عبدالله الأسمري
في أواخر شهر رمضان المبارك، تم الإعلان وبشكل مفاجئ، عن فيلم «شباب البومب»، وسرعان ما تفاوتت الآراء حول نجاحه، أو كونه عملًا لا ينبغي أن يذهب لصالات السينما، وتعالت أصوات النقاش إلى وقت صدور الفيلم في ثاني أيام عيد الفطر محققًا إيرادًا مذهلًا، وتصدر شباك التذاكر لفترة أسبوعين متتاليين، وقد يصل مستقبلًا لقائمة أعلى عشرة أفلام إيرادًا في شباك التذاكر. وكل هذا كان يحدث في ظل غياب تام للجانب النقدي الذي لم يواكب، للأسف، نجاحات الفيلم الجماهيرية.
تائه بين مفردات السينما
الفيلم بُني بالكامل على نجاح المسلسل واستثمر في شخصياته، وتعلّق الجمهور بها، وجعلهم ضمن قصة خارج أجواء العمل الرمضاني، ولكن ليست بجديدة على الأفلام الكوميدية باعتماد البطل على تميمة تجلب له الحظ، ثم يضطر لسبب ما إلى فقدانها، وما بين البداية والنهاية تُخلق المواقف الكوميدية التي تميز فيلم عن الآخر. وفي فيلم «شباب البومب»، لم ينجح كتّاب العمل في خلق مفارقات كوميدية جيدة، واعتمدوا في تحريك مسار القصة على المصادفات التي تأتي دون أي مبرر يذكر، وبفجوات هائلة في الحبكة أضاعت الخط الزمني للفيلم.
اللغة السينمائية للعمل كانت ضائعة ومطموسة الهوية، مجرد حلقة طويلة من مسلسل «شباب البومب» ابتداء من شارة البداية المزعجة في أي فيلم سينمائي، والقصة التي تستطيع أن تقسمها إلى فصول واضحة للغاية وضعيفة في التنقل ما بينها تمامًا لو شاهدت عدة حلقات متتالية من العمل، فضلًا عن الإخراج والصورة الباهتة التي لم تحمل أي أشكال جمالية أو قدرة على تتبع القصة بانتظام. وكأي فيلم تجاري، مؤخرًا، لا يخلو من أغانٍ خارجة عن مسار القصة، ولكنها تستخدم لأغراض تسويقية.
جماليات خارج الفيلم
دائمًا ما كان المتعارف أن جمهور «شباب البومب»، هم من الفئة العمرية ما بين التسع إلى الخمس عشرة سنة، وهذه الفئة تابعت بشغف مستمر إصدارات العمل في كل موسم رمضاني، وجعلوه ضمن الأعلى مشاهدة في الموسم، وهذا ما حفز العمل أن يستمر طيلة اثني عشر عامًا متتالية. وعندما أُعلن عن الفيلم في صالات السينما، توجس الكثيرون من نجاحه، الذي لربَّما يغير خارطة الإيرادات ويوجه الشباك أكثر نحو هذا النوع من الأفلام التجارية. وهذه الفرضية أراها فرضية سليمة، ولكن بجانبها الإيجابي لا السلبي، حيث إن معظم من قطعوا تذاكر للفيلم، هم من فئة عمرية نادرًا ما نرى أفلامًا توجه لهم، مما يجعل غالبية من شاهدوه يخوضون تجربتهم السينمائية الأولى، وبالطبع ستظل هذه التجربة الفريدة عالقة في أذهانهم لفترة طويلة من الزمن. فمن منا لا يتذكر تجربته الأولى لحضور فيلم على شاشة السينما، وحماسه الشديد طيلة الطريق إلى شباك التذاكر، وهو يختار بعناية فائقة مقعده أمام الشاشة العملاقة، التي بمجرد أن ينبعث إليها الضوء تبتلع جميع من يشاهدها إلى عالمٍ موازٍ يتشاركون فيه المشاعر والأحاسيس ونفس الخوف والمعضلة التي يحاول أن يخرج منها البطل، وتعلو صرخاتهم وضحكاتهم في ظل أجواء حميمة ينعدم فيها الشعور بالمكان والزمان، إلى أن ينتهي الفيلم ويرجع الضوء الخارجي من جديد، ويخرجون وهم ما زالوا تحت تأثير مفعول ذلك السحر العجيب، ويمشون في أروقة السينما يتحدثون بآرائهم عن العمل، ويطرحون الأسئلة ويختلفون في الإجابة عنها، وسرعان ما يشتعل فتيل نقاش آخر يكونون هم أبطاله بدلًا من أبطال الفيلم.
وفي ظل تطور صناعة السينما المحلية، لا بدَّ أن يخوض شباك التذاكر مغامرة مشروع ناجح، لديه قاعدة جماهيرية كبيرة مثل «شباب البومب»، لنختبر صوتنا السينمائي، ونحدد نبرته، ونجذب أكبر عدد من المتفرجين للفيلم المحلي. ولا أرى أن هناك مبررًا واضحًا للخوف من فيلم «شباب البومب» في قلب موازين الشباك، بل فرصة لتجربة جديدة في صناعة تتطور بشكل ملحوظ وبخطوات متسارعة. وها نحن في عام 2024، نشهد مشاركة سعودية أولى ضمن مسابقات مهرجان «كان» بفيلم «نورة». أيضًا في شهر يونيو من نفس العام، سيصدر فيلمان ضمن تصنيف عمري عالٍ «R18»، وهما: «أحلام العصر» و«آخر سهرة على الطريق ر». وهذه حالة صحية ينعم بها شباك التذاكر السعودي، الذي شهد نجاحًا لأفلام تعتبر نخبوية نوعًا ما مع «مندوب الليل» و«الهامور ح.ع»، وأيضًا شهد نفس النجاح لأفلام تجارية، مثل: «شباب البومب» و«سطار» و«شمس المعارف».