بلقيس الأنصاري
«عُمْر الأفلام يزيد على 100 عام. والآن لا نعرِف إلى أين ستنطلق هذه الرحلة المُذهلة مِن هُنا». كريستوفر نولان
استكمالاً لمشوار الـ100 عام، في تقديم الجائزة التنافسية الأشهر في المجال الترفيهي؛ أقامت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، النسخة الـ96 لحفل الأوسكار، وذلك بتاريخ 10 مارس 2024، في مقرِّ «مسرح دولبي» التاريخي، في عاصمة السينما لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا.
يعتبر «الأوسكار» الحفل الفنّي الأقدم، حيث قام جورج ستانلي بِنحت تِمثال المُحارب الذهبيّ، الذي قُدِّم كجائزة فنيَّة – للمرَّة الأولى – عام 1929، أثناء الحفل الخاصّ الذي أقامه دوجلاس فيربانكس، في فندق «هوليوود روزفلت»، بلا تغطية إعلامية. لكنه بُثَّ – للمرَّة الأولى – على الراديو عام 1930، مِن ثمّ -للمرَّة الأولى- على التلفاز في الـ19 من مارس عام 1953.. وللاستفادة مِن الزَّخم الإعلامي الكبير المُصاحب للحفل العرِيق – كنوع من الإمبريالية الثقافية – يتم الحرص الدائم على الترويج للعلامات التجارية والأفكار الكبرى من دورِ الأزياء، إلى الآراء السياسية.
والطريف في تسمية التِمثال بذلك، يُقال إنه يعود لأمينة مكتبة الأكاديمية مارغريت هنريك، التي قالت عام 1928، حين شاهدته للمرَّة الأولى: «يا لشبهه بعمّي أوسكار!».
في الأوسكار الـ96، تنافس 321 فيلمًا عالميًا، رُشِّح منها للقائمة القصيرة لأوسكار أفضل فيلم وثائقي طويل، الفيلم العربي المدعوم من صندوق مؤسسة البحر الأحمر السينمائي الدولي، الذي عُرض – للمرَّة الأولى – في الدورة الـ76 لمهرجان كان السينمائي الدولي، وعلى هامشه حصد جائزة «العين الذهبيَّة»، بجانب حصده لجائزة «الشرق للأفلام الوثائقية» من الدورة الـ3 لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ومؤخرًا حصد جائزة «سيزار» الفرنسية المرموقة: «بنات ألفة» للمخرجة كوثر بن هنيَّة. وبذلك يصبح العربي الوحيد الذي نافس في أوسكار 2024، بجانب كونه الترشيح الثاني للمخرجة بعد ترشَّح فيلمها: «الرجل الذي باع ظَهره» عام 2021. وذلك في إنجازٍ غير مسبوق لمؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ بوصول أحد الأفلام المدعومة من صندوق البحر الأحمر إلى التنافس الدولي في الأوسكار.
فيما شَملت ترشيحات القائمة القصيرة الأفلام الـ10 المُرشَّحة لجائزة الـ«أوسكار» الكبرى، التي تُقدَّم لأفضل فيلمٍ روائيّ في 2023. بدايةً بفيلمٍ من الولايات المتحدة، الذي عُرض – للمرَّة الأولى – في الدورة الـ 76 لمهرجان كان السينمائي الدولي: «قَتَلَة زهرة القمر» للمخرج الكبير مارتن سكورسيزي، الذي اقتبسه عن كتابٍ للصحفيّ ديفيد غران، روى فيه التهجير القَسري لقبائل «الأوسيدج» الهندية مِن أراضيهم، التي يتمّ اكتشاف النفط فيها، في مَطلع القرن العشرين. وفيلم السيرة الذاتية: «أوبنهايمر» للمخرج الكبير كريستوفر نولان، الذي يسرد تفاصيل إشراف العالِم جي روبرت أوبنهايمر، على مشروع «مانهاتن»، وصناعته للقنبلة الذريَّة، التي أُلقيت على هيروشيما اليابانية في الـ6 مِن أغسطس لعام 1945، وصراعه للتكفير عن كلّ ذلك.
