قد تعتقد أن أفلام الرعب هي متعة لذيذة وقذرة في نفس الوقت. لكن مشاهدتها لها آثار صحية مدهشة.
ترجمة: سومر جباوي
أنا باحث متفرغ متخصص بدراسة أفلام الرعب ضمن مختبري الخاص. أقوم بقراءة روايات «ستيفن كينج Stephen King» قبل النوم. أشاهد أفلام «السلاشر Slasher» في عطلات نهاية الأسبوع، وألعب ألعاب فيديو عن رعب البقاء عندما يكون لدي لحظة فراغ.
ولكن لم يكن الأمر كذلك دائمًا. أول مرة رأيت فيها فيلم رعب في صالة سينما، غادرت في منتصف الفيلم. كان الأمر شاقًا على فتى في سن الرابعة عشرة. كنت هناك في ظلمة السينما، أحدق في الوحوش تتقافز على الشاشة وأستمع إلى المراهقين الآخرين وهم يصرخون من حولي بسرور. تحولت الإثارة القلقة إلى رعب يوقف القلب عندما كشفت تلك الوحوش التي تظهر على الشاشة عن طبيعتها المتعطشة للقتل والتقطيع المروع.
كان ذلك عارًا لم أتعافى منه تمامًا. إنه العار الحارق الذي نجم عن مغادرة الصالة قبل انتهاء الفيلم، وهو شيء مازال حاضرًا في ذهني تمامًا مثل الرعب الصاخب الناجم عن مشاهدة الأعمال الدموية لتلك الوحوش القاتلة.
هناك مشهدًا واحدًا ما زال محفورًا في ذهني. عندما كانت الشخصية الرئيسية، وهي امرأة شابة عاطفية وجذابة، على وشك تبادل القبل مع الشاب الوسيم الذي تواعده، يتحول وجهه الوسيم فجأة إلى مظهر وحشي يشبه القطة، وفم مليء بالأنياب الحادة. تنجح الفتاة في صده وتهرب منه مستنجدةً بشرطي قريب من المكان، يقوم الشرطي بمساعدة المرأة الباكية في الدخول إلى سيارته الشرطية. وأخيرًا تبدو قد نجت! ولكن بعد ذلك، يظهر الرجل القط الوحش خلف الشرطي وفي يده قلم رصاص. يغرزه بنهايته المدببة في أذن الشرطي يصاحب ذلك صوت لزوجة وقرقعة خفيفة. يسقط الشرطي، ويهوي على جانب رأسه الذي يبرز منه القلم… مع صوت آخر لزج ومقرقع.
على الرغم من كل ما فيه من مشاعر غير سارة وعنيفة، إلا أن تجربة مشاهدة هذا الفيلم، بعضًا منه على أي حال، أشعلت فضولي. لماذا يبدو أن جميع المراهقين الآخرين من حولي يستمتعون بهذا الفيلم المشوه «السائرون في نومهم Sleepwalkers» من إنتاج عام 1992 إذا كنت تتساءل عن اسم الفيلم.
فعلاً، لماذا يبحث كثير من الناس طواعية عن الترفيه الذي يهدف إلى صدمهم وإرعابهم؟ ماذا يحققون من ذلك؟ هل هو تشويق، هل هو صدمة للجهاز العصبي، أم أن هناك شيئًا أعمق يحدث؟
تأتي أفلام الرعب بأشكال متنوعة، يمكن تقسيمها إلى نوعين فرعيين رئيسيين: الأول القوى الخارقة للطبيعة «فكّر في الأشباح الصارخة، والزومبي المتعفنين، والأعمال المقززة التي تصدم العقول»، والنوع الثاني الأعمق نفسيًا «والذي يشمل القتلة المتسلسلون المقنّعون، وأصناف الزواحف العملاقة». ومع ذلك فإن الأمر المشترك بينهم جميعًا هو أنهم يهدفون إلى إثارة كتلة من المشاعر السلبية، مثل الخوف والقلق والاشمئزاز والرهبة. كما أنها بدأت تميل إلى أن تحظى بشعبية هائلة.
