بلقيس الأنصاري
«في الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي الدولي، شارك فيلم «نورة» للكاتب والمخرج توفيق الزايدي؛ بدعمٍ من برنامج هيئة الأفلام: ضوء». – م. م عبدالله القحطاني
تعزيزًا للشرَاكات العالمية، وترويجًا للإنتاج السينمائي السعودي، وزيادةً للوعي بقطاع الأفلام السعودي، وتحقيقًا لرؤية 2030، ولمستهدفات وزارة الثقافة بقيادة صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وزير الثقافة، رئيس مجلس إدارة هيئة الأفلام، شاركت هيئة الأفلام في الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي الدولي، رئيسًا للوفد السعودي المُشارك.
يُعد «مهرجان كان السينمائي الدولي» السوق الأكبر في العالم لسينما المؤلف – حيث تُباع وتُوزَّع ولها مردود مالي كبير جدًا – منذ أُقيم – فعليًا – عام 1946، مُنتصرًا على الحرب العالمية الثانية، التي على إثرها شهدت الموجة السينمائية الفرنسية الجديدة نموًّا مفاجئًا؛ بامتلاك مُخرجي المعهد السينمائي الفرنسي الوعي الذاتي بسحر السينما والمعرفة بـ«صُنع فيلم وكأنه للمرَّة الأولى»؛ ما ساهم في حرص المهرجان العريق على التجديد في الفعاليات السينمائية المُصاحبة، وريادة الموجات الفنية الحديثة.
شاركت هيئة الأفلام، في الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي الدولي، بجناحين: الجناح السعودي في «القرية العالمية ريفيرا، كان»، الذي ضمَّ مجموعة من شركاء القطاع؛ والجناح الذي أُقيم في «سوق المهرجان» المخصص لشركات القطاع الخاص السعودية، بجانب استضافة وفد من صُنَّاع الأفلام السعوديين؛ لتبادل أوجه التعاون المعرفي والثقافي، والتقاء الخبراء والمتخصصين في صناعة الأفلام على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
وهدَفَت مشاركة هيئة الأفلام، في الدورة الـ77 للمهرجان ،إلى تعزيز حضور قطاع الأفلام السعودي في المحافل العالمية، وتسليط الضوء على الثراء الثقافي والسينمائي، وتعزيز فرص التواصل والتعاون، وتقديم الرؤى المتنوعة في عالَم صناعة الأفلام، والاحتفاء بالمواهب السعودية والقصص المحلية؛ إذ تستهدف الهيئة – كما صرح الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام المخرج والمهندس عبدالله القحطاني – المشاركة في المهرجانات العالمية للتعريف والترويج بالإنتاج السينمائي السعودي. كما أبدى سعادته باختيار فيلم «نورة» في المسابقة الرسمية الفنية للمهرجان، حيث صرح: «نحن سُعداء بهذا الاختيار، بأن يكون فيلم «نورة» أوّل فيلم سعودي يُختار لجائزةٍ في مهرجانٍ يحمل أهمية كبرى في الوسط السينمائي»، مؤكدًا أنّ هذا الاختيار «يعكس الجهود والدعم الكبيرين من جانب هيئة الأفلام لرعاية صُنَّاع الأفلام السعوديين وتشجيعهم، وخلق بيئة مناسبة للتعبير عن القصص المحلية عبر محتوى سينمائيّ متميز».
وجاءت هذه المشاركة استكمالًا لتعزيز حضور المملكة في مهرجان كان السينمائي الدولي، منذ مشاركتها الأولى في الدورة الـ71 للمهرجان بمجموعةٍ من الأفلام القصيرة، إلى مشاركتها في الدورة الـ76 للمهرجان في دعم فيلم الافتتاح: «جان دو باري 2023» للمخرجة مايوين، والذي يشهد عودة النجم الهوليودي العالمي جوني ديب، إلى الشاشة، بعد فترة من التوقف. ولاقت هذه المشاركات استحسانًا، حتى أنّ تييري فريمو – المدير الفني لمهرجان كان السينمائي الدولي – قال محتفيًا بذلك: «أسعَد دومًا حين ألمس هذا الالتزام القويّ لدى المجلس السعودي للأفلام؛ من خلال الحرص على تطوير المواهب في مجال الصناعة السينمائية، بجانب مشاركة القصص والخبرات السعودية مع العالَم».