بجانب فيلم: «الباقون» للمخرج ألكسندر باين، الذي يدور حول علاقة مُضطربة تجمع أستاذ تاريخ وطبّاخًا وطالبًا. وفيلم: «باربي» للمخرجة غريتا غيرويغ، التي نجحت في تصوير أو تجسيد الدور النمطي أو السطحي لعالَم الدُمى. والفيلم الذي عُرض – للمرَّة الأولى – في الدورة الـ80 لمهرجان البندقية السينمائي الدولي: «مايسترو» للمخرج والفنان برادلي كوبر، الذي يروي فيه جانبًا من حياة قائد الأوركسترا الموسيقي الأميركي ليونارد برنستاين. والفيلم الروائي الطويل الأوّل للمخرج كورد جيفرسون: «الخيال الأميركي».
أمَّا مِن أوروبا، فقد رُشِّح الفيلم الفرنسي الذي عُرض – للمرَّة الأولى – في الدورة الـ76 لمهرجان كان السينمائي الدولي، وحصد جائزة «السعفة الذهبيَّة» المرموقة: «تشريح السقوط» للكاتبة والمخرجة جستن تريت، التي شاركت في تأليفه مع زوجها آرثر هراري، حيث سردا فيه نظرة المجتمع للمرأة والرجل، استنادًا إلى محاولة خلق مشكلةٍ جذريَّة للتفوّق المهني للمرأة.
بجانب الفيلم اليوناني الحاصد الجائزة الكبرى «الأسد الذهبي» من الدورة الـ80 لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي: «أشياء مسكينة» للمخرج الكبير يورغن لانثيموس، والمقتبس عن رواية ألسدير غراي، التي تجسّد الصورة الحديثة لفرانكشتاين. والفيلم البريطاني: «منطقة الاهتمام» للمخرج جوناثان جليزر، الذي سرد التفاصيل المُرعبة اليومية التي تعيشها عائلة ألمانية بالقرب من معسكر أوشفيتز النازي.
فيما رُشِّح من آسيا، الفيلم الكوري الجنوبي: «حيَوات ماضية» للكاتبة والمخرجة سيلين سونغ، حيث لا صُدَف، بل كل ما يحدث بين اثنين هو قَدَر. وذلك في رؤيةٍ جديدة تحمل بصمة واضحة مِن الفيلم الصيني الشهير: «رفاق: قصة حُبّ تقريبًا 1996» للمخرج بيتر تشن.
وضمَّت ترشيحات الأوسكار الـ96، الأفلام أو الشخصيات المتوقّع ترشيحها مِن الأساس، بجانب فوزها بالجوائز لاحقًا.
بحضور النجوم مِن هوليوود ومِن العالَم، قدَّم الإعلامي والكوميدي الشهير جيمي كيميل – للمرّة الرابعة – حفل الأوسكار، وبدأ حديثه ساخرًا بقوله: «إنّ المُقدِّم الأسوأ لحفل الأوسكار، هو جيمي كيميل نفسه».
ثمّ مُنِحت التماثيل الذهبيَّة المرموقة، حيث حصد الفيلم الفرنسي: «تشريح السقوط» للكاتبة والمخرجة جستن تريت، أوسكار أفضل سيناريو «نصّ» أصلي. وحصد الفيلم البريطاني: «منطقة الاهتمام» للمخرج جوناثان جليزر، أوسكار أفضل فيلم دوليّ؛ وبذلك يصبح الفيلم البريطاني الأوّل الذي يحصد هذه الجائزة في تاريخ الأوسكار. بجانب حصده أيضًا لأوسكار أفضل صوت.
أمَّا الفيلم اليوناني: «أشياء مسكينة» للمخرج يورغن لانثيموس، فقد حصد 4 أوسكارات: أفضل تصميم ملابس، وأفضل تصميم إنتاج، وأفضل تجميل، وأفضل ممثلة في دور أوّل، التي ذهبت إلى الممثلة الأوسكارية إيما ستون، الحاصدة أوسكارًا سابقًا عن الفيلم الموسيقيّ: «لا لا لاند 2016» للكاتب والمخرج داميان شازل. بجانب حصد الممثلة دافين جوي لأوسكار أفضل ممثلة مساعدة، عن دورها في الفيلم الأميركي: «الباقون» للمخرج ألكسندر باين، وبذلك يعتبر الأوسكار الأوّل في مسيرتها المهنية، التي شكرت عليها والدتها؛ إذ لطالما نصحتها عندما كانت مُغنيَّة بالذهاب إلى «قسم المسرح»، بحسب خطابها.