وفقًا لاستطلاع أجريناه أنا وزملائي قبل عدة سنوات، فإن أكثر من نصف الأميركيين المشاركين، حوالي 55% يقولون أنهم يستمتعون بوسائل الترفيه «المخيفة»، بما في ذلك الأفلام مثل «طارد الأرواح الشريرة The Exorcist» إنتاج 1973، و روايات الرعب من مثل رواية كينغ «حشد سالم Salem’s Lot» إنتاج 1975، وألعاب الفيديو مثل «أمنيسيا: النزوح المظلم» إنتاج 2010.
إضافةً إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين يقولون إنهم يستمتعون بوسائط الترفيه المخيفة يقصدون ذلك حقًا. قمنا أيضًا بسؤال المشاركين في الاستطلاع عن مقدار الرعب الذي يرغبون في أن يشعروا به عند مشاهدة هذه الوسائط. قد يبدو الأمر غريبًا أن نسأل عن ذلك، تمامًا كسؤالنا عن مدى رغبتهم في أن تكون أفلامهم الكوميدية مضحكة، ولكننا أردنا اختبار فكرة «فرويدية» قديمة مفادها أن المشاعر السلبية التي يثيرها هذا النوع من الأعمال هي نتائج غير مرغوب بها، وهي الثمن الذي يستعد المشاهدون لدفعه من أجل مشاهدة أفلام تسمح لهم بمواجهة رغباتهم المكبوتة المتنكرة على صورة وحوش. ولكن هذا ليس ما خرجنا به. قال حوالي 80% من المشاركين في استطلاعنا إنهم يرغبون في أن يكون الترفيه المخيف الخاص بهم في نطاق متوسط إلى مخيف للغاية. وعلى العكس، قالت نسبة ضئيلة جدًا تبلغ 3.9 في المائة إنهم يفضلون أن تكون أفلام الرعب التي يشاهدونها غير مخيفة على الإطلاق.
إذًا الخوف والمشاعر السلبية الأخرى تعتبر عنصرًا أساسيًا في جاذبية الرعب، وهذه حقيقة لم تغب عن صانعي وسائط الترفيه المرعبة. من المؤكد أنك شاهدت مقاطع دعائية لأفلام تدعي أنها «الفيلم الأكثر رعبًا على الإطلاق!» أو تَعد بجعلك تنام والأضواء مضاءة لأسابيع بعد ذلك. وبشكل أكثر ابتكارًا، قام صانع الأفلام الأمريكي «ويليام كاسل William Castle» ذات مرة بشراء تأمين على حياة مشاهديه. وقد نص التأمين أنه إذا مات أي من أفراد الجمهور بسبب الخوف أثناء مشاهدة فيلمه «رقصة الموت Macabre» إنتاج 1958، فسيتلقى ذووهم 1000 دولار من شركة التأمين «لوليدز لندن». «لم يمت أحد. ولكن هذه الحيلة بالتأكيد جذبت المزيد من محبي أفلام الرعب إلى الفيلم».
ليس من المستغرب، نظرًا لجاذبيتها، أن تصبح أفلام الرعب تجارة ضخمة. في عام 2019، تم إنتاج 40 فيلم رعب جديد في أميركا الشمالية، وقد حققت مبيعات تزيد عن 800 مليون دولار في صالات العرض المحلية وحدها. وبالمثل، تزايدت سياحة زيارة الأماكن المسكونة في الولايات المتحدة بشكل مطرد، حيث حققت في عام 2019 ما يصل إلى 500 مليون دولار من مبيعات التذاكر. وشهد العام التالي 2020، أرقامًا أقل بالطبع، ولكن حتى في ذلك العام الذي شهد إغلاقات بسبب جائحة كوفيد-19 وفراغ دور السينما، فقد حطمت أفلام الرعب جميع الأرقام القياسية السابقة من حيث حصة السوق. استمر هذا التطور في عام 2021، حيث نمى قطاع أفلام الرعب وبات يمثل حوالي 20 % من حصة السوق في دور السينما في الولايات المتحدة. من الواضح أن الناس يريدون ترفيهًا مخيفًا، حتى لو كنت تعتقد أن العالم الحقيقي كان مخيفًا بما فيه الكفاية.