افتتحت الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي الدولي فعالياتها بعرض فيلم الافتتاح الكوميدي: «الفصل الثاني» للمخرج الفرنسي كوينتين دوبيّو، الذي يُعرض خارج المنافسة الرسمية للمهرجان.
وعلى مسرح Grand Théâtre Lumière الشهير، قدَّمت النجمة الفرنسية الصاعدة كاميل كوتين، حفل الافتتاح، الذي بدأ بعرض أغنية «Modern Love»، التي أدّتها المغنية الفرنسية زاهو دي ساغازان، في مشهدٍ نوستالجيّ لغريتا غيرويغ، من فيلم «Frances Ha 2013»، الذي أخرجه زوجها نواه بومباك.
فيما اختتم حفل الافتتاح بتقديم «السعفة الذهبية الفخريَّة»، التي قدَّمتها النجمة الفرنسية وبطلة فيلم «كائن لا تحتمل خفَّته 1984» جولييت بينوش، على أنغام الأغنية السويدية «أبا» من فيلم «ماما ميَّا»؛ لنجمة المهرجان الأوسكاريَّة أيقونة الشاشة وبطلة أفلام: «مانهاتن 1979»، «اختيار صوفي 1982»، «جسور مقاطعة ماديسون 1995»، «الشيطان يرتدي برادا 2006» الأميركية ميريل ستريب، وذلك بعد غيابها عن مهرجان كان 35 عامًا.
اختارت الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي الدولي 22 فيلمًا مِن 2000 فيلم، للمشاركة في المسابقة الرسمية، التي تتنافس على «السعفة الذهبية» الفنية المرموقة، المُقدَّمة من لجنة تحكيم المهرجان، التي تترأسها لهذا العام الفنانة والمخرجة الأميركية غريتا غيرويغ.
بدايةً الجائزة الفنيَّة «نظرة ما» – التي توازي السعفة الذهبية – حيث اُختير الفيلم السعودي المدعوم من صندوق هيئة الأفلام «ضوء»، والذي عُرض في الدورة الـ3 لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، وحصد على هامشه جائزة العلا لأفضل فيلم سعودي: «نورة 2023» للكاتب والمخرج توفيق الزايدي. وبذلك يُعد أوّل فيلم سعودي يُختار ضمن المسابقة الرسمية في تاريخ مهرجان كان السينمائي الدولي. فيما يعتبر أيضًا الفيلم الأوّل الذي يُصوَّر كاملاً في «العلا» الأثريَّة. حيث عُرض الفيلم، في الـ23 من مايو الجاري، في قاعة ديبوسي، وسط احتفاء جماهيري كبير، وبحضور طاقم الفيلم وداعميه. وجاء ضمن كلمة كاتب ومخرج الفيلم توفيق الزايدي الافتتاحية قبل عرض الفيلم: «أنا مؤمنٌ دائمًا أنّ كل إنسان في العالَم لديه قصة ما في الداخل، وهذه قصة داخلية يجب أن نحكيها للعالَم؛ فقد جئنا لنحكي قصصنا المحليَّة للعالَم».
فيما تتنافس العديد من الأفلام الأخرى، على جوائز أقسام المهرجان المتنوعة، التي تضمّ كلًا من: نظرة ما، والعرض الأوّل، وعروض منتصف الليل، والعروض الخاصة، وخارج المنافسة. بجانب الفعاليات السينمائية المختلفة التي تضم كلًا من: أسبوع النقاد، ونصف شهر المخرجين، وركن الأفلام القصيرة، وسينما العالَم، وسوق الفيلم. بالإضافة إلى استحداث مسابقة جديدة في هذه الدورة الـ77 للمهرجان، تُعنى بأفلام «تقنية الواقع الافتراضي».
ضمن فعاليات مشاركة هيئة الأفلام، في الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي الدولي، التي تستهدف الترويج للسينما السعودية في المحافل السينمائية الكبرى، نظمَّت هيئة الأفلام عددًا من الندوات واللقاءات والجلسات الحواريَّة، بدايةً بالندوة التي أُقيمت في الـ16 من مايو الجاري، في المسرح الرئيس، بعنوان: «تجربة صُنَّاع الأفلام في الأسواق الناشئة» بإدارة المنتج أيمن خوجة، وشارك فيها كل من: المخرج حمزة جمجوم، والمخرجة رونغانو نيوني، والمخرج موهراوي مديرة استديوهات كروما للترفيه بيانكا بالبوينا، وتمحورت الجلسة حول: دعم هيئة الأفلام لصُنَّاع الأفلام من خلال الاسترداد المالي والمنح، وتطوير المواهب، وتقديم التسهيلات اللوجستية، والترويج لمواقع التصوير الفريدة والخلابة في المملكة، التي يستهدفها صُنَّاع الأفلام من مختلف دول العالَم، بجانب أهمية إظهار صانع الفيلم للصورة واللغة المحلية من خلال السينما.