فيما حصد الفيلم الأوكراني: «عشرون يومًا في ماريوبول»، للمخرج مستيسلاف تشيرنوف، أوسكار أفضل فيلم وثائقي طويل. وبذلك يصبح أوّل أوكراني يحصد جائزة الأوسكار على الإطلاق، رغم أُمنيته بعدم فوزه. وحصد الفيلم الأميركي: «باربي» للمخرجة غريتا غيرويغ، أوسكار أفضل أُغنية أصلية، التي فازت بها -الأصغر سِنًّا في تاريخ الجائزة – بيلي إيليتش. بجانب حصد الأسطورة اليابانية هاياو ميازاكي أوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة طويل، عن فيلمه: «الصبيّ ومالك الحزين»، المستوحى من سيرته الشخصية. وذلك بعد حصد فيلمه الشهير: «المخطوفة 2001» جائزة أوسكار 2002 لأفضل فيلم صور متحركة.
وبخلفيةٍ موسيقيَّة للفيلم العظيم «العرَّاب» أعلن نجمه الكبير آل باتشينو، عن حصد الفيلم الأميركي: «أوبنهايمر» للمخرج الكبير كريستوفر نولان، للأوسكار الـ96 لأفضل فيلم، مُسقطًا ذكر جميع المرشّحين للجائزة الكبرى، لكنّه برَّر ذلك لاحقًا، بأن ذلك يعود لاختيار المنتجين بعدم ذكر المرشّحين؛ بسبب تسليط الضوء عليهم بشكلٍ فرديّ طوال الحفل، رغم إدراكه أنّ «الترشيح بحدِّ ذاته علامة فارقة كبرى في حياة الفنان، وعدم الاعتراف به أمر مُهين؛ لذا أتعاطف بشدة مع أولئك الذين تمّ الاستهانة بهم بسبب هذا السَّهو».
وأيضًا حصد فيلم: «أوبنهايمر» 6 أوسكارات أخرى، بدايةً بـ«الرجل الحديدي» -المرشَّح مرّتين – روبرت داوني جونيور، الذي حصد أوسكار أفضل ممثل مساند. وبذلك شكر الأكاديمية باعتبارها الوظيفة التي يحتاجها أكثر مما تحتاجه؛ «لأنّ ما نقوم به هادف، وما نقرّر القيام به مُهم». بجانب أوسكارات: أفضل مونتاج، وأفضل تصوير سينمائي، وأفضل تسجيل.
أمّا المخرج كريستوفر نولان – المرشَّح سابقًا عن فيلم: «دنكيرك 2017» – فقد حصد أوسكار أفضل مخرج؛ وبذلك حاز أوّل أوسكار له في مسيرته الفنية. وذكر في خطابه أنّ «عُمر الأفلام يزيد على 100 عام. والآن لا نعرِف إلى أين ستنطلق هذه الرحلة المُذهلة مِن هنا، لكن اعتقادكم بأنّي جزء مهم منها؛ يَعني العالَم بالنسبة لي». وختم مخرج «بين النجوم 2014» حديثه بالشكر الحارّ «لأولئك الذين وقفوا بجانبي، وآمنوا بي، طوال مسيرتي المهنية».
فيما حصد نجم الليلة كيليان مورفي أوسكار أفضل ممثل، عن تجسيده لشخصية عالِم الفيزياء النظرية ج. روبرت أوبنهايمر. واختتم الإيرلندي المَولِد والأوسكاري – للمرَّة الأولى – حديثه بـ: «نحن نعيشُ في عالَم أوبنهايمر؛ لذا أُهدي هذه الجائزة لصُنَّاع السَّلام في كل مكان».
اختتم حفل الأوسكار الـ96 بخروج صفر جوائز لفيلم: «قَتَلَة زهرة القمر» للمخرج الهوليوودي الكبير مارتن سكورسيزي، المُكرَّم – مؤخرًا – عن مسيرته الفنية بـ«الدُّب الذهبي الفخري» من الدورة الـ74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي. بجانب تجاهل تكريم الأداء الرصين والمؤثّر للممثلة ليلي غلادستون، التي ذكرت بأنّ «نساء قبيلة أوسيدج سعيدات بخروج القصة إلى النّور»، رغم المأساة التي عُرضت على المُشاهد.