على الرغم من اتساع جاذبية أفلام الرعب، إلا أن هذا النوع السينمائي قد عانى من التحيز والاجحاف. يعتقد كثير من الناس، على ما يبدو، أن أفلام الرعب سخيفة، أو خطيرة، أو كليهما معًا، فهي غير متطورة من الناحية الفنية، ومدمرة أخلاقيًا، وضارة نفسيًا، ولها جاذبية تثير الشك بين المراهقين المضطربين، في المقام الأول. ولكن ماذا يقول العلم؟
أولًا، الرعب ليس نوعًا خاصًا بالذكور. في حين أن الأولاد والرجال هم أكثر ميلًا قليلًا من الفتيات والنساء إلى القول بأنهم يستمتعون بالرعب، فإن الفرق أقل بكثير مما يعتقده الكثير من الناس. في الاستطلاع المذكور أعلاه، عندما سألنا المشاركين إلى أي مدى يتفقون مع عبارة «غالبًا ما أستمتع بوسائل الترفيه المخيفة»، على مقياس من 1 إلى 5، بلغ متوسط الرجال 3.50، بينما بلغ متوسط النساء 3.29.
ثانيًا، أفلام الرعب لا تشاهد فقط من قبل المراهقين. صحيح، غالبًا ما يتم تسويق الأفلام لهذا الجمهور، ويبدو أن الشهية للرعب تبلغ ذروتها في أواخر مرحلة المراهقة، ولكنها لا تظهر فجأة في اليوم الذي يبلغ فيه الأطفال سن الـ13 عامًا، ولا تختفي لدى كبار السن. وجد مشروع بحث مستمر نجريه أن الرغبة في استخلاص المتعة من الخوف تكون واضحة حتى عند الأطفال الصغار، الذين يستمتعون جميعًا بأنشطة يومية مرعبة بسيطة من مثل لعبة المطاردة والغميضة. يبدو أنه حتى كبار السن يستمتعون بالتشويق العرضي الذي توفره وسائل الترفيه المخيفة إلى حد ما مثل مسلسلات الجريمة. كان مسلسل الجريمة البريطاني «جرائم ميدسمر Midsomer Murders» إنتاج 1997 يبدو لي دائمًا وكأنه رعب خفيف الشدة لكبار السن، ، تميزه النغمة المخيفة التي تعزفها آلة «الثيرمين»، وجرائم القتل المتكررة والمروعة بشكل غريب في مقاطعة ميدسومر الوهمية والهادئة.
يبدو الآن أنه قد تم التخلي عن مبدأ «القرد يرى، القرد يفعل» في علم النفس الإعلامي من قبل معظم الخبراء.
ثالثًا، لا يوجد دليل على أن محبي أفلام الرعب هم على وجه الخصوص أشخاص مضطربين، أو منحرفين، أو بلا عاطفة. عندما بحثت أنا وزملائي في السمات الشخصية لعشاق أفلام الرعب، وجدنا أنهم يتمتعون بضمير حي محبوبين ومستقرين عاطفيًا تمامًا مثل الشخص العادي، بينما يسجلون أيضًا أعلى من المتوسط في الانفتاح على التجربة «بمعنى أنهم يستمتعون بالتحفيز الفكري والمغامرة». صحيح أنهم عادةً ما يحققون درجات عالية نسبيًا في مجال البحث عن الإثارة، مما يشير إلى أنهم يميلون إلى الشعور بالملل بسهولة والبحث عن التشويق. هل هم مضطربون أو منحرفون؟ لا، ليس هناك أدلة على ذلك.
إذا كانت أفلام الرعب لا تجتذب الأشخاص المضطربين والمنحرفين، هل تؤدي إذًا إلى خلق وحوش ذهانية؟ قد يعتقد المرء ذلك، انطلاقًا من الذعر الأخلاقي الذي أحاط بأفلام الرعب طوال تاريخها الحديث، من القلق في العصر الفيكتوري بشأن «البيني دريدفول»، وهي قصص مثيرة، التي غالبًا ما تكون مخيفة أو مروعة والتي تباع بسعر رخيص نسبيًا «فلس واحد»، وصولًا إلى الانهيارات الإعلامية الحديثة بسبب أفلام «السلاشر».
