يُقال إن قياس نجاح العمل يعرف بتأثيره.
ما هو تأثيره؟!
إيمان محمد
مبدئيًا في اللهجة التي أصبحنا نرددها، والشاهي الذي بتنا نشربه بعدد ما شربه الممثلون أمام الكاميرا وخلف كواليسها .
شيء خفي يشد المشاهد لمتابعة هذا العمل الملحمي بشغف، قد يكون في البداية الفضول لمعرفة خفايا صناعة «البشت الحساوي» الشهير والمُتغنَّى بجماله في كثير من الأشعار، ثم تجد نفسك بعد ذلك تنجذب لجمال اللهجة «الحساوية»، بعدها تجد أنك قد بدأت تتغلغل في رسم الشخصيات بأدائها المنسجم، ثم تكتشف أنك بعد ذلك قد وقعت في مصيدة إدمان المشاهدة والتتبع لأحداث الرواية والبحث عن خلفيات إعدادها العميقة التي ضمت العديد من ورش الكتابة، ما أظهرها للمشاهد بهذا الكم من الإبداع.
أجمل ما في المسلسل «خيوط المعازيب»، أنه لم يتوجه لافتعال أحداث مبالغ فيها كما حدث مع بعض الأعمال، بل أتت بانسياب سلس ومنطقي يتشابه مع طبيعة مجتمع الأحساء الهادئ. حتى نقاط التحول الزمنية في المسلسل لم تظهر كقفزات مفككة، بل بدت التحولات مترابطة بشكل منطقي، بداية من مرحلة التحاق أبناء المنطقة الشرقية في الستينيات للعمل بشركة «أرامكو»، مع مرحلة الانتقال من صناعة البشوت يدويًا حتى صناعتها آليًا. القصة حِيكت وحُبكت بخيوط متينة اعتمدت على أصالة المجتمع الأحسائي وثقافته الثرية فنيًا من خلال تسليط الضوء في العمل على المهارة اليدوية، التي علَّمتها القسوة والحاجة، الكثير من الصبر والسماحة، والذي عبرت عنه كمتنفس بمهارة فنية أخرى قدمها المسلسل في سمرات الغناء بأغاني عيسى الأحسائي وفن النهمة الحساوية وصوتها المجروح. القصة يُستفاد منها الكثير؛ لذلك لا يستغرب من تمرير الكثير من الحكم والأمثال في طياتها. والحقيقة – في رأيي – أن ما أضاف لجمال الرواية هو «الهوية الأحسائية» بالتوليفة الشاملة من ممثلين وممثلات حتى أداء التتر لابن الأحساء «رابح صقر».
العمل بالرغم من أنه يحكي ظاهرًا عن صراع الخير والشر والظلم وغياب العدل، فإنه يخفي في «خبنته» رواية أعمق، تحكي عن المتسبب في نشوء الصراع والمتمثل في وجود خلل في النظام الاقتصادي لتلك الفترة، والذي ساعد على تولد الاحتكار وغياب حقوق العمال والتأثير على الصناعة، ما سمح بتولد فئة انتهازية من الملاك المتاجرين بجشعهم أمام فئة أذابتها الحاجة حتى وصلت حد الفقر والمعاناة .
العمل ملحمي وقفزة جديدة في الدراما السعودية، وسقف جديد لأعمال لا بدَّ أن تنظر إليه وتتدارسه كمرجع في الشمولية الفنية ما بين نص ورقي وحبكة درامية وإخراج وتطعيمات فنية، لثقافة وموروث المنطقة الشرقية، بإخلاصها وخبزها ومشمومها وعيونها التي اعتادت التدفق بالفن والجمال والمواهب المحترفة والواعدة.