الفيلم اُختير مِن قبل دائرة نُقَّاد السينما في نيويورك، بجانب المجلس الوطني للمراجعة كأفضل فيلم لعام 2023؛ باعتباره الفيلم الذي يروي الجانب الآخر لمعاناة الهنود الحمر، الذي لا ترويه هوليوود عادةً؛ إذ يتم تكريس الصورة النمطية التي بدأت مِن الأدب الأميركي الشعبي – بحسب مؤلفة كتاب «هنود بكرَات الأفلام»، جاكلين كيلباتريك – إلى أفلام الغرب الأميركي للمخرج القديم جون فورد برفقة نجمه المفضّل جون واين، بدايةً بفيلمهم الأبرز: «عربة 1939» الذي حصد جائزتي أوسكار في حينها.
لكن سبقت ذلك محاولات نقدت تلك القولبة النمطية في أعمالٍ أخرى كفيلم المخرج الكبير، د. و. غريفيث: «رؤية الرجل الهندي 1909»، وصولاً إلى التنازل الأشهر عن جائزة الأوسكار المرموقة، الذي قام به نجم فيلم «العرَّاب» الكبير مارلون براندو؛ احتجاجًا على معاملة الهنود الحُمر في سينما هوليوود، في الـ30 من مارس 1973، حين كادت ساشين أن تُلقي أمام هوليوود خطابه الذي نُشِر في النيويورك تايمز لاحقًا: «قد تسأل نفسك ما علاقة كل هذا بجوائز الأوسكار؟ أعتقد أنّ الإجابة غير المعلنة هي أنّ السينما والصورة كانتا مسؤولتين مثل أيّ مجتمع عن إهانة الهندي، واصفةً إيّاه بالمتوحش والعدائيّ والشرير. حين يشاهد الأطفال الهنود التلفزيون ويشاهدون الأفلام، وعندما يشاهدون كيف يصوّرون أبناء عِرقهم في الأفلام؛ تتأذى عقولهم بطرقٍ لا يمكننا أن نعرفها أبدًا. أظن أنّ الجوائز في هذا البلد وفي هذا الوقت غير مناسبة لتلقيها أو منحها حتى تغيّر حالة الهنود الأميركيين بشكلٍ جذري. إذا لم نكن حرّاسًّا لإخوتنا، على الأقل دعونا لا نكن جلاَّديهم».
ولأجل استمرارية هذه المحاولات النقديَّة الإنسانية؛ يروي فيلم: «قَتَلَة زهرة القمر» – المرشَّح لـ10 جوائز أوسكار – بعدسةٍ ورؤيةٍ توثيقيَّة – بالاستعانة بالهنود الحمر أمام أو خلف الشاشة – إجبار قبيلة «الأوسيدج» الهندية في ولاية أوكلاهوما، عام 1921، على الهجرة وبيع حقوق أراضيهم الثريَّة للبِيض، بالاحتيال والابتزاز والتصفية الصريحة، في الأرض التي يُقدِّسونها، حيث تزدهر الأزهار عند اكتمال القمر في شهر مايو، الظاهرة التي يسمّونها: «زهرة القمر»، فيما حالهم كما ذكر أديبهم ذات مرَّة:
«فإذا بِعنَاك بلادنا
فاجعلها حَرَامًا
وقدِّسها كأنها مَقَام
يحجُّ إليه الرجل الأبيض
ويتذوَّق فيه الريح المُحلاَّة
بأزهارِ المروج».
في النسخة الـ96 للأوسكار، أعلنت أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة، عن استحداث جائزةٍ أوسكاريَّة تنافسية ستُقدَّم لفئة الــCasting – للمرَّة الأولى – في النسخة الـ98؛ تقديرًا لدورهم البارز في صناعة السينما، وذلك في وقتٍ يتذوَّق فيه الجمهور السينما انطلاقًا مِن معايير ذائقةٍ نقديَّة ذاتية بعيدة عن صوت الأكاديمية، بجانب استقباله للقيمة الفنيَّة لجوائز الأوسكار بلامبالاة النجمة الأوسكاريَّة الأكثر ترشيحًا وفوزًا، كاثرين هيبورن، التي لم تحضر لتسلُّم التماثيل الذهبيَّة المرموقة قط.