أعرب النقاد، في الآونة الأخيرة، عن قلقهم من تأثيرات أفلام ما يُسمى بـ«أفلام التعذيب الإباحية». أفلام من مثل سلسلة أفلام الكاتب والمنتج «إيلي روث Eli Roth النُزل» و«Hostel»
2005-2011، التي تتناول منظمة غامضة تقبض نقودًا من الأشخاص مقابل فرصة تعذيب وقتل الأبرياء. في أول فيلم من سلسلة «هوستل»، نتابع ثلاثة من الرحّالة يتم أسرهم من قبل المنظمة ويتم بيعهم بغرض التعذيب. تتعرض أطراف أحد الرحالة لمنشار كهربائي؛ ويتعرض جذع آخر لمثقاب كهربائي. فقط واحد منهم يستطيع النجاة حيًا «ولو لم يكن جسده بالكامل سالمًا». يصور الفيلم هذه الاعتداءات الخبيثة بكل قذارتها الدموية، مما دفع المعلقين في وسائل الاعلام إلى الاتحاد ضد هذا الفيلم وأمثاله، بحجة أن تركيزه على التعذيب والدماء يثير دوافع سادية غير صحية لدى الجمهور. لا يوجد دليل ملموس يدعم تلك المخاوف، يدرك الجمهور أن ما يشاهده ليس سوى خيال. لا يزال الباحثون والعلماء يناقشون الآثار النفسية لوسائل الإعلام العنيفة، لكن نموذج «القرد يرى، القرد يفعل» في علم نفس الإعلام كان قد تعرض لانتقادات شديدة على أسس منهجية وتجريبية، ويبدو الآن أنه تم التخلي عنه من قبل معظم الخبراء. في الواقع، أظهرت دراسة حديثة تغطي الفترة من 1960 إلى 2012 في الولايات المتحدة أنه مع ارتفاع معدلات العنف في الأفلام، انخفض العنف في العالم الحقيقي بالفعل.
هذا لا يعني أن أفلام الرعب لا يمكن أن تكون لها تأثيرات سلبية. في الواقع، لقد وثق علماء نفس الترفيه أن معظم الناس لديهم نوع من التجارب «المؤلمة» مع أفلام الرعب. أستخدم علامتي الاقتباس هنا لأننا لا نتحدث عن الصدمة السريرية. بالنسبة للغالبية الساحقة من الناس، تتكون مثل هذه التجارب من اضطرابات سلوكية معتدلة، كالكوابيس أو النوم مع إبقاء الأضواء منارة، أو زيادة اليقظة لبضعة أيام.. على سبيل المثال، وجدت إحدى الدراسات أن حوالي 90 في المائة من طلاب الجامعات في الولايات المتحدة كانوا قد مروا بمثل تلك التجارب، بما في ذلك بعض الذين رفضوا الذهاب للتخييم بعد مشاهدة فيلم «مشروع الساحرة بلير Blair Witch Project» من إنتاج 1999، وهو فيلم يتناول ثلاثة أشخاص شبان يضيعون ويموتون بشكل مروع في الغابة.
هذه التأثيرات الخفيفة والمؤقتة هي مجرد وجه واحد للعملة. بعد تجاهل العلم لقطاع الرعب في السينما لفترة طويلة، بات من الواضح الآن أن مشاهدة أفلام الرعب له العديد من الآثار الإيجابية. وعلاوة على ذلك، فإن الميل لأفلام الرعب هو أمر طبيعي ولا يجب اعتباره مرضًا. إن الأطفال الذين تجذبهم الكتب المصورة عن الوحوش مثل «قصص من المقبرة Tales from the Crypt» لعام 1950-1955،و«الموتى السائرون The Walking Dead» لعام
2003-2019 هم طبيعيون تمامًا، وكذلك المراهقون الذين يحبون أفلام «السلاشر» والبالغون الذين يستمتعون بزيارة الأماكن المسكونة بالأرواح. هذا الميل منطقي تمامًا من منظور تطوري. لقد تطور الناس ليكونوا فضوليين تجاه الخطر، ويستخدمون القصص للتعرف على العالم وعلى أنفسهم. تسمح لهم قصص الرعب على وجه التحديد بمحاكاة أسوأ السيناريوهات في خيالهم وتعلّمهم عن الجوانب المظلمة من العالم، وعن الجانب المظلم من حياتهم العاطفية.
