفال وأفكارهم.
تبدو كأنك تنبذ العنف؟
نعم، أفعل. المشكلة الحقيقية اليوم هي طريقة التدريس والتعليم، التي تسبب ظهور تلك الميول. في اليابان اليوم، أصبح النظام التعليمي مصدرًا للدخل. أنا لا أسمح لحفيدي بالذهاب للمدرسة. يصعب إيجاد مدرس مسئول في مدارس اليوم. كان هناك أساتذة مميزون في نظامنا التعليمي. كما توحي قصة مادادايو، فقد تعلم الطلبة من سلوك المعلم أكثر مما درس لهم. وبالتالي، متى تخرجوا، فإنهم يظلون أوفياء لمعلمهم. أحد المواد الدراسية كان علم النفس والفلسفة، وهي مناقشة لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان، ولم يعد ذلك جزءًا من المنهج. قبل الحرب، كان المنطق يدرس كهدف للجيش، وبعد الحرب أصبح تدريس المنطق محظورًا. المشكلة كانت في طريقة تدريسه «لصالح الجيش»، وليس في الموضوع ذاته. إنه خطأ فادح. في الماضي كانت المدارس تضع أهدافًا كبيرة في تعليم الطلاب. ولكن اليوم، يحدث العكس. من الصعب للغاية الالتحاق بالجامعة في اليابان اليوم، غير أنه يكفي أن تلتحق، وتتخرج بعد عدة سنوات دون أي تعليم أو تدريب. على النقيض، في الغرب ليس من الصعب للغاية أن تلتحق بالجامعة، ولكن المواد تدرس بصرامة وإذا لم تتمكن من اجتيازها فلن تحصل على المؤهل. من حيث النظام التعليمي، سلكت اليابان الطريق الخطأ. يطلب من السياسيين باستمرار أن يعيدوا النظر في هذا الأسلوب الخاطئ. من سوء الطالع أن عدد الشباب الجهلة آخذ في ازدياد.
لقد صنعت أفلام عن القنبلة الذرية. هل تعتقد أنه مع سقوط روسيا، تراجع إلى حد ما خطر استخدام الأسلحة النووية؟ هل ستقدم أفلامًا أخرى في ذات الموضوع؟
أول فيلم بعنوان «أعيش مع الخوف» وفيلم آخر بعنوان «طرب في أغسطس»، قدما عن القنبلة الذرية. هناك حلقة من برنامج فيلم دريمز كرست لنفس الموضوع أيضًا. الاهتمام بالقنبلة الذرية مهم للغاية. على سبيل المثال، بسبب نقص الطاقة فإن الطاقة النووية تستخدم، لكنهم لا يعرفون بالضبط كيفية التخلص من النفايات النووية. لذلك أرى الأخطار التي نواجهها. لو كان هناك نقص حقيقي في الطاقة، يمكننا أن نحاول الحفاظ على الطاقة. في طوكيو، يستخدمون الكهرباء كما لو كان الغد لن يأتي. هذا غير ضروري. فقط لو أمكننا أخذ خبرات موظفي محطات الطاقة وتوجيهها نحو صنع الطاقة باستخدام الرياح أو الموارد الطبيعية. أعتقد أن التخلص من النفايات النووية موضوع شديد الأهمية.
كيف تنعكس تلك المخاوف في فيلمك التالي؟
إنها قصة بسيطة عن الناس ومشاكلهم النفسية. ينبغي أخذ مسألة التعاطف بشكل أكثر جدية. في السابق، كان الناس يؤثرون على أنفسهم. وعندما ننظر الآن إلى الماضي، ندرك النعمة التي كنا فيها، رغم أن الأمر كان غريزة طبيعية. لو ظهر على الشاشة، أعلم أنه سيكون فعالًا. في الماضي، كانت العلاقة بين الجيران دافئة وصادقة، بينما الآن لا أحد يعرف ما يفعله أقرب جار له، ولا أحد يهتم. جاري خباز، ولديه مخبز قريب. كثيرًا ما يحضر لي خبزًا طازجًا. مازلت أعتبر تلك الصداقات مهمة. «في كثير من الحالات، أردت التحدث عن بعض أفلامه لكنه بدا رافضًا. أي حديث عن الأسلوب أو الجماليات كان يضجره. عند نقطة ما قال: «الأسلوب؟ أي أسلوب؟ نحن نعبر فقط عن قصص إنسانية بطريقة بسيطة للغاية». عندما سئل عن المعايير التي يستخدمها لإظهار العنف في أفلامه أو درجة العنف المستخدمة، أجاب «لم أستخدم العنف قط في أفلامي». اعتقدت أنه من الوقاحة أن نذكر مشاهد العنف في فيلم Ran؟ حيث أنه كان يتحدث عن القتل والجريمة، حاولت أن أضع سؤالي التالي بطريقة تشير نوعًا إلى فيلم دريمز، على أمل أنه قد يشجعه على التحدث عن فيلمه. ينبغي أن أذكر أنه رغم أن الكثير من النقاد وعددًا من أساتذتي لا يحبون فيلم دريمز لكوروساوا بالتحديد، فإنني مغرم به للغاية».
