ترجمة: شيماء بنخدة
كان «دي.دبليو.جريفيت D.W.Griffith» يتحدث. لقد ذهب الكاتب لرؤيته في عمل يتعلق بإجراء مقابلة. لكن السيد «جريفيت»، منتج الصور، ليس منتجًا للمقابلات، جاهزة أو حسب الطلب أثناء الانتظار. من الواضح أنه لا يحتفظ بمخزون من التصريحات المتنوعة والأقوال البليغة المجمعة والمفهرسة في ذهنه ليتم استخلاصها من أغراض التعليم العام والإعلان الذاتي كما قد تقتضيه المناسبة، أو تسمح بذلك دون حذر. لكنه رجل اجتماعي ويتحدث، كما يفعل شخص عندما يلتقي بآخر، حول كل ما يطرأ كموضوع للمناقشة. كان يتحدث إلى اثنين من أصدقائه عندما جاء الكاتب. يبدو أن التأثير الرئيسي لدخول الكاتب هو مجرد إضافة فرد آخر إلى المحادثة، لأنها كانت محادثة، وكان السيد «جريفيت» مستعدا للاستماع كما هو مستعد للتحدث.
وتم التعرف على جميع الحاضرين من خلال الشاشة بطريقة واحدة أو كان من الطبيعي أن يتم ذكر الصور المتحركة، وخاصة الصور الفوتوغرافية و المؤثرات البصرية. وعندما يتسنى للسيد «جريفيت» أن يخبرنا عن بعض تجاربه في الاستوديو، التقط الكاتب أثر المقابلة التي كان يبحث عنها. لكن من الواضح أن السيد «جريفيت» لم يأخذ في الاعتبار حقيقة وجود رجل صحيفة هنا بدافع خفي. ورجل الصحيفة نفسه نسي هذه الحقيقة بينما كان السيد «جريفيت» يتحدث.
قال: «إن أصعب شيء في التصوير الفوتوغرافي هو إدخال اللمسة الإنسانية في الصور. مشهد صغير فيه بشر أصعب من صنع أكبر مشهد على الإطلاق». «هذا من الرجل الذي مناظره المصورة مشهورة»، فكر الكاتب وتابع السيد «جريفيت» قائلًا: «لقد عملنا مؤخرًا لساعات طويلة في محاولة للحصول على ابتسامة فتاة». «أردنا مجرد ابتسامة إنسانية بسيطة. ومع ذلك، بغض النظر عما فعلناه بدت وكأنها بعيدة عنا. وفي النهاية ظننا أننا حصلنا عليها ولكن حدث العكس، ولكن حدث العكس. لكن بعد دقائق قليلة، بينما كنت أسير في الشارع، رأيت فتاة حقيقية تبتسم وأدركت أننا افتقدنا ذلك.
«ظهور الإنسانية على الشاشة، هذا هو الشيء الصعب، وهو الشيء المهم. لم ينجح أحد في القيام بذلك بما يرضيه حتى الآن، ولكن كان هناك نهج للنجاح في هذه الصورة وذاك، ونحن متفائلون. نحن نعلم أن الشاشة يمكن أن تكون بشرية».
لقد أصبح واضحا في لحظة أن فكرة الإنسانية على الشاشة تعني أكثر بالنسبة للسيد «جريفيت» من مجرد تمثيل الحياة للترفيه الخامل لجمهور السينما. وظل يتحدث بتركيز أكبر دون أن يغير الموضوع، أي لا يغيره كما قدم نفسه له، بل يطوره بشكل شامل إلى أهميته الكاملة، وقال: «إن الإنسانية المشتركة لجميع الرجال و النساء هي ما فشل الناس في إدراكه». إنهم لا يتأثرون بحقيقة أن جميع البشر هم بشر، لهم خصائص وغرائز وفضائل ورذائل متشابهة، وكثيرون يتحدثون عن أخوة الإنسان ولا يبدو أنهم يدركون أن جميع البشر إخوة في جوهرهم، وتفصل بينهم مجموعة من الحواجز، الأنانية، والتحيز، والجهل. إنهم يفشلون في تقدير حقيقة أن تلك الحواجز بين الرجال من مختلف البلدان ومن نفس البلد يجب أن يتم كسرها قبل أن يكون هناك أي أخوة حقيقية. مجموعة من السادة المحترمين في باريس يشكلون عصبة الأمم، بينما تجتمع العائلات في نيويورك على طاولات العشاء ويتشاجرون على شريحة لحم أو قهوة لا يمكنهم حتى أن يكون لديهم رابطة عمل في الأسرة. تتفق الأمم، من خلال ممثليها الموقرين، على أن تصبح أصدقاء، بينما لشعب أي بلد، كما يقال لنا في أميركا، «الإيطالي رائع، والفرنسي آكل ضفادع والصيني صغير العينين». ما هي القوة الحيوية التي يمكن أن تتمتع بها عصبة الأمم طالما أن هناك أشخاصًا في نفس العائلة، نفس المجتمع، نفس البلد، أو نفس العالم يظلون معاديين بشكل محتمل أو نشط تجاه بعضهم البعض. يتعين على البشر في كل مكان أن يدركوا أخطائهم، وفضائل الأخرين، والإنسانية المشتركة للجميع قبل أن يتمكنوا حقًا من التعاون في مجتمع عالمي. يجب أن تكون موافقتهم العقلية نتيجة لهذا الإدراك.