لقد ساعد هذا الفضول المرضي أسلافنا على البقاء على قيد الحياة في عالم خطير من خلال تعرفهم عليه.
يطلق عالم السلوك «كولتان سكريفنر Coltan Scrivner» من جامعة شيكاغو على هذا الرغبة اسم «الفضول الهووسي». بعض الأشخاص لديهم الكثير منه، وبعضهم القليل جدًا، ولكن معظمنا نكون مهووسين بالفضول تجاه الأمور المريعة، فنحن نواجه صعوبة في النظر بعيدًا عن حادث ما، ونشعر أحيانًا بجاذبية مسلسل عن الجرائم الحقيقية، أو فيلم رعب أو فيلم وثائقي عن الظواهر الخارقة للطبيعة.
يقول «سكريفنر» إن هذا الانبهار بالأشياء المروعة هو آلية بشرية للتكيف مع المحيط، إنه آلية تعلُّم تمكننا من جمع معلومات حول «ملاك الموت» وطرق عمله، وهو ما يعتبر أساس الاهتمام الواسع بأفلام الرعب. يروي «ستيفن كينج Stephen King» قصة كيف اكتشفت والدته، عندما كان في العاشرة من عمره، سجل قصاصات كان يحتفظ بها عن القاتل المتسلسل «تشارلز ستاركويذر Charles Starkweather»، الذي كان طليقًا في ذلك الوقت.
«لماذا؟» سألت والدته بقلق. أجابها كينغ: «أريد أن أبحث عن هذا الرجل. أريد أن أعرف كل شيء عنه، حتى إذا التقيته أو أي شخص مثله، يمكنني التعامل معه».
لذا، عندما تجذبنا أفلام الرعب، فإننا ببساطة نستجيب لغريزة عميقة متجذرة، لفضول مريع ساعد أسلافنا على البقاء على قيد الحياة في عالم خطير من خلال تعلمهم عنه عن بعد، أو حتى بشكل غير مباشر. تُرضي أفلام الرعب هذه الغريزة وتسمح لنا بالتفاعل بشكل مرح مع عوالم مصطنعة تنبض بالخطر، ولكن بدون تعرضنا لأي خطر حقيقي.
لاختبار هذا الفرضية، أجرى مختبري دراسة تجريبية، بإدارة زميلي «مارك مالمدورف أندرسن»، في مَعلَم سياحي تجاري دنماركي يُدعى «منزل ديستوبيا المسكون Dystopia Haunted House»، والذي يقع في مصنع مهجور في غابة. في شهر أكتوبر من كل عام، يعود المصنع لينبض بالحياة بأصوات زمجرة وحوش الزومبي وأصوات ضجة المناشير الكهربائية، تقطعها بين الحين والآخر صيحات رعب مرحة من الزوار. قمنا بالاستعانة بأكثر من 100 ضيف، وزودناهم بأجهزة مراقبة معدل ضربات القلب خفيفة الوزن وطلبنا منهم ملء العديد من الاستبيانات. كما قمنا بتسجيل سلوكهم باستخدام كاميرات المراقبة في نقاط محورية داخل المكان، مثل اللحظة التي قام فيها ممثل يرتدي معطف المختبر بتشتيت انتباه الضيوف بصرخة عَالِم مجنون، في حين يقوم ممثل آخر، بهيئة زومبي، بالخروج فجأة من تحت طاولة، مثيرًا رعب الزوار ومانحًا إيانا بيانات رائعة عن الاستجابات السلوكية والفسيولوجية لأحداث تهديد الحياة الحادة.