بالإضافة إلى الجلسة الحواريَّة، في الجناح السعودي: «صوِّر في السعودية: نورة» بإدارة أجواء الجودي، وشارك فيها كل من: المخرج توفيق الزايدي، والممثلة ماريا بحراوي، والفنان يعقوب الفرحان، والفنان عبدالله السدحان. إذ ذكر كاتب ومخرج ومنتج فيلم «نورة» توفيق الزايدي، أثناء حديثه، أنّ من أبرز الأسباب وراء اختيار اسم فيلم «نورة»، يعود لـ«تمثيله للمرأة القوية. أمَّا القصة فتتمحور حول امرأة تبحث عن صوتها فيما تبرز الفن كوسيلة تواصل»؛ لكونه فيلمًا «بُني على الرؤية الإخراجية، التي تعكس أنّ مبدأ السينما يكمن في التفاصيل»، بجانب «التواصل السعودي»، في الـ17 من مايو، في بلاج ديس بالم.
أمَّا في الـ18 من مايو، فقد نظَّمت وزارة الثقافة ممثلة في هيئة الأفلام جلسة نقاشية في جناح المملكة، بعنوان: «الإطار القانوني في السوق السعودي لقطاع الأفلام» بإدارة أجواء الجودي، وشارك فيها كل من: سعادة الأستاذ عاصم التويجري وكيل وزارة الثقافة للشؤون القانونية والأنظمة، والمنتج فيصل بالطيور الرئيس التنفيذي لاستديوهات سينيويفز فيلمز.
وتناول الحديث عدة محاور كان من أبرزها: الاهتمام بدعم وتمويل الأعمال السينمائية، إذ أشار فيصل بالطيور، إلى أنّ «لدينا اليوم ما يقارب من 6 إلى 7 منشآت تختصّ بتمويل الأعمال السينمائية، والتي حقَّقت نتائج مُبهرة في فترةٍ وجيزة»؛ ورؤية السعودية 2030 وازدهار قطاع السينما، كما ذكر عاصم التويجري: «الأعمال السينمائية في المملكة قبل رؤية السعودية 2030 تسير في مسارها الصحيح، فقد كانت هناك بعض البرامج التلفزيونية وغيرها، ومع إطلاق الرؤية، أصبح هناك اهتمام أكبر للصناعة السينمائية، حيث تهدف الرؤية إلى تشكيل إطارٍ تنظيمي للقطاع، وذلك بإنشاء جهة تنظيمية لدراسة السوق، وفهم احتياجاته؛ سعيًا لتحقيق أهدافه»؛ وانخفاض أسعار التذاكر بالتزامن مع تنمية القطاع السينمائي، حيث ذكر فيصل بالطيور، أنّ هذا الانخفاض وصل إلى «30% أو 40% لبعضها، فيما أصبح لدينا المزيد من الشاشات. وخلال أقل من 6 سنوات، وصل عدد الشاشات إلى أكثر من 600 شاشة في المملكة العربية السعودية، وقد أصبحت الطاقة الاستيعابية لشبَّاك التذاكر الأكبر في المنطقة. هذه التطورات تدل على وجود استراتيجية محددة وخاصة تدعم هذه الصناعة، مما يمنحنا مسؤولية العمل كقطاع خاص». وعن أهمية وضوح المسؤوليات، أضاف المنتج فيصل بالطيور، أنّ من المهم «وضع القواعد والمسؤوليات لكل منتج، وهذا هو المفتاح منذ البداية؛ لأنّ العمل على ذلك يساهم في التقدم بشكلٍ مثالي». فيما أكد وكيل وزارة الثقافة للشؤون القانونية والأنظمة سعادة أ. عاصم التويجري، أنّ دعم هيئة الأفلام للقطاع السينمائي تمثَّل في «اتخاذها للإجراءات والخطوات اللازمة، سواءً على المدى القريب أو البعيد؛ لضمان دعمها الشامل للقطاع السينمائي».