الجنة قدمت بشكل رائع في نهاية فيلم دريمز.؟ هل يمكنك أن تعطينا تفاصيل أكثر عما كنت تعتقده حول سمات تلك الجنة؟
لقد بحثنا كثيرًا عن موقع مناسب لذلك المشهد. ضفاف الكثير من أنهار اليابان رممت بالأسمنت مؤخرًا. عانينا حقًا. أخيرًا، تم تصوير بعض اللقطات في المنطقة القريبة من هذا المنزل. طواحين الرياح صنعناها بأنفسنا، وبعضها ما يزال قائمًا «لم يقل المزيد، ولكن مرة أخرى حاولت الالتزام بموضوع أفلامه».
ما نوع الخبرة التي حصلت عليها في الإنتاج الأجنبي المشترك والأفلام ذات الميزانية الكبيرة؟
كان لدي عرض من روسيا. لقد قرأت درسو إوزالا من قبل، واقترحت صنع ذلك. اعتقدوا أنها فكرة عظيمة. لقد سألوني كيف عرفت ذلك الكتاب. أخبرتهم أنني قرأته قبل دخول عالم السينما. شخصيات هذه القصة لديهم نفوس جميلة للغاية. بعد التصوير، لاحظت أنه في إحدى بلدات سيبيريا، كانوا يعرضون تماثيل للشخصيتين الرئيسيتين في القصة. في ذلك الوقت، اعتقدت أنه ستكون لدينا مشاكل كبيرة مع اللغة الروسية. ولكن الممثل الرئيسي لم يتحدث الروسية جيدًا كذلك وكان في نفس موقفنا. لذلك تمكننا من التواصل جيدًا. ذات يوم، حدث شيء طريف: الممثل الذي يقوم بدور القبطان كان يقول سطوره عندما قلت توقف. جرى نحوي وقال، «هل تفهم لغتي؟ لقد ارتكبت خطأ في الحوار، ولكنه طفيف لدرجة أنني لم أظن أن أجنبيًا مثلك قد يدركه». قلت له «أنا لم أفهم ما قلت، ولكنني شعرت بعدم تأكدك وأنت تقول سطورك». «بعد ذلك أشار كوروساوا إلى أحد ساقيه، مما ذكرني أنه دخل الغرفة بعرج خفيف. لقد أخبرنا أن هذه الساق عانت من عضة الصقيع في البرد الروسي، وكانت تضايقه منذ ذلك الحين».
هل يمكنك إعطائنا بعض التفاصيل عن فيلمك الجديد؟
أردت أن أبدأ التصوير في هذا الصيف، لكن الممثلة الأساسية أصبحت حاملًا. والآن علينا انتظارها. لم أذكر ذلك لأي شخص. لقد طلبت منها ألا تحمل ولكن يبدو أن طلبي جاء بعد فوات الأوان. لقد فكرت في الإجهاض، ولكنني أخبرتها ألا تحاول التفكير في ذلك وأن تلد طفلًا قويًا. لقد أخبرتها أنني سأؤجل التصوير وأنتظرها. «لم يصنع هذا الفيلم على الإطلاق. من شاهدوا آخر فيلمين لكوروساوا يزعمون أن أفلامه أصبحت عاطفية نوعًا. لاحقًا، عندما شاهدت شرائط المقابلة، خاصة في اللقطات القريبة، لاحظت القلق والحزن الذين ظهرا على وجهه بينما كان ينتظر من مترجمي أن يترجم ما قاله. يميل اليابانيون لإخفاء مشاعرهم أكثر من الإيرانيين، ولكن حتى كوروساوا العظيم لم يتمكن من الهروب من لحظات الانكشاف التي يمكن للكاميرا فقط أن تلتقطها».