من خلال دعم وظيفة التطورية للرعب، وجدنا أن هناك نقطة مفصلية بين الخوف والمتعة. إن الأشخاص الذين يبحثون عن الرعب يرغبون في الحصول على الكمية المناسبة منه. إذا كان الأمر مرعبًا للغاية، فسيكون ذلك مُرهقًا بشكل غير لطيف؛ وإذا لم يكن مرعبًا بما فيه الكفاية، سيكون مملًا. لكن مع القدر المناسب من الخوف، نصبح في منطقة الرعب الترفيهي، وهي المنطقة التي تستمتع فيها بوقتك وربما تتعلم أشياء مهمة في هذه العملية، مثل كيفية تنظيم عواطفك السلبية.
إن تنظيم العواطف هي مفتاح الرعب الترفيهي لأننا جميعًا مختلفون في شدة الخوف التي نجدها أنها مقبولة أو حتى ممتعة. كما بات معروفاً لعلماء الرعب منذ فترة من الوقت، فإنه ليس كل محبي الرعب هم من مدمني الأدرينالين. استكشفنا هذه الآليات العاطفية في دراسة أخرى أجريناها في «منزل ديستوبيا المسكون». في هذه المرة، قمنا بالاستعانة بعدة مئات من الضيوف وعرضنا عليهم خيارين: إما محاولة أن تصبح خائفًا قدر الإمكان، أو تحاول الحفاظ على خوفك في الحدود الدنيا أثناء مرورك بالمكان الذي تسكنه الأرواح. وكما حدث، اختار نصف الضيوف تحدي الحد الأقصى من الخوف، بينما اختار النصف الآخر تحدي الحد الأدنى من الخوف.
يستخدم الأشخاص بنشاط مجموعة من الاستراتيجيات النفسية والسلوكية والاجتماعية لتحقيق مستوى الخوف الأمثل لديهم.
أفاد المشاركون في الدراسة بمستويات خوف متباينة بشكل ملحوظ. أفاد المشاركون الذين اختاروا تقليل خوفهم، بمتوسط مستوى خوف يبلغ 4.3 على مقياس من 0 إلى 9. بالمقابل، أفاد الذين اختاروا تعظيم خوفهم بمتوسط مستوى خوف يبلغ 7.6. على الرغم من ذلك، فإن كلا المجموعتين أفادت بمستويات مماثلة «ومرتفعة جدًا» من الرضا.
بعبارة أخرى: هناك عدة طرق يمكن للناس من خلالها أن يستمدوا المتعة من الرعب الترفيهي، سواء في مكان مسكون بالأرواح أو أمام الشاشة. بالنسبة لبعضهم، يتعلق الأمر بالدرجة القصوى من التحفيز؛ هؤلاء الأشخاص هم مدمنو الأدرينالين. ولكن بالنسبة للآخرين، يتعلق الأمر بالحفاظ على الخوف عند مستوى مقبول، تحدي في مجال السيطرة على الذات، وقد سموا بـ«المذعورون». ولكن من الأمور المشتركة بين المجموعتين أنهم يستخدمون بشكل نشط مجموعة من الاستراتيجيات النفسية والسلوكية والاجتماعية لتحقيق مستوى الخوف الأمثل.
في دراسة أخرى حديثة، ألقينا المزيد من الضوء على الفوائد والجاذبية المحتملة لترفيه الرعب واكتشفنا اكتشافًا مثيرًا للدهشة في هذه العملية: هناك ثلاث فئات من محبي الرعب. بجانب مدمني الأدرينالين والمذعورين، هناك ما نسميه «الأشخاص المظلمون».
اكتشفنا أن «مدمني الأدرينالين» يشعرون بتحسن في المزاج عندما يشاهدون أفلام الرعب؛ التحفيز الشديد يجعلهم في مزاج أفضل. بينما لا يشعر «المذعورون» بذلك التحسن في المزاج بسبب الرعب، لكنهم يشعرون بأنهم يتعلمون شيئًا عن أنفسهم وأنهم يتطورون كأشخاص. وقد يكتشفون مقدار الخوف الذي يمكنهم تحمله، وما هو شعور الرهبة، وكيف يستجيبون للضغط الشديد، وكيف يمكنهم التحكم بقلقهم الذاتي، وجميع مهارات البقاء الحيوية.