«لا تعتقد أنني سأبتعد عن الموضوع الذي بدأنا به». قال السيد «جريفيت»: «أنا لست كذلك. لأنه من خلال المساعدة في جمع الرجال والنساء معًا في فهم عالمي لأخوتهم الأساسية، يمكن للشاشة أن تقوم بعملها الأعظم. للعائلة أو المجموعة الصغيرة التي يفرك فيها الناس أكواعهم ويدرسون عليها. «الشاشة لديها ما تقوله، يمكنها أن تظهر الرجال والنساء لأنفسهم. وفيها يمكنهم رؤية أنفسهم كما يراهم الأخرون. يمكنهم أن يروا انعكاساتهم الصغيرة وإساءاتهم الجسيمة، بدءًا من آداب المائدة السيئة إلى أفعال الأنانية التي تدمر رفاهية الأخرين، وقد تجعلهم هذه الرؤية يشعرون بعدم الارتياح تجاه أنفسهم كما هو حقًا. وعندما يصبح الرجل واعيًا لذاته بشكل غير مريح، فقد يجد الراحة في تحسين نفسه.
«بالنسبة لشعوب الدول والأعراف المختلفة، يمكن للشاشة أن تتعاطف مع الطابع الإنساني المشترك للجميع. إن الأم إيطاليا التي ترى صورة متحركة لأم في روسيا ترضع طفلها قد تفهم معنى حقيقة أن قانون الأم عالمي. «إن حب رجل وامرأة ممثلين إنسانيا على الشاشة له معنى بالنسبة للمشاهدين في كل مسرح في العالم ويؤسس لرابطة مشتركة بين الإنسان في فرنسا والإنسان في الصين».
اختلاف ألسنة البشر يحد من قدرتهم على التواصل أو قراءة بلغة الصور المتحركة. في الشاشة، العالم له لغة عالمية لا تحتاج ترجمتها لأي أحد في أي مكان. فالفيلم الحقيقي يمكن أن يجوب العالم ليحكي نفس القصة، حاملا نفس قيم الإنسانية لكل فرد في كل أرض. وقد تكون له اللمسة الإنسانية في الكوميديا أو المأساة بطريقة جدية أو تافهة. فالياباني الذي يضحك على قدمي «شارلي شابلن Charlie Chaplin» هو أقرب إلى أميركا في قلبه وإن لم ير الممثل الكوميدي الصغير».
تبدو فكرة السيد «جريفيت» مشابهة لفكرة أولئك الذين يعملون في لغة عالمية للكلمات مثل «اسبرانتو Esperanto». لكنه يتمتع بميزة لأن لغته في الصور المتحركة لا تحتاج إلى تعلمها بالجهد، وقد تم بالفعل قبولها وفهمها عالميًا. إنها تنتظر فقط التطوير. إنها تحتاج فقط إلى مفردات كافية للاستخدام الذي يجب أن تستخدم فيه. يبدو أن هذه الفكرة كانت في ذهن السيد «جريفيت»، لأنه عاد إلى نقطة بدايته وقال: «أترى لماذا أعتبر وضع الإنسانية على الشاشة بهذه الأهمية القصوى. يجب أن تكون ابتسامة تلك الفتاة هي الابتسامة الحقيقية لفتاة حقيقية في أي مكان إذا كان لها أن تحظى بجاذبية إنسانية لدى الجميع».
فكر الكاتب في المشاهد الريفية في «رومانسية الوادي السعيد A Romance of Happy Valley»، والأم الألمانية وابنها في «الفتاة التي بقيت في المنزل The Girl Who Stayed at Home»، والمزعج الصغير في «قلوب العالم Hearts of the World»، غير عادي للغاية ولكنه إنساني للغاية. وبينما كان يشاهد «الشق والطفل The Chink and the Child» في «أزهار مكسورة Broken Blossoms» فكر مرة أخرى في ما قاله السيد جريفيت».