حركة مساعده وابنته جيئة وذهابًا في الخلفية «لكن بعيدًا عن مجال الكاميرا» ذكرتنا بنفاد الوقت. نظرت إلى ساعتي؛ خمس وخمسون دقيقة مضت منذ وصولنا، لكننا لم نجادل بدقة بشأن الدقائق العشر التي مرت في التجهيز! إنني مجبر على طرح سؤالي الأخير.
ما الذي تعتقده في تاركوفسكي كصانع أفلام وكصديق؟
كان رجلًا رائعًا. كان عزيزًا وأخًا أصغر لي. كنت قلقًا عليه لأنه هش للغاية. أزعجني وفاته للغاية (في تلك اللحظة أطرق كوروساوا. أقول «إنني آسف، لم أقصد إزعاجكم». ولإعطائه بعض الوقت ولتغيير الجو في نهاية المقابلة أقول.
روح الدعابة لديك جعلت الحياة أكثر احتمالًا لك، بينما مرارة تاركوفسكي ربما كانت أكثر من اللازم؟
كان شديد الضعف، حساسًا، ومريضًا. «انتهت المقابلة بنبرة حزينة من جانبه، وحاولت أن أجد وقتًا مناسبًا لشكره عبر مترجمنا الفوري، ولكن كوروساوا استمر. كان يبدو شديد الاستغراق فيما كان يقول»: في الماضي، كان أصدقائي من صناع الأفلام وشركائي يمرون دون موعد. كنا نجلس نتحدث ونشرب. في الأعوام الأخيرة، لا يظهرون حتى عندما أدعوهم.
أجبرت على إنهاء المقابلة. كانت ابنته ومساعده يقفان في اللقطة الطويلة. تحركا نحونا وقدما لنا مشروبًا آخر. جمعنا المعدات، ولكن كوروساوا استمر في الحديث عن ذكرياته. كان يبدو أنه في فترة حظه. شربت قهوتي المثلجة سريعًا وبمساعدة مترجمي وكلود وضعت الكاميرات في حقائبنا حيث أن كوروساوا كان واقفًا ولا ينوي أن يذهب لأي مكان حتى نخرج. كنا متحفزين للمغادرة سريعًا بحيث لا نجعله يقف طويلًا على ساقه المؤلمة.
تبعنا إلى ردهة المدخل. كنت أربط حذائي، واستمر في الحديث معنا. أتينا بحماس كبير للقاء السيد كوروساوا والآن حان وقت المغادرة، ولكن وسط الزيارة كانت هناك عدة لحظات من الهدوء السعيد، تمكن خلالها أربعة من البشر أن يتجاوزوا حواجز الألقاب والأسماء والعرق واللغة وتتلاقى أعينهم. بالطبع، من المناسب أكثر أن نقول أن ثلاثتنا كنا قادرين على الإصغاء لأستاذ مسن دون أن تجرفنا قوة اسمه. يقال إنه دكتاتور سيئ الطبع في العمل، رغم أننا لم نر سوى التواضع والعطف. لكن يجب أن أقول أنه بدا وحيدًا إلى حد ما. قبل أن يتركنا، وصل التاكسي. وأثناء الانحناء للتحية على الطريقة اليابانية خرجنا نسير للخلف، لوح كوروساوا لنا من فوق السلم. انطلق التاكسي وبدأنا النظر في الغابات والبساتين المحيطة. ثم لاحظت مناطق ذكرتني بمشاهد من الحلقة الأولى من دريمز. كان التاكسي يتحرك بسرعة ولسبب ما لم أفكر في أن أطلب من السائق أن يبطئ أو يتوقف حتى نصور قليلًا. لم يخطر ببالي حتى أنه بإمكاننا التصوير. لذلك، فإن ذاكرتي ليس بها سجل للماضي، لكنني لا يمكن أن أنسى الشعور الذي خلفته لدي مقابلة كوروساوا، وكل الانطباعات التي مرت بذهني عندما تركنا هذه الشخصية الخالدة في تاريخ السينما اليابانية واقفًا أمام منزله. عندما كان كوروساوا يتحدث إلينا على الباب، أشار إلى إحدى النوافذ وقال «يمكنكم عادة رؤية جبل فوجي من هنا، ولكن غير مرئي اليوم بسبب التلوث».
المصدر: cinephiliabeyond