أما النوع الثالث «الأشخاص المظلمون»، لم يتم الإشارة إليهم من قبل في الأدبيات العلمية، وهم مثيرون للاهتمام. إنهم يحصدون جميع الفوائد: تحسن الحالة المزاجية، فضلًا عن الشعور بأنهم يتعلمون شيئًا عن أنفسهم وكيفية مواجهة العالم المخيف الحقيقي، ربما من خلال محاكاة مجابهات مخيفة، بالنسبة لهم، يعد هذا نوعًا من التدريب. ربما يكون «الأشخاص المظلمون» هم الذين يجب أن تستهدفهم صناعة أفلام الرعب، وليس فقط مدمني الأدرينالين، الذين يبدو أنهم الجمهور المستهدف من عبارات «أكثر فيلم مخيف على الإطلاق!».
قد يظل المتشككون غير مقتنعين بفكرة أن الناس يمكنهم أن يتعلموا أي شيء ذي قيمة من الأفلام التي تتحدث عن المس الشيطاني، والقتلة المختلين الذين يحملون منشارًا كهربائيًا، والدُمى القاتلة. قد يبدو الأمر فظيعًا. حسنًا، في شهور الأولى من جائحة الكورونا، قررنا التحقق مما إذا كان لدى محبي الرعب أي تفوق على غير المحبين فيما يتعلق بالمرونة النفسية. كنا نفكر أنه إذا كان الناس يمارسون بالفعل مهارات التنظيم العاطفي عندما يشاهدون أفلام الرعب، فقد يكونون قادرين على استخدام تلك المهارات في مواقف العالم الحقيقي.
هذا هو بالفعل ما وجدناه. أفاد الأشخاص الذين شاهدوا العديد من أفلام الرعب بأنهم أقل توترًا نفسيًا في استجابتهم للإغلاقات المفروضة بسبب كوفيد-19 مقارنةً بالذين يتجنبون أفلام الرعب. علاوة على ذلك، أفاد محبو «أفلام النجاة»، وهي أفلام نهاية العالم التي تدور حول وحوش الزومبي، وأفلام غزو الكائنات الفضائية، وما شابه ذلك، بأنهم يشعرون بأنهم محضرون لعواقب الجائحة. لقد رأوا أشياء مشابهة في الأفلام. لقد تدربوا في خيالهم على مثل هذه السيناريوهات، وكانوا أقل تأثرًا بتداعيات الأزمة. إن السيناريو المتخيل حول قيام الموتى الأحياء بقلب النظام الاجتماعي، مع انهيار أنظمة الرعاية الصحية، وتدهور القانون والنظام، وانهيار البنية التحتية، قد لا يكون مختلفًا كثيرًا عن الوضع في العالم الحقيقي الذي يتسم بالاضطرابات الاجتماعية والمؤسساتية الكبرى.
وبالتالي، يمكن لأفلام الرعب أن تعمل بمثابة تحصين ضد الضغوط والرعب في العالم. إنها تساعدنا في تحسين مهارات التكيف، وقد تعمل كنوع من «العلاج بالتعرض». هناك أيضًا بعض الأدلة الأولية التي تشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات القلق يمكن أن يجدوا الراحة في أفلام الرعب، على الأرجح لأن هذه الأفلام تسمح لهم بتجربة العواطف السلبية بجرعات يمكن التحكم فيها، وممارسة استراتيجيات التنظيم، وبناء المرونة في نهاية المطاف.
يذهب الناس مع غرباء. وبعد مرور 50 دقيقة، يخرجون وهم يتحدثون ويضحكون كأنهم أصدقاء قدامى.