وفي الـ19 مايو الجاري، في Screen Terrace، نظَّمت هيئة الأفلام ندوة: «الصحة النفسية والرفاهية في قطاع السينما: رعاية بيئة عمل صحية»، شارك فيها كل من: جيانلوكا شقر الرئيس التنفيذي لـFront Row Filmed Entertainme، وبيير إيف جوردان رئيس قسم الإنتاج في La Femis، وعبدالله اليوسف مدير قسم الابتكار والبيانات في هيئة الأفلام، وسارة موسيس المؤسس والرئيس التنفيذي لـTogether Films، وسول بوندي منتج أفلام One Two Films، ومانويلا جودايت رئيس التطوير الاستراتيجي EFM، وكيم مانجسون المدير الإبداعي لـScandinavian Film Distribution.
فيما اختتمت هيئة الأفلام لقاءات وجلسات الجناح السعودي، في الـ20 من مايو الجاري، بتنظيم غداءِ تواصلٍ خاصّ بـ«منتدى الأفلام السعودي»؛ إذ تهدف الهيئة من خلال المنتدى الأكبر في صناعة الأفلام، إلى ترسيخ العلاقات بينها وبين العاملين في قطاع الأفلام من مختلف أنحاء العالَم. إذ سيشهد عودة نسخته الثانية لهذا العام، بعد نجاح النسخة الأولى، التي أُقيمت في أكتوبر 2023، في مدينة الرياض.
اُختتمت فعاليات الدورة الـ77 لـ«مهرجان كان السينمائي الدولي 2024»، في قصر المهرجانات، بالاحتفال بسينما الاكتشافات، التي ترعى المواهب السينمائية الشابَّة من بلدانٍ مختلفة. في مسابقة «نظرة ما»، حيث حصد – في إنجازٍ تاريخي – الفيلم السعودي «نورة» للكاتب والمخرج توفيق الزايدي، المدعوم من برنامج هيئة الأفلام «ضوء»، التنويه الخاص من لجنة التحكيم، التي يترأسها الفنان والكاتب والمخرج والمنتج الكندي كزافييه دولان. فيما حصد فيلم «الكلب الأسود» للمخرج الصيني جوان هو، جائزة أفضل فيلم.
وضمن مسابقة الأفلام الوثائقية، المُشاركة في فعاليات أسبوع النقاد، حصد الفيلم التسجيلي، المدعوم من مؤسسة البحر الأحمر «رفعت عيني للسمَا» للمخرجين ندى رياض وأيمن الأمير، جائزة «العين الذهبية»، وبذلك عُد الفيلم المصري الأوّل الذي يحصد الجائزة في تاريخ المهرجان. وذلك مناصفة مع فيلم «إرنست كول: لوست آند فوند» للمخرج الهاييتي راؤول بيك؛ وذلك «لصدمتنا بمصير إرنست كول المأساوي، وصوره وكلماته، وطريقته في رواية كل ذلك»، بحسب لجنة التحكيم.
اختتمت هيئة الأفلام مشاركتها في الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي الدولي 2024 بعدة نتائج شملت: تعزيز مكانتها الريادية للسينما السعودية في المحافل السينمائية الكبرى، وترويج الإنتاج السينمائي السعودي، وخلق فرص التعاون مع شركاء النجاح، بجانب استعراض إنجازات السينما السعودية. كما صرح الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام المخرج والمهندس عبدالله القحطاني، أنّ وجود هيئة الأفلام في الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي الدولي «يعكس ما يحدث في المملكة العربية السعودية من مشاريع سينمائية حديثة، إضافةً إلى تطوير المواهب السعودية عبر دمجهم مع المَشهد السينمائي العالمي، وتمكين شركات القطاع الخاص وخدمات ما بعد الإنتاج عبر تخصيص جناح خاص لهم، بجانب تضمين شُركاء من الجهات الحكومية لبحث أوجه التعاون العالمي، وتمهيد الطريق للمستثمر السعودي، وتعزيز فرص التبادل والتعاون في مجال صناعة الأفلام».
وذلك في سبيل أن يُكمل الجناح السعودي، الذي تترأسه هيئة الأفلام، في الدورة القادمة لمهرجان كان السينمائي الدولي، ما بدأه هذا العام؛ إذ اُعتبر قِبلَة سينمائية محفوفة بسينما الفن، والحشد المُعجب، والنسائم التي تهبُّ على الكروازيت من البحر الدافئ.