بالإضافة إلى تلك الفوائد النفسية، قد تكون هناك فوائد اجتماعية لمشاهدة أفلام الرعب. تخيل كيف ارتسمت الحيرة على وجوه علماء الدين بسبب انتشار الطقوس الدينية الشاذة. لماذا يقوم الناس بالمشي على الجمر ويثقبون أجسادهم بأدوات حادة في سياقات دينية؟ من الواضح أن إحدى الوظائف الرئيسية هي أن مثل هذه السلوكيات المؤلمة نفسيًا أو جسديًا تعزز هوية المجموعة وتجعل أعضاء المجموعة أكثر إيثارًا تجاه بعضهم البعض. أنتم تمرون بتجربة مؤلمة معًا، وهذا يعزز روابط المجموعة. إنها قصة مماثلة لما هو عليه ترفيه الرعب.
حتى إن بعض غير المولعين بمشاهدة أفلام الرعب يسمحون لأنفسهم بمشاهدة فيلم رعب مع الأصدقاء، ربما لأن مشاهدة أفلام الرعب معًا يمكن أن تكون ممتعة جدًا، سواء كنتم تستمتعون بالأفلام أنفسها أو لا. تذكر أن حوالي 55% من الأميركيين في استطلاعنا قالوا إنهم يستمتعون بأفلام الرعب. حسنًا، كان حوالي 90% من الأفراد الذين شملتهم دراستنا الأخيرة قد بحثوا عن أفلام رعب على الأقل مرة واحدة في العام السابق. يبدو أنه ليس فقط محبو الرعب من يشاهدون أفلام الرعب.
عندما تواجهون موقفًا مخيفًا معًا، وتتجاوزون هذا الموقف معًا، تشعرون بأنكم قد اتقنتم الأمر، على العكس من الطقوس الدينية المزعجة التي يتم ملاحظتها حول العالم. أرى هذا أنا وزملائي طوال الوقت في أبحاثنا حول المنازل المسكونة بالأرواح. يدخل الناس الى هذه البيوت مع الغرباء. يبدون عصبيون وقلقون حتى قبل أن يدخلوا؛ بعد مرور 50 دقيقة، يخرجون من المنزل المسكون، يتصببون عرقًا، ويتحدثون ويضحكون كأصدقاء قدامى.
بالنسبة للعديد من المشاهدين، وربما لغالبيتهم، تقدم أفلام الرعب ترفيهًا هادفًا يمكن أن يكون له آثار نفسية واجتماعية إيجابية. لا يزال هذا النوع السينمائي موصومًا اجتماعيًا، ربما لأنه يستميل العواطف «البدائية» مثل الخوف والقلق والاشمئزاز. نادرًا ما تحصل أفلام الرعب على جوائز مرموقة، مثل جوائز الأوسكار، ويكافح كتّاب الرعب، مثل «ستيفن كينج»، للحصول على تقدير نقدي. يبدو هذا التحيز سخيفًا. تعج الكتب الأدبية بمواد مخيفة، تحققوا من أعمال «شكسبير Shakespeare»، أو «ميلفيل Melville»، علاوة على ذلك، لا تجذب أفلام الرعب العواطف فقط، العديد منها يستهوي أيضًا العقل، ويحفز التفكير وربما حتى التأمل.
إذا لم تكن تُصدِّقني، فقم بالبحث عن فيلم رعب لتشاهده الليلة، واكتشف بنفسك. سيكون الأمر صعبًا في اختيار فيلم يتناسب مع ذوقك. حتمًا، ا ترغب في شيء يغمرك بالرعب، كما حدث معي في عام 1992، ولكنك أيضًا لا تُريد شيئًا ضعيفًا للغاية. بمجرد عثورك على خيار يبدو مناسبًا، قم بدعوة بضعة أصدقاء إلى بيتك للاستفادة أيضًا من الفوائد الاجتماعية لمشاهدة أفلام الرعب كمجموعة. وكن على يقين أنه على الرغم من أنك قد تعاني من بعض الآثار الجانبية الخفيفة، مثل الكوابيس أو الرغبة في قلب غرفة النوم رأسًا على عاقب بحثًا عن وحوش قبل النوم، إلا أن هناك فرصة حقيقية أنكم ستشعرون بالقرب من أصدقائكم، وتتعلمون شيئًا جديدًا عن أنفسكم، وربما تخرجون أقوى مما كنتم عليه